العراق: ضغوط سياسية وفصائلية تمنع تشريع قانون العفو العام

04 يوليو 2023
نصّ اتفاق تشكيل حكومة السوداني على إقرار القانون (الأناضول)
+ الخط -

يُمارس عدد من قوى "الإطار التنسيقي"، الحاكم في العراق، إلى جانب فصائل مسلحة متحالفة معه، ضغوطاً على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لعرقلة تمرير تشريع "قانون العفو العام"، وهو أحد أبرز مطالب القوى السياسية العربية السنّية، وفقاً للاتفاق السياسي الذي شُكّلت على أساسه حكومة السوداني.

وخلال السنوات الماضية، زُجّ بآلاف العراقيين داخل السجون، بناء على اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب "التهم الكيدية" من قبل من يعملون "مخبرين سريين"، إذ اندرجت أغلب تلك القضايا التي أثيرت ضدهم تحت سقف العداوات الشخصية والتصفيات السياسية.

تصعيدٌ ضدّ قانون العفو العام في العراق

وكشف وزير العدل العراقي خالد شواني، في إبريل/نيسان الماضي، عن تشكيل لجنة لإعداد قانون "العفو العام"، والذي نصّ اتفاق تشكيل حكومة السوداني على إقراره، لكن قوى سياسية داخل "الإطار التنسيقي" بدأت منذ أيام التصعيد ضد القانون بوصفه "يخدم الإرهابيين"، مؤكدين رفضهم لتمريره.


خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي يخوضان حوارات ونقاشات مع رئيس الوزراء وبعض أطراف الإطار التنسيقي لتشريع القانون

وكان البرلمان العراقي قد أقرّ قانون العفو العام نهاية أغسطس/آب 2016، بعد خلافات سياسية طويلة، لكن كتلاً نيابية اعتبرت أنه قد أفرغ من محتواه، بعد حذف عدد من البنود والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.

وكان التعديل الأول للقانون قد تمّ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد طلب تقدمت به قوى سياسية تنضوي حالياً ضمن "الإطار التنسيقي". وتضمنت أبرز التعديلات، شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي، بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما في ذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.

كذلك، عُدِّلت وقتها فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد، بعد العاشر من يونيو/حزيران 2014، وهو تاريخ احتلال تنظيم "داعش" مدينة الموصل شمالي البلاد.

كذلك عُدِّلَت الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو. ومُنح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير، إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.

وقال مصدر مطلع في مجلس الوزراء العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "جلسة مجلس الوزراء الماضية (الثلاثاء الماضي) كانت تضم في جدول أعمالها تعديلاً جديداً لقانون العفو العام، من أجل التصويت عليه، ثم إحالته إلى مجلس النواب بغرض تشريعه مع بداية الفصل التشريعي الجديد للبرلمان، لكن ضغوطاً مارستها قوى في الإطار إضافة إلى فصائل مسلحة على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، دفعته إلى سحب القانون من الجلسة".

وبيّن المصدر، أن "مجلس الوزراء خلال جلسته السابقة، شهد مناقشات وحوارات بشأن تشريع قانون العفو العام، لكن كان هناك اعتراض عليه من قبل الوزراء التابعين لقوى الإطار التنسيقي، ولهذا تمّت فقط مناقشته بصورة عامة من دون اتخاذ أي قرار بشأنه وتمّ تأجيل طرحه لوقت آخر دون تحديد موعد له".

وأضاف المصدر أن "زعيم تحالف السيادة خميس الخنجر، إضافة إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يخوضان حوارات ونقاشات غير معلنة مع رئيس الوزراء وبعض أطراف الإطار التنسيقي، من أجل تشريع قانون العفو العام، وفقاً للاتفاق السياسي الذي على إثره تشكّل ائتلاف إدارة الدولة والحكومة الحالية"، لافتاً إلى أن "الخنجر والحلبوسي يضغطان سياسياً لتشريع القانون مع بداية الفصل التشريعي للبرلمان العراقي" نهاية الشهر الحالي.

من جهته، قال عضو تحالف "السيادة"، حسن الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "الرافضين للقانون لا يملكون أي مبررات، وتشريعه كان من أبرز شروط القوى السياسية السنّية لتشكيل الحكومة الحالية، ولهذا يجب الالتزام بهذه الاتفاقات، لضمان الاستقرار السياسي".

وبيّن الجبوري أن "قانون العفو العام لا يهدف إلى إطلاق سراح الإرهابيين، كما تحاول بعض الجهات السياسية أو المسلحة الترويج لذلك، بل يهدف فقط إلى إطلاق سراح الأبرياء الذين كانوا ضحية المخبر السرّي وانتزاع الاعترافات الباطلة منهم بالقوة والتعذيب، وهذه القضايا تشمل غالبية المعتقلين".

وأكد عضو تحالف "السيادة" أن التحالف "ما زال يُحسن الظن برئيس الوزراء العراقي، من أجل الالتزام بما تمّ الاتفاق عليه قبل تشكيل حكومته ومنحه الثقة من قبل البرلمان"، مضيفاً أن "أي تراجع بهذه الاتفاقيات، سيدفع تحالف السيادة إلى اتخاذ مواقف سياسية". وأضاف أن "هذا الأمر تمّ إبلاغ قوى ائتلاف إدارة الدولة به بشكل واضح وصريح، فلا يمكن المساواة أو التراجع عما تم الاتفاق عليه".

لكن النائب عن "الإطار التنسيقي" أحمد الموسوي، اعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك أطرافاً سياسية تعمل على تشريع قانون للعفو العام، يهدف إلى إطلاق سراح المتورطين في دماء العراقيين، وهذا الأمر لم ولن نسمح به اطلاقاً، فلا يوجد أي اتفاق سياسي يسمح بإطلاق سراح الإرهابيين من السجون"، بحسب تعبيره.

وردّاً على سؤال حول سبب موافقتهم على تشريع القانون قبل تشكيل الحكومة ومنحهم وعوداً في هذا الإطار، قال الموسوي: "ليس هناك اعتراض بشكل عام على قانون العفو العام، إذا ما عمل على إطلاق سراح كل من لم يتورط في دماء العراقيين، ولهذا فإن فقرات القانون يجب أن تدرس وتناقش بشكل دقيق". وبرأيه، فإن "الإسراع في تشريعه يثير الشكوك والمخاوف".


أحمد الشريفي: القوى السياسية السنّية محرجة كثيراً أمام قواعدها الشعبية

حافز جديد لمراجعة التحالفات السياسية

وتعليقاً على التأخير في إقرار القانون، رأى المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "تراجع قوى الإطار التنسيقي عن الاتفاقات السياسية، ليس بالأمر الجديد، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا التراجع، خصوصاً أن تشريع قانون العفو العام وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة، كان يجب أن يُنفذا بعد مرور ستة أشهر على تشكيل حكومة السوداني (نالت الثقة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، لكن تمّ تسويف المسألة".

وأعرب الشريفي عن اعتقاده بأن "عدم التزام الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء بالاتفاقات السياسية، خصوصاً بعد ما حصل من خلاف على قانون الموازنة، سيدفع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مراجعة التحالفات السياسية، خصوصاً في ما يتعلق بالانضمام إلى ائتلاف إدارة الدولة، الذي هو في الأساس يشهد خلافات داخلية عميقة، ما بين كل أطرافه السياسية".

ورأى المحلل السياسي أن "القوى السياسية السنّية محرجة كثيراً أمام قواعدها الشعبية، فيما يتعلق بقضية تشريع قانون العفو العام وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة، ولهذا فهي ستعمل بكل ما أوتيت من الضغوط والتهديدات السياسية من أجل إلزام تطبيق الاتفاق السياسي".

وتوقع في المقابل أن "فشل هذه القوى بفرض ما تريده، سيدفعها للانسحاب من ائتلاف إدارة الدولة واتخاذ مواقف سياسية ربما من حكومة السوداني، من أجل الحفاظ على ماء وجهها أمام جماهيرها، خصوصاً مع قرب انتخابات مجالس المحافظات".

وكان السوداني وجّه بفتح ملف انتزاع الاعترافات قسراً خلال التحقيقات القضائية، منتصف نوفمبر الماضي، داعياً كل من تعرّض لأي صورة من صور التعذيب أو الانتزاع القسري للاعترافات إلى تقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان، معززةً بالأدلة الثبوتية، كما خصّص بريداً إلكترونياً لاستقبال الشكاوى.

وأُقر نظام "المخبر السرّي" في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 ـ 2014)، كأحد أساليب الحصول على معلومات أمنية، إلا أن آلاف المواطنين من ضحايا هذا النظام ما زالوا في السجون، فيما يطالب ذووهم السلطات بإعادة محاكمتهم، أو السماح لهم باستئناف الأحكام التي صدرت بحقهم بناءً على معلومات "المخبر السرّي" التي لا تخلو في حالات عدة من الكيدية.