لا يحمل التأكيد الرسمي الثاني من نوعه في غضون أقل من 24 ساعة، من قبل قوى تحالف "الإطار التنسيقي" في العراق، بشأن مضيهم في تشكيل الحكومة الجديدة، بوصفهم الكتلة الكبرى في البرلمان، بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية، سوى تأزيم آخر للمشهد السياسي بالبلاد، وسط مخاوف الشارع من ارتدادات سلبية لهذه التطورات على الملف الأمني الهش، خاصة في بغداد.
وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى اجتماع مرتقب لتحالفي "السيادة"، الممثل السياسي للعرب السنة في العراق، والحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، من المقرر أن يصدر عنه موقف موحد للطرفين من التطورات الحالية وما إذا كانا سيذهبان نحو المشاركة بحكومة يشكلها "الإطار التنسيقي"، أو مقاطعتها تضامناً مع حليفهم "التيار الصدري"، تبدو حركتا "امتداد" و"الجيل الجديد" المدنيتان أقرب لمقاطعة حكومة تشكلها قوى "الإطار".
ويعني ذلك عودة "الثلث المعطل" مرة أخرى لعرقلة أي خطوات من قبل تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى موالية لطهران، وأبرزها تحالف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري.
في موازاة ذلك، برزت أمس مهاجمة صحف ووسائل إعلام إيرانية لقرار الصدر باستقالة نوابه من البرلمان وإغلاق مكاتب المؤسسات التابعة له، بما في ذلك صحيفة "صبح نو" الإيرانية المحافظة، التي نشرت صورة كبيرة لمقتدى الصدر وقد وضع الكمامة من دون تغطية أنفه وفمه، مختارةً عنوان "ضد الوحدة"، في اتهامها له بأنه ضد وحدة الشيعة.
دعا الإطار التنسيقي "القوى الفاعلة بالمشهد السياسي للمشاركة في الحوارات"
"الإطار التنسيقي" ماض في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة
وعقد تحالف "الإطار التنسيقي"، أمس، اجتماعاً في مكتب نوري المالكي، مع كتلة "عزم" التي تضم 8 نواب عن العرب السنة، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل الطالباني والذي لديه 17 نائباً كردياً، وحركة "بابليون" المسيحية، الجناح السياسي لمليشيا بابليون بزعامة ريان الكلداني المدرج على قائمة العقوبات الأميركية وتمتلك 4 نواب في البرلمان.
وعقب الاجتماع، أصدر "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى الحليفة لإيران، بياناً أعاد فيه التأكيد على ما يصفه بـ"سبل الإسراع في استكمال الاستحقاقات الدستورية". وأضاف البيان أن "المجتمعين أكدوا أن المرحلة المقبلة مهمة وتستدعي الإسراع في بدء الخطوات العملية لانتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة منسجمة قادرة على تلبية مطالب العراقيين".
ودعا البيان من وصفهم بـ"القوى الفاعلة بالمشهد السياسي، للمشاركة في الحوارات، إيماناً بأن الحكومة المقبلة يجب أن تكون قوية ومقتدرة وتقدم الخدمات وتحافظ على وحدة وسيادة البلاد".
ويعد هذا البيان الثاني من نوعه في أقل من 24 ساعة، الذي يؤكد على مضي "الإطار التنسيقي" بتشكيل الحكومة بعيداً عن مسألة مقاطعة الصدريين للبرلمان والحكومة المقبلة، بعد بيان بهذا الشأن أُصدر مساء الإثنين.
تباينات داخل تحالف "الإطار التنسيقي" وترقب لموقف حلفاء الصدر
وخلال الساعات الماضية، بدا المشهد السياسي العراقي لكثير من القوى الرئيسة فيه غير مستقر، وسط ملاحظة غياب أي موقف أو تعليق حول الأزمة لأبرز كتلتين في تحالف "الإطار التنسيقي" وأقربهما للصدر، وهما "النصر" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، و"الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، في مؤشر آخر إلى تباين المواقف داخل التحالف.
وفي السياق، قال سياسي مقرب من تحالف "الفتح"، المنضوي ضمن "الإطار التنسيقي"، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن كل من حيدر العبادي وعمار الحكيم ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض ليسوا مع الذهاب لتشكيل الحكومة من دون الصدر.
وأضاف السياسي، طالباً عدم ذكر اسمه، أن القادة الثلاثة "يعتبرون أن لهذا الخيار انعكاسات كبيرة على العملية السياسية العراقية، وسيزيد من انقسام المكون الشيعي سياسياً، إلى جانب توقع تحفّظ المرجعية في النجف على ما آل إليه الصدر سياسياً".
حيدر العبادي وعمار الحكيم وفالح الفياض ليسوا مع تشكيل حكومة من دون الصدر
في المقابل، قال عضو بارز في "التيار الصدري"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك خطوة مقبلة للصدريين حيال الأزمة، ولن تكون الاستقالة من البرلمان آخر الإجراءات".
وتحدث المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن "صعوبة تشكيل الإطار التنسيقي لأي حكومة جديدة في الوقت الحالي، لوجود تحفظ من القوى السنية والكردية على كيفية تحول الخاسر بالانتخابات إلى صاحب حق بتشكيل الحكومة".
ورداً على سؤال حيال خطوة الصدر المقبلة، قال إن "الصدريين في الشارع أقوى من الصدريين في البرلمان والحكومة"، في إشارة إلى ورقة التظاهرات التي لوّح بها أعضاء بالتيار الصدري في الفترة الأخيرة، ورجح في الوقت ذاته "استمرار حلفاء التيار الصدري؛ تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، بموقفهم بعدم التخلي عن الصدر".
لكن نائب رئيس البرلمان شاخوان عبد الله (ينتمي للحزب الديمقراطي الكردستاني)، قال أمس، الثلاثاء، لقناة محلية كردية في أربيل، إن "التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) الذي كان يضم تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري، لم يعد موجوداً بعدما قدّم جميع نواب الصدر استقالاتهم".
وأضاف "لذلك، فإنّ جزءاً من التحالف أصبح خارجه الآن، ومن الضروري عقد اجتماع بين تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني قريباً، لتحديد مصير تحالفهما، والاسم الذي سيطلقانه عليه، وهل سيستمران معاً، وماذا ستكون رؤيتهما لتشكيل الحكومة المستقبلية من دون مقتدى الصدر؟".
هناك خطوة مقبلة للصدريين حيال الأزمة، ولن تكون الاستقالة من البرلمان آخر الإجراءات
ويمتلك تحالف "السيادة" والحزب "الديمقراطي الكردستاني" 98 نائباً داخل البرلمان، بينما تمتلك حركتا "امتداد" و"جيل جديد" المدنيتان، اللتان أعربتا عن مواقف رافضة لما آلت إليه الأزمة وأيدتا فكرة حل البرلمان، 18 نائباً، يضاف إليهم 11 نائباً مستقلاً من المؤيدين لموقف الصدر.
ويعني ذلك أن فخ الثلث المعطل قد ينقلب على "الإطار التنسيقي" في أي محاولة لتشكيل الحكومة الجديدة، إذ يتجاوز عدد نواب الكتل المذكورة أعلاه عتبة الـ126 نائباً، وهم يشكلون الثلث الذي لا يمكن تمرير جلسة التصويت على رئيس الجمهورية بدونه.
حكومة محاصصة جديدة في العراق
من جهته، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، النائب في البرلمان محمد الصيهود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "باشروا فعلياً التحرك نحو تشكيل الحكومة الجديدة، عبر لقاءات مع كتل أخرى، ولن يكون هناك تهميش لأحد"، في إشارة إلى كونها حكومة محاصصة توافقية.
ولفت إلى أن "الإطار التنسيقي سيشكل لجاناً تفاوضية مع كافة القوى السياسية السنية والكردية، لإعادة رسم التحالفات خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً أن استقالة النواب الصدريين سترفع كثيراً من عدد مقاعد الإطار التنسيقي، وسيكون الأخير هو الكتلة الكبرى عددياً، والتي يحق لها تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء الجديد".
وأضاف الصيهود أنه "حتى الآن، لم يتم طرح اسم أي مرشح لرئاسة الوزراء، لكن الإطار لديه الكثير من الأسماء المؤهلة لهذا المنصب ولقيادة المرحلة المقبلة، وهذا الأمر سيتم حسمه بعد حسم شكل التحالفات الجديدة خلال الأيام المقبلة، والحوارات والمفاوضات ستنطلق قريباً جداً بين كل الكتل والأحزاب السياسية".
من جانبه، قال عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مهدي عبد الكريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "شركاء الصدر في تحالف إنقاذ وطن لم يتخذوا حتى هذه الساعة أي موقف رسمي حيال ما يجب فعله".
وأوضح عبد الكريم أنه "من المرتقب عقد اجتماع مهم، اليوم الأربعاء أو غداً الخميس، يجمع كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، لاتخاذ موقف موحّد من انسحاب الصدر من العملية السياسية، وموقف من تحركات الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة من دون مشاركة التيار الصدري فيها"، وأكد أن "الطرفين متمسكان حتى الآن بالتحالف مع الصدر".
عبد الكريم: حليفا الصدر متمسكان حتى الآن بالتحالف معه
صعوبة تشكيل حكومة عراقية جديدة
بدوره، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي محمد زنكنة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التقلبات في القرارات والمواقف السياسية في العراق ستكون على مدار الساعة، ولا يمكن الجزم بأي صورة كيف تتجه الأمور".
ولفت إلى أن "الأغلبية الانتخابية غُيّبت، بسبب استقواء الأقلية الخاسرة التي شكلت مجموعة هدفها فقط التعطيل، ولهذا قضية تشكيل حكومة جديدة في ظل التطورات السياسية الأخيرة مستبعدة جداً بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية".
وقال زنكنة إن "أي حكومة جديدة ستشكل من قبل الخاسرين بينما الفائزون سيكونون خارجها، لن يكون من المنطق أن تستمر كثيراً"، معتبراً أن القوى السنية والكردية "لن تنسى استقواء أطراف في الإطار التنسيقي، واستخدام لغة التهديد ضدها، ومناطق الالتقاء أو التفاهم بين هذه القوى وبعض قوى الإطار التنسيقي غير موجودة".
وتساءل زنكنة "هل سيقدم قادة الإطار التنسيقي الاعتذار إلى إقليم كردستان بعد اتهامات وُجهت له بأنه يحتضن الموساد الإسرائيلي وعناصر من تنظيم داعش؟ وهل سيتعهد قادة الإطار بتسهيل عمليات إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش وإعادة النازحين إليها، وفتح ملفات المعتقلين بتهم الإرهاب بسبب أجندات سياسية؟".
وأشار المتحدث نفسه إلى أنه "حتى لو تشكلت حكومة جديدة بمشاركة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، فلن يسكت جمهور التيار الصدري عن الغبن بحقه وإخراجه خاسراً"، واعتبر أن "المضي بتشكيل الحكومة من دون الصدريين، ربما يدفع الأمور إلى صدام في الشارع، ولهذا من الصعب جداً تشكيل الحكومة، ومن الصعب جداً أن تشارك الأطراف الفائزة الأطراف الخاسرة بعملية تشكيل هذه الحكومة".