العراق: خلافات بين قوى "الإطار التنسيقي" حول الحكومة المقبلة

30 يونيو 2022
يصر المالكي على تشكيل حكومة بأسرع وقت (أيمن يعقوب/الأناضول)
+ الخط -

كشف مصدران سياسيان عراقيان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أحدهما عضو بارز في البرلمان عن تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يجمع عدداً من القوى السياسية الحليفة لإيران، أن تباينات غير سهلة برزت في الأيام الماضية بين قيادات وزعماء التحالف، حيال عدد من القضايا والملفات المرتبطة بطبيعة التعامل مع المرحلة الحالية.

وأبرز هذه القضايا شكل الحكومة الجديدة ومدتها، والمرشح لرئاستها، وكذلك مسألة اختيار رئيس الجمهورية، ونائب رئيس البرلمان، والموقف من أزمة انسحاب "التيار الصدري" من العملية السياسية. ولم يستبعد أحد المصدرين أن يؤدي استمرار عدم التفاهم حول تلك النقاط إلى تفكك التحالف أو على الأقل انسحاب ما لا يقل عن كتلتين منه.

وعلى الرغم من إعلان تحالف "الإطار التنسيقي" ما وصفه بانتهاء حالة الانسداد السياسي في البلاد، إثر قرار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر الخروج من العملية السياسية، واستقالة نواب كتلته المتصدرة في الانتخابات، من البرلمان، إلا أنه لغاية الآن لم تخض أطراف التحالف أي مفاوضات رسمية مع الكتل والأحزاب السياسية العربية السنّية والكردية الرئيسة والمتحالفة مسبقاً مع الصدر، أو النواب المستقلين والكتل المدنية، لتشكيل الحكومة الجديدة.

لم تخض أطراف التحالف أي مفاوضات رسمية مع الكتل والأحزاب الأخرى لتشكيل الحكومة الجديدة

خلافات بين قوى "الإطار التنسيقي" حول إدارة الأزمة السياسية

وتحدث قيادي بارز في تحالف "الفتح"، الذي يمثل عملياً الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي" والمنضوي ضمن "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بـ"خلافات بين قوى الإطار التنسيقي حول طريقة إدارة الأزمة السياسية في المرحلة الحالية والمقبلة".

وأشار إلى أن "هناك أطرافا داخل الإطار، غير مرتاحة لمسألة تشكيل الحكومة من دون التيار الصدري الفائز الأول بالانتخابات، وتفضّل البحث عن مخرج آخر، كتحديد تاريخ لانتخابات جديدة، حتى لو كان ذلك في الربع الأول من العام المقبل".

وتابع أن "هناك أطرافا أخرى تريد تشكيل حكومة خدمية مصغرة والاتفاق على موعد معيّن لحل البرلمان الحالي والذهاب للانتخابات الجديدة خلال عام 2024. لكن هذين التوجهين يُقابلان بالرفض من قوى أخرى، أبرزها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي يصر على تشكيل حكومة بأسرع وقت".

وبيّن القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه "خلال الساعات الماضية، عقدت قوى الإطار التنسيقي اجتماعاً لحسم هذا الأمر، لكنه انتهى من دون الوصول إلى أي نتيجة بسبب الاختلافات في وجهات النظر بين قادة الإطار، خصوصاً أن غالبية تلك القيادات تدرك خطورة موقف المضي بأي حكومة من دون دعمها من قبل التيار الصدري".

وأكد مصدر آخر من "الإطار التنسيقي"، وهو نائب في البرلمان الحالي، تلك المعلومات. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات تبدأ من شكل الحكومة وطبيعتها ومدتها والمرشح لرئاستها، مروراً بمرشح رئاسة الجمهورية ومرشح منصب نائب رئيس البرلمان الشاغر بدلاً عن حاكم الزاملي المستقيل (عن التيار الصدري)، ولا تنتهي عند مسألة المخاوف من رد فعل الصدريين وتحريكهم للشارع جنوبي العراق، وحتى على مستوى شروط القوى الكردية والسنّية التي تعلن عنها في وسائل الإعلام لقاء المشاركة بالحكومة".

هناك أطراف داخل الإطار غير مرتاحة لمسألة تشكيل الحكومة من دون التيار الصدري

وكشف المصدر عن "وجود حراك إيراني لتحقيق التفاهم وتوحيد مواقف قوى الإطار التنسيقي خلال المرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن تكون هناك زيارة لشخصية إيرانية في الأيام المقبلة، لحسم الخلاف بين قوى الإطار".

وفي السياق ذاته، أقر القيادي البارز في "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بوجود ما وصفه "آراء مختلفة بين القوى السياسية داخل الإطار بشأن المرحلة المقبلة".

وأضاف أن من بين التباينات ما يتعلق بـ"الذهاب نحو حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة، بعد إجراء تعديلات على قانون الانتخابات وتغييرات في مفوضية الانتخابات".

وتابع الهلالي أن "هناك رأياً آخر يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة، ثم مناقشة قضية حل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة، لكن حتى الآن لا موقف رسمياً بشأن أي رأي، والحوارات والاجتماعات مستمرة بشكل يومي لحسم إدارة الأزمة خلال المرحلة المقبلة".

لكن الهلالي أكد في الوقت ذاته أن "حراك تشكيل الحكومة الجديدة مستمر، والأيام المقبلة ستشهد عقد اجتماعات جديدة تضم الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة والنواب المستقلين، للخروج بموقف موحد من تشكيل الحكومة أو أي خيار آخر، وكل شيء ممكن ومطروح خلال الفترة المقبلة".

حراك إيراني لتوحيد مواقف قوى الإطار التنسيقي خلال المرحلة المقبلة

محاولة نوري المالكي الاستئثار بالسلطة

أما النائب السابق، المقرب من "التيار الصدري"، فتاح الشيخ، فاعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يحاول الآن أن يستأثر بالسلطة بعد انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي".

وأضاف الشيخ أن "هناك اعتراضاً على هذا الأمر من قبل (زعيم تحالف الفتح) هادي العامري و(الأمين العام لعصائب أهل الحق) قيس الخزعلي، وقيادات أخرى من الإطار التنسيقي"، مشيراً إلى أن "المالكي يعمل حالياً على إعادة تسويق نفسه داخل الإطار، كرئيس للوزراء خلال المرحلة المقبلة".

وأوضح الشيخ أن "أطرافاً في الإطار التنسيقي أدركوا جيداً أن حل الأزمة السياسية بعد انسحاب مقتدى الصدر من المشهد السياسي، يكون من خلال حل مجلس النواب العراقي والذهاب نحو انتخابات برلمانية مبكرة، وذلك خشية من تدخل دولي وأممي يعيد رسم العملية السياسية في العراق، ويكون قادة الإطار هم الخاسر الأكبر وسط ذلك".

وأضاف أن المالكي "الذي يعارض فكرة حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة، متيّقن جداً بأن لا حل للأزمة إلا بحل البرلمان، لكنه يكابر ويريد استثمار الوقت، لتسويق نفسه للحكومة الجديدة، على الرغم من أنه يعلم أن هذا الأمر صعب جداً مهما فعل وحاول".

مشروع مقتدى الصدر وحّد قوى "الإطار التنسيقي"

في المقابل، قال رئيس "مركز التفكير السياسي" في العراق، إحسان الشمري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي، ليست بجديدة، وسبق أن تشظّت هذه القوى في الكثير من المواقف والقضايا". وتابع "لكن توحيد هذه القوى ومن معها من فصائل مسلحة خلال الفترة الماضية، كان هدفه تقويض مشروع الصدر، الهادف إلى حكومة الأغلبية والتغيير والإصلاح".

ولفت الشمري إلى أن "الصدر كان يمثّل قلقاً لقوى الإطار التنسيقي من الناحية السياسية، ولهذا الجميع توحّد لإحباط مشروع حكومة الأغلبية الذي أعلنه زعيم التيار الصدري، لكن حتى مع توحيد المواقف ضد الصدر كانت الخلافات حاضرة بين قوى الإطار".

يعمل المالكي على إعادة تسويق نفسه داخل الإطار، كرئيس للوزراء خلال المرحلة المقبلة

وأضاف الشمري أن "الخلاف بين قوى الإطار التنسيقي عاد وتفجّر حالياً مع غياب الصدر عن المشهد السياسي، وفي ظل حراك تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وهذا الخلاف تفجّر على قضايا كثيرة كالصراع على الحقائب الوزارية وحول زعامة الإطار كتشكيل سياسي".

وتابع: "هناك أيضاً خلافات حول رئاسة الوزراء ومن سيحصل على هذا المنصب، ومن سيتبنى رئيس الوزراء المقبل. كما أن انسحاب حركة حقوق (الجناح السياسي لكتائب حزب الله) من البرلمان والمشهد السياسي أخيراً، يبيّن حجم الخلافات الكبيرة داخل الإطار التنسيقي".

ورأى الشمري أن "حل مجلس النواب والذهاب نحو انتخابات مبكرة جديدة، هو أمر يرتبط بالضرر الذي قد يلحق بأحد أطراف الإطار التنسيقي. ففي حال عدم حصول إحدى قوى الإطار على ما تريده من مناصب ونفوذ في السلطة التنفيذية، فذلك قد يفجّر هكذا موقف في الأيام المقبلة، مع إدراك قادة الإطار أن الحكومة المقبلة لن تستمر لأكثر من سنة واحدة بسبب غياب الصدر عنها، ولهذا الانتخابات المبكرة ستكون حاضرة بقوة في المرحلة المقبلة".

وبات تحالف "الإطار التنسيقي" الآن هو الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب، بعد حصوله على غالبية مقاعد نواب الكتلة الصدرية، ما يجعله الفاعل الأساسي في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، إلى جانب تمرير أي قرار أو مشروع قانون يريده.

ودخلت الأزمة السياسية في العراق منعطفاً جديداً بعد تقديم نواب الكتلة الصدرية (73 نائباً) استقالاتهم من البرلمان، وانسحاب الصدر من العملية السياسية. وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2006، التي يكون فيها "التيار الصدري" خارج البرلمان، بعدما ظلّ طوال السنوات الماضية محافظاً على نسبة لا تقل عن ثلث مقاعد القوى السياسية الشيعية، وسط هواجس من أن يكون "التيار الصدري"، الفائز في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعدّ لمرحلة جديدة من التحركات عبر قواعده الشعبية.

المساهمون