العراق: خلافات على تقاسم أصوات الحشد الشعبي في الانتخابات

25 اغسطس 2021
يُصوّت أفراد "الحشد" قبل يوم من موعد الانتخابات (فرانس برس)
+ الخط -

ذكرت مصادر سياسية مطلعة في العاصمة العراقية بغداد، أمس الثلاثاء، أن كتلاً سياسية عدة منضوية ضمن تحالف "الفتح"، أبرز القوى السياسية الحليفة لطهران في العراق، تسعى للتوصل إلى تسوية في ما بينها بشأن تقاسم أصوات مقاتلي ألوية ووحدات في "الحشد الشعبي"، يحق لهم التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في البلاد، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وتحتدم الخلافات مع قرب الانتخابات بين كتل التحالف الذي يتزعمه هادي العامري، على تلك الأصوات، وتحديداً الفصائل التي لا ترتبط تنظيمياً بأحزاب سياسية، وعددها أكثر من 40 فصيلاً، بما فيها فصائل "الحشد العشائري" وفصائل أخرى تنتشر في محافظة نينوى وصلاح الدين وديالى وأطراف بغداد.

أجرى رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض عمليات نقل وإعفاء واستبدال في ألوية تابعة للحشد

ووفقاً للمصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن التنافس على كسب أصوات مسلحي "الحشد الشعبي" في الانتخابات المقبلة، تصاعد بعد تحركات لعدد من المرشحين والقوى السياسية باتجاه الفصائل، وتحديداً تلك التي لا تمتلك تمثيلاً سياسياً، على غرار مليشيات "بدر" و"عصائب أهل الحق" و"سرايا السلام" و"سرايا عاشوراء" و"جند الإمام"، وغيرها من الوحدات المسلحة التي تمتلك أجنحة سياسية وتعتبر أصوات مسلحيها محسومة لها في كل انتخابات. ولفتت المصادر إلى أن الخلاف الحالي ازدادت حدّته بسبب تحركات لرئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، خلال الشهرين الماضيين، عبر قيامه بإجراء عمليات نقل وإعفاء وتغيير لعدد من قادة الألوية التابعة للحشد، واستبدالهم بآخرين مقربين أو تابعين لحركة "عطاء" التي يرأسها وتشارك في الانتخابات.

وأكدت المصادر أن أعضاء وممثلين عن كتل في تحالف "الفتح"، يحاولون الآن التوصل إلى تسوية بشأن أصوات عشرات الآلاف من المنتسبين لفصائل "الحشد الشعبي"، المنتشرة في مدن شمالي وغربي ووسط البلاد وشرقها، لافتة إلى حصول تدخل من قبل رئيس أركان "الحشد" عبد العزيز المحمداوي (المعروف بأبو فدك)، للتوصل إلى تفاهم مرضي بين الكتل لتقاسم أصوات عناصر "الحشد" وتوزيعها على مرشحي التحالف قبل حلول الانتخابات. ومن المقرر أن يُصوّت أفراد "الحشد الشعبي"، قبل يوم من الانتخابات العامة، ضمن ما يعرف بالتصويت الخاص، والذي يشمل أيضاً الجيش العراقي وقوات الأمن المحلية ونزلاء السجون والمستشفيات.

ولا تقتصر حالة التنافس الحالي على مكونات تحالف "الفتح"، إذ إن مرشحين في تحالفات أخرى جنوبي ووسط العراق، يسعون أيضاً للظفر بأصوات بعض الفصائل، خصوصاً في تحالفات "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، وتيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، و"النصر". ويظهر أن أصوات الفصائل المرتبطة بالنجف (مقر المرجعية الدينية)، أو ما تعرف بـ"حشد العتبات"، لا تزال غير محسومة، وسط تأكيدات على أن تلك الفصائل ستترك لأفرادها حرية الاختيار، دون تدخل أو توصية منها، بخلاف ما يجري مع الفصائل الأخرى.

وتعود جذور الأزمة إلى انتخابات عام 2018، عندما جرى استئثار كتل محددة بأصوات غالبية أفراد "الحشد الشعبي"، وتحديداً كتل "عطاء" بزعامة فالح الفياض، و"بدر" بزعامة هادي العامري، و"صادقون" بزعامة قيس الخزعلي، التي حصلت على أصوات الفصائل الحليفة لطهران، مثل "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"البدلاء" و"الأوفياء" و"الخراساني"، ومليشيات أخرى. وتمّ ذلك وفقاً لتفاهمات بين قادة تلك الفصائل والخزعلي، الذي يسعى هذه المرة إلى منافسة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، في معاقل الأخير الرئيسية ببغداد، ضمن دوائر مدينة الصدر والشعلة والحسينية والكاظمية، شرقي وغربي وشمالي العاصمة.

أصوات الجيش العراقي تبدو الأكثر تعافياً من ناحية الضغوط

ويبلغ بالمجمل عدد عناصر "الحشد الشعبي" قرابة 160 ألف مسلح، فيما عدد الذين يتوفرون في بيانات الحكومة وتلتزم بدفع مرتبات شهرية لهم، مقدر بـ115 ألف عنصر. وتجري ضغوط لإضافة نحو 30 ألف عنصر آخرين، ضمن من يعرفون بـ"المفسوخة عقودهم"، وأغلبهم عناصر من فصائل حليفة لطهران، بعضهم عاد من سورية أخيراً.

وفي وقت سابق، اتهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي زعيم "الحشد الشعبي" فالح الفياض باستغلال منصبه في أغراض انتخابية، مطالباً إياه بالفصل بين عمله السياسي كرئيس حزب، وبين عمله رئيساً لـ"الحشد الشعبي". وتساءل الحلبوسي: "لماذا يتم تغيير أمراء الحشود وخصوصاً العشائرية، بشخصيات تنتمي إلى حركة عطاء. هذه المعلومات تردنا من المنتسبين في الحشد، كما حصل في كركوك، إذ أعفي آمر لواء، والبديل هو من ذوي مرشحة في كتلة عطاء، وحدث الأمر في الموصل". ورأى أن "ما يحصل في الحشد الشعبي، هو استغلال لهذه الإمكانيات واستخدامها انتخابياً بشكل واضح، وهذا الأمر مرفوض، وسيكون لنا موقف قد يصل إلى مراحل متقدمة في مجلس النواب".

وتعليقاً على ذلك، أوضح عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي أن "أصوات مسلحي الحشد الشعبي تكون عادة موجهة بتوصيات من قبل قادة الفصائل وأمراء الألوية، ولهذا فإن التنافس شديد على كسبها الآن". واعتبر حقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أصوات الجيش العراقي تبدو الأكثر تعافياً من ناحية الضغوط بعد انتخابات 2010 و2014 التي جرى خلالها إجبار الجنود والعسكريين ذوي المراتب على التصويت لصالح ائتلاف دولة القانون تحديداً، لكن التطورات التي شهدتها المؤسسة العسكرية خفّفت من النفوذ السياسي داخل صفوف الجيش بشكل كبير". ولفت عضو التيار المدني العراقي إلى أن هذا التنافس "يمثل تأكيداً على مخاوف القوى المدنية من نزاهة الانتخابات المقبلة، خصوصاً أن تلك الفصائل موجودة ضمن دوائر انتخابية يتنافس فيها مرشحون يتبعون لهم بشكل أو بآخر".

يبلغ بالمجمل عدد عناصر "الحشد" قرابة 160 ألف مسلح

من جهته، رأى النائب العراقي السابق ماجد شنكالي أن التنافس على أصوات مقاتلي "الحشد الشعبي" هو "أحد أنواع التزوير في الانتخابات، ومؤشر على عدم نزاهة التنافس في العملية الانتخابية". وبيّن شنكالي أن "الأمر لم يقتصر على الحشد الشعبي، بل هناك الآن جهات سياسية تعمل أيضاً على تجيير أصوات الأجهزة الأمنية لها، خصوصاً مع وجود ضباط مُنّصبين ومدعومين من قبل كتل وقوى سياسية، وهؤلاء الضباط يعملون على إجبار العناصر على التصويت لصالح جهات معينة، وهذا ما يحصل في كل عملية انتخابية، وهو ليس جديداً". وشدّد النائب السابق على "وجوب أن تفرض مفوضية الانتخابات رقابة حقيقية وصارمة في مراكز الاقتراع الخاص، الخاصة بالجيش والشرطة والحشد، لمنع أي عمليات ضغط أو إملاء على الناخبين لصالح كتل معينة".
في المقابل، أكد القيادي في تحالف "الفتح"، النائب كريم عليوي، أن "غالبية جمهور تحالف الفتح هو جمهور الحشد الشعبي، وتصويت عناصر الحشد لمرشحي الفتح ليس بالأمر الغريب أو الجديد، فكل تحالف له قاعدة شعبية، ونحن قاعدتنا هي جماهير الحشد الشعبي". ونفى عليوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوطات تمارس على عناصر الحشد من أجل التصويت لصالح جهات أو مرشحين محددين، قائلاً إن "تحالف الفتح جمهوره أبعد من الحشد، وهم المؤيدون لمحور المقاومة عموماً"، على حدّ قوله. كما لفت إلى أن "غالبية مرشحي تحالف الفتح هم من قيادات الفصائل والحشد الشعبي، ولهذا يكون تصويت عناصر الحشد لمرشحي الفتح، دون الحاجة إلى توجيه"، متوقعاً أن تكون الكتلة الأكبر في البرلمان المقبل "من نصيب الفتح، لثبات قاعدته الجماهيرية".
لكن الخبير في الشأن السياسي العراقي علي البيدر رأى أن التنافس الحالي على أصوات "الحشد الشعبي" يؤكد صحة الدعوات السابقة بشأن إلغاء التصويت الخاص، أسوة بإلغاء انتخابات العراقيين في الخارج. وقال البيدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لاحظنا خلال الانتخابات السابقة وجود استغلال لمؤسسة الحشد من قبل بعض الأطراف السياسية، وهذا ما يزج بها في صراعات السياسة بشكل أكبر".

المساهمون