تتجه الأزمة السياسية في العراق للعودة إلى مربعها الأول، مع تمحور المطالب حول حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو الموقف الذي يتبناه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، غير أن الطرف المقابل وتحديداً قوى "الإطار التنسيقي"، التي بدت مواقفها متضاربة تجاه الانتخابات المبكرة، كانت تضع شروطاً مسبقة لذلك.
يأتي ذلك في ظل استمرار اعتصام أنصار التيار الصدري في المنطقة الخضراء وسط بغداد، في حين يستعد هؤلاء لإقامة صلاة موحدة اليوم الجمعة داخل المنطقة الخضراء، وتحديداً في ساحة النصر المخصصة للاستعراضات العسكرية الكبرى، وسط إجراءات أمنية مشددة تتخذها القوات العراقية في محيط الفعالية.
وقال مسؤول أمني لـ"العربي الجديد"، إن "الإجراءات ناجمة عن مخاوف من عمليات تستهدف أنصار الصدر، لتفجير الأوضاع المحتقنة".
الصدر يطالب بحل البرلمان وانتخابات مبكرة
وكان الصدر قد دعا، في خطاب ألقاه من مدينة النجف جنوبي العراق مساء الأربعاء، إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة نزيهة، معتبراً أنه لا فائدة ترتجى من الحوار. وأكد أن حراكه الاحتجاجي الحالي "ليس صراعا من أجل السلطة"، معلناً أن الحراك سيستمر حتى تحقيق مطالبه. وتابع: "لن ابتدئ بإراقة الدماء، وإذا ابتدأوا هم بذلك فالإصلاح يحتاج إلى تضحية". كما أشار إلى أنه لم يقرر لغاية الآن المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وفي بيان نشره على "تويتر" أمس الخميس، قال الصدر إن وحدة الصف الشيعي "حالياً في غاية الأهمية إذا كانت تبنى على نبذ التبعية والإصلاح الحقيقي ونبذ الفساد والفاسدين ومحاكمتهم". وتوجه إلى "الحشد الشعبي" بالقول: "إنهم أقرب إلى آرائنا نحن آل الصدر"، معتبراً أن "مجاهدي الحشد على أتم الاستعداد للدفاع عن الإصلاح والحق".
الصدر: وحدة الصف الشيعي حالياً في غاية الأهمية إذا كانت تبنى على نبذ التبعية والإصلاح الحقيقي ونبذ الفساد والفاسدين ومحاكمتهم
وكان السياسي المقرب من التيار الصدري، فتاح الشيخ، قد قال لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات المبكرة الجديدة، يجب أن تكون في أجواء خالية من السلاح المنفلت ومن المال السياسي ومن مشاركة الفاسدين، ويكون فيها تشديد لتطبيق كامل فقرات قانون الأحزاب، وهذا ما سيعمل عليه التيار الصدري، بعد التوجه لهذا الخيار".
تباينات داخل "الإطار التنسيقي"
وعقب دعوة الصدر إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، ورفضه دعوات الحوار مع "الإطار التنسيقي"، صدرت ردود فعل مختلفة ومتباينة من قوى وأحزاب داخل الإطار، بعضها أيدت هذا الحل، وأخرى تحفظت عليه، وثالثة وضعت شروطاً لتنفيذه.
وقال قيادي عراقي بارز في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، إن الموقف داخل قوى "الإطار التنسيقي"، كان منقسماً حتى يوم أمس، بين قبول الذهاب إلى خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وبين آخرين يشترطون أولاً تغيير قانون الانتخابات الحالي (الدوائر المتعددة) ويحملونه مسؤولية خسارتهم الكثير من المقاعد، وآخرين يطالبون بتشكيل حكومة جديدة أولاً تأخذ على عاتقها تنظيم الانتخابات المقبلة، ويرفضون أن تبقى حكومة مصطفى الكاظمي بوصفها طرفاً غير محايد وأقرب للصدر منهم.
واعتبر أن "الصدر رفع سقف مطالبه بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهذا يعني أننا أمام ما لا يقل عن 9 أشهر لتتمكن المفوضية من تهيئة ملف الانتخابات الجديدة". وحول موقف القوى السنّية والكردية من الأزمة، أكد أنها "أقرب للصدر، وهناك اتصالات غير معلنة ومستمرة بين قيادات تحالف السيادة والحزب الديمقراطي لتنسيق المواقف".
ولفت إلى أن "جهود أطراف صديقة أسهمت في اليومين الماضيين في ضبط الأوضاع ومنع تفاعلها في الشارع الشيعي الصدري و(الإطاري)، لكن بكل الأحوال ما زالت الأوضاع متوترة داخل الوسط السياسي".
من جهته، قال رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، لقناة "الجزيرة"، إن إعادة الانتخابات البرلمانية لم تعد قضية خاصة بالتيار الصدري، مشيراً إلى أن "الإطار التنسيقي" لم يتخذ بعد موقفه الرسمي من إجراء انتخابات مبكرة.
لكنه اعتبر أن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة سيكون حلاً في حال اتفاق جميع الكتل والأطراف السياسية الأخرى، لافتاً إلى أن نظام الحكم في العراق توافقي ولا يمكن القبول بموقف واحد لجهة معينة. ورأى أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ولا تمتلك صلاحيات إجراء إعادة الانتخابات.
الفياض: حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة سيكون حلاً في حال اتفاق جميع الكتل والأطراف السياسية
وفي السياق نفسه، أصدر رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بياناً رد فيه على دعوة الصدر لإجراء انتخابات بالقول إنه "تجب العودة إلى الدستور واحترام المؤسسات الدستورية". واعتبر أن الحل "في الحوارات الجادة التي نأمل منها حسم الخلافات وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح".
من جهته، أعلن زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، تأييده لإجراء الانتخابات المبكرة، لكنه استدرك أن إجراء انتخابات "يتطلب حواراً شاملاً من أجل تحديد موعد وآليات ومتطلبات إجرائها، وتوفير المناخات المناسبة لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة تعيد ثقة المواطن بالعملية السياسية".
أما زعيم تحالف "النصر"، حيدر العبادي، وهو أحد أركان "الإطار التنسيقي"، فرحب بطلب الصدر إجراء انتخابات مبكرة، معتبراً في بيان له، أن "الخطوة لحفظ الدم وتحقيق الإصلاح". ودعا الجميع إلى "التكاتف لخدمة الشعب وإصلاح النظام وتدعيم الدولة الدستورية".
وفي سياق التجاذبات داخل "الإطار التنسيقي"، كشفت مصادر سياسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أنه تم تأجيل اجتماع كان مقرراً ليلة الأربعاء لقادة "الإطار"، بسبب عدم حضور العديد من قيادات التحالف للاجتماع الذي كان مقررا في منزل زعيم المجلس الإسلامي الأعلى همام حمودي.
ووفقاً للمصادر، فإن عدم الحضور يأتي بسبب الخلافات في وجهات النظر، خصوصاً بين المالكي والخزعلي من جهة، والعامري والعبادي والفياض من جهة أخرى. وكشفت عن مساع للمبعوثة الأممية في بغداد، جنين بلاسخارت، للقيام بدور في الأيام المقبلة، لتهيئة أجواء تسمح بلقاءات بين ممثلي القوى السياسية العراقية.
على الجهة المقابلة، قال عضو الحراك المدني العراقي، أحمد حقي، لـ"العربي الجديد"، إن القوى المدنية والعلمانية ستُصدر بياناً يؤيد الذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. وأضاف أن التوجه العام هو مشاركة المدنيين والمستقلين بقوة وعدم مقاطعة أي انتخابات مقبلة، سواء "قوى تشرين" أو الحزب الشيوعي.
من جهته، قال عضو التيار الصدري محمد الدراجي، لـ"العربي الجديد"، إن وجود مناصري التيار في المنطقة الخضراء "مستمر حتى صدور توجيهات من النجف"، في إشارة إلى الصدر. وتحدث عن قرب دخول "فعاليات شعبية أخرى غير صدرية على خط الاحتجاجات في بغداد"، من دون أن يسمي أيا منها، لكن الأقرب أن المقصود بها العشائر التي أعلنت تأييدها للصدر في وقت سابق.