العراق: خلافات جديدة بين بغداد وكردستان تهدد "إدارة الدولة"

27 يناير 2023
جاء القرار بعد أسبوع من زيارة البارزاني لبغداد (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -

أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، مساء أول من أمس الأربعاء، بشأن إيقاف إرسال الأموال إلى إقليم كردستان بشكل شهري، والخاصة برواتب موظفي الإقليم، خلافات سياسية جديدة بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية الاتحادية.

كما تسبب هذا القرار بخلافات بين قوى ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي يجمع القوى السياسية العراقية التي شكّلت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، وأبرزها "الإطار التنسيقي" و"تحالف السيادة" والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
ويأمل الأكراد بحلّ المشاكل العالقة مع بغداد، لا سيما بعدما وضعوا شروطاً عدة على تحالف "الإطار التنسيقي"، مقابل القبول بالتصويت على حكومة السوداني، وقد وعد "الإطار" بحلّها.

وتُعد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل من أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن أهم تلك الملفات التي تحتاج إلى حوار وتفاهمات مشتركة، رواتب موظفي إقليم كردستان العراق، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم.

إلغاء تحويل الأموال لإقليم كردستان

وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، الأربعاء، قراراً، يقضي بإلغاء جميع القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان. ونصّ قرارها على "الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في عامي 2021 و2022" بشأن تحويل الأموال إلى إقليم كردستان، مضيفة أن "الحكم باتّ وملزم للسلطات كافة".

قالت المحكمة إن حكمها بات وملزم للسلطات كافة

وورد في تفاصيل قرار الحكم، تحديد فترة قرارات تحويل الأموال في يونيو/حزيران ويوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني من العام 2021، وديسمبر/كانون الأول من عام 2022، في وقت تحولت حكومة مصطفى الكاظمي السابقة إلى تصريف أعمال بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وقرّرت الحكومة الحالية برئاسة السوداني، السير على نهج الحكومة السابقة ذاته، وأرسلت مبلغ الـ200 مليار دينار (حوالي 138 مليون دولار) شهرياً إلى إقليم كردستان، وأصدرت قراراً منتصف الشهر الحالي يقضي بإرسال 400 مليار دينار عن مستحقات شهرين. وبعد قرار المحكمة الاتحادية، ستتوقف الحكومة عن إرسال أي مبالغ شهرية خلال الفترة المقبلة.

وجاء قرار المحكمة الاتحادية مع قرب وصول وفد جديد من حكومة الإقليم إلى بغداد لإكمال المباحثات بشأن الملفات العالقة بين الطرفين. وكان رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني قد زار بغداد الأسبوع الماضي، برفقة وفد رفيع المستوى من حكومته، وبحث مع المسؤولين العراقيين الخلافات والقضايا العالقة بين أربيل وبغداد.

وسبقت ذلك مباحثات أجراها البارزاني في بغداد، في نوفمبر الماضي، مع السوداني والقادة العراقيين الآخرين والأطراف السياسية بشأن الملفات العالقة بين الإقليم وبغداد وضبط الحدود.

أزمة داخل "ائتلاف إدارة الدولة"

واستنكر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، قرار المحكمة العليا، معتبراً أنه "انتهاك للحقوق والمبادئ". واعتبر البارزاني، في بيان نشر عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"، أن منع إرسال الأموال إلى الإقليم "انتهاك صارخ للحقوق والمبادئ". وقال إن "استحقاقات إقليم كردستان هي حق مشروع"، مضيفاً أنها "جزء من البرنامج الذي تمّ الاتفاق عليه".

ووصف البارزاني قرار المحكمة العليا بأنه "ضد إقليم كردستان وضد العملية السياسية وضد الحكومة العراقية وبرنامج ائتلاف إدارة الدولة نفسه". ودعا البارزاني "الحكومة العراقية والأطراف المكونة لائتلاف إدارة الدولة إلى إظهار مواقفهم تجاه هذه الانتهاكات والمواقف المعارضة التي تتبناها المحكمة الاتحادية ضد مصالح العراق وإقليم كردستان".

وعن هذا التطور، قال نائب في "الإطار التنسيقي"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار المحكمة الاتحادية، أثار خلافات كبيرة ما بين قوى ائتلاف إدارة الدولة، وهناك تبليغ من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، بمقاطعة اجتماعات الائتلاف بسبب عدم الالتزام بالاتفاقات السياسية التي على أثرها شُكّلت حكومة السوداني وأسس ائتلاف إدارة الدولة".

وبيّن النائب أن "هناك اتصالات تجريها قيادات في الإطار التنسيقي مع قادة إقليم كردستان لتهدئة الموقف ومنع أي تصعيد في المواقف الإعلامية والسياسية، يمكن على أثرها أن ينهار ويفكك ائتلاف إدارة الدولة، كما أن هناك اتصالات مع قيادات تحالف السيادة، ليكون وسيطاً بين بغداد وأربيل وعدم اللجوء إلى اتخاذ المواقف السياسية الداعمة للإقليم".

بعد قرار المحكمة، ستتوقف الحكومة عن إرسال أي مبالغ شهرية خلال الفترة المقبلة

وأضاف النائب أن "حكومة إقليم كردستان قرّرت إيقاف الحوار مع الحكومة الاتحادية في الوقت الحالي، بسبب قرار المحكمة الاتحادية، بعدما كانت هناك نيّة لزيارة وفد حكومي من الإقليم إلى بغداد خلال اليومين المقبلين"، مشيراً إلى أن "قرار المحكمة أثار خلافات سياسية عميقة من جديد بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وداخل ائتلاف إدارة الدولة، فهناك انقسام بشأن هذا القرار القضائي، بين مؤيد ومعارض".

من جهته، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "قرار المحكمة الاتحادية سياسي وليس له أي نص دستوري أو قانوني، وهو يهدف إلى إثارة الخلافات بعد حالة الاستقرار السياسية التي يشهدها العراق على مستوى العلاقات ما بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية أو ما بين الكتل والأحزاب المتحالفة في ائتلاف إدارة الدولة".

وبيّن عبد الكريم أن "القوى السياسية العراقية كافة مطالبة باتخاذ موقف تجاه هكذا قرارات سياسية تريد خلق الأزمات". واعتبر أن "عدم إعلان أي موقف داعم للاتفاق السياسي الذي على أثره شُكّلت حكومة السوداني، سيدفعنا إلى اتخاذ مواقف سياسية جديدة خلال الفترة المقبلة، فلا يمكن السكوت عن هكذا قرارات تريد حرمان الإقليم من أبسط حقوقه الدستورية".

وأضاف عبد الكريم أن "هناك اتفاقات سياسية ما بين الكتل والأحزاب المتحالفة داخل ائتلاف إدارة الدولة، وهذه الاتفاقات هي التي دفعت نحو تشكيل الحكومة الحالية، وقرار المحكمة الاتحادية يريد نسف تلك الاتفاقات ويريد إثارة المشاكل بعد التقدم الكبير في حلّها من خلال الحوارات والمفاوضات، التي جرت طيلة الفترة الماضية".

وختم القيادي في "الديمقراطي الكردستاني" بالقول إن "المبالغ التي ترسلها بغداد إلى الإقليم بشكل شهري هي عبارة عن سلف، فالموازنة لا تكفي لسد احتياجات الإقليم، وهذه السلف هي عبارة عن تصفية ما هو معلق في الذمة المالية للمركز، بموجب موازنة 2019 المادة 10 الفقرة ج، التي تشير إلى إلزام الجهات الرقابية العراقية بتصفير الذمة المالية للمركز تجاه إقليم كردستان، والتي تراكمت بعد عدم تسلم إقليم كردستان أي مبلغ مالي يخص رواتب الموظفين، وذلك خلال مدة محاربة تنظيم داعش".

نائب في "الإطار التنسيقي": قرار المحكمة أثار خلافات كبيرة ما بين قوى ائتلاف إدارة الدولة

أما النائب عن تحالف الفتح مهدي تقي، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "قوى الإطار التنسيقي ليس لها أي علاقة بإقامة هذه الدعوى أمام المحكمة الاتحادية بشأن إيقاف إرسال الأموال بشكل شهري إلى الإقليم من قبل الحكومة الاتحادية". وشدّد تقي على أن "قوى الإطار حريصة على حل كافة المشاكل بين أربيل وبغداد وفق الحوارات والأطر الدستورية، وهي قطعت شوطاً طويلاً ومهماً في هذا الاتجاه خلال الأيام الماضية".

وأكد تقي أن "ما يصدر من قرارات من قبل المحكمة الاتحادية العليا مُحترَمة كما هي ملزمة التنفيذ لكافة الجهات والسلطات ولا يمكن مخالفة هذه القرارات، ولهذا القرار الصادر بشأن منع إرسال الأموال إلى الإقليم إلا بعد تسليم النفط، سيكون ملزماً لحكومة السوداني ولا يمكن مخالفة ذلك إطلاقاً".

وبيّن النائب عن تحالف الفتح أن "قوى الإطار التنسيقي حريصة على إيجاد حلول دستورية وقانونية لحل هذا الخلاف الذي حصل أخيراً بعد قرار المحكمة الاتحادية، كما أن الإطار حريص على ثبات وقوة ائتلاف إدارة الدولة وعدم خلق أي مشاكل قد تعرقل عمل حكومة السوداني". ولهذا السبب، أكد أنه "سيكون هناك حراك لفتح قنوات حوار وتفاوض لإيجاد حلول دستورية وقانونية بشأن قضية إرسال الأموال وحل هذه الأزمة".

في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي نزار حيدر، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "البيئة السياسية المستقرة مفقودة حتى هذه اللحظة بسبب تنامي الخلافات الحزبية والفئوية بين مختلف قوى السلطة، كان آخرها إبطال المحكمة الاتحادية قرارات الحكومة المتعلقة بتسليم الأموال إلى الإقليم، والتي وصفها مسعود البارزاني بالمشبوهة، وشبّه المحكمة الاتحادية بمحكمة الثورة في زمن نظام صدام حسين، وهذا ما ينذر بتصعيد سياسي جديد بين بغداد وأربيل".

وبيّن حيدر أن "قرار المحكمة الاتحادية ربما تكون له نتائج على قضية تفكيك وانهيار ائتلاف إدارة الدولة، خصوصاً أن هناك كتلاً وأحزاباً داخل هذا الائتلاف مؤيدة وداعمة وسعيدة حتى بقرار المحكمة الاتحادية، الذي نسف الاتفاق السياسي، الذي شكّلت على أساسه الحكومة الحالية".

وأضاف المحلل السياسي أن "الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً في المواقف السياسية وكذلك الإعلامية، خصوصاً أن هناك جهات متشددة داخل الإطار التنسيقي لا تريد أي حلول وتقارب ما بين بغداد وأربيل، وهي تعمل على إيجاد أي فرصة لخلق المشاكل والاختلافات".

المساهمون