العراق: حصانة لقادة الصف السياسي الأول من التحقيق بملفات الفساد

02 يونيو 2023
خلال تظاهرة ضد المحاصصة والفساد في الناصرية، أكتوبر 2021 (Getty)
+ الخط -

رغم تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الكشف عن ملفات الفساد وتقديم المتورطين بها للقضاء ضمن برنامجه الحكومي، إلا أنه ومع مرور 8 أشهر على حكومته، لم تظهر أي بوادر لفتح ملفات الفساد الضخمة والمعروفة بالبلاد، ولا حتى ملفات التحقيق المتعلقة بسقوط الموصل على يد تنظيم "داعش" صيف 2014، وقمع المتظاهرين المدنيين عام 2019، والتي خلفت أكثر من 800 قتيل وآلاف الجرحى.

ولا يختلف تعهد السوداني بفتح قضايا الفساد بالبلاد عن سلفه من رؤساء الوزراء الآخرين، وأبرزهم حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، حيث انتهت ولاياتهم دون فتح أي من الملفات التي ترتبط بقيادات سياسية بارزة في البلاد تُعتبر متورطة بشكل مباشر فيها.

وتتفاوت تقديرات المسؤولين حيال قيمة ما خسره العراق جراء الفساد، بين 450 إلى 650 مليار دولار بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. وقد وقع أغلبها في الفترة بين 2006 و2014، إبان حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية، التي شهد فيها العراق جرائم فساد ضخمة، خصوصاً في المشاريع المتعلقة بقطاعات الإسكان والصحة والتعليم، والطرق، والجسور، والطاقة، وتسليح الجيش العراقي، عدا عن الانتهاكات الإنسانية والحقوقية الممنهجة والواسعة.

رحيم الدراجي: التحقيقات في سرقة القرن تراجعت بسبب الضغوط

تسليح الجيش العراقي، وبناء المحطات الكهربائية، وجولات التراخيص النفطية، تعتبر أكثر الملفات جدلاً في العراق، رغم مضي أكثر من 12 عاماً عليها، بسبب قيمة الخسائر التي تكبدتها البلاد في الملفات الثلاثة.

يأتي هذا إلى جانب عقود بناء المستشفيات والمدارس، والوظائف الوهمية داخل المؤسستين، العسكرية والأمنية، والتلاعب بانتخابات 2018، التي شهدت عمليات حرق صناديق الناخبين في مناطق تابعة إلى التيار الصدري شرقي بغداد، وتهريب سجناء أبو غريب عام 2013.

محاصصة داخل هيئة النزاهة

وأجرى السوداني سلسلة من التغييرات الجذرية داخل هيئة النزاهة أعلى سلطة تنفيذية لمتابعة جرائم الفساد. غير أن الهيئة، التي لها صلاحيات واسعة، لم تسلم من نظام المحاصصة، حيث أسندت إلى إحدى الشخصيات المحسوبة على رئيس منظمة "بدر"، بزعامة هادي العامري، وهو القاضي حيدر حنون، الذي سبق له وأن رشح في الانتخابات الأخيرة عن قوائم تحالف "الفتح"، برئاسة العامري.

ولغاية الثلاثاء الماضي، لم تفتح هيئة النزاهة أي ملف فساد رئيسي، واكتفت طوال الأشهر الماضية بمعالجة قضايا الفساد داخل الحكومات المحلية بالمحافظات وبعض الوزارات، وقدمت شخصيات ثانوية بدرجات وكيل وزير ومدير عام للتحقيق فيها، دون التعريج على ملفات الفساد الكبيرة والمعلقة قضائياً، والتي ترد فيها أسماء قيادات وشخصيات سياسية بارزة.

وحول ذلك، قال النائب المستقل سجّاد سالم، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة السوداني على نهج الحكومات السابقة في وعود وشعارات مكافحة الفساد، فهي عادة ما تكون إجراءات إعلامية أو إجراء بحق صغار الفاسدين، الذين هم أدوات لبعض الجهات والشخصيات المتنفذة".

الحكومات لا تستطيع فتح ملفات الفساد الكبيرة

وبين سالم أن "هناك ملفات فساد كبيرة، فقد على إثرها العراق مليارات الدولارات، لكن أي حكومة تتشكل لا تستطيع فتح تلك الملفات، بسبب تورط جهات وشخصيات متنفذة، مساهمة بشكل كبير بتشكيل الحكومات، التي تُشكل بالأساس وفق المحاصصة التي هي سبب الفساد في العراق".

وشدد سالم على وجود "ضرورة ملحة بفتح ملفات الفساد الكبيرة، ليس لاستعادة أموال العراقيين فقط، بل لوقف الفساد الحالي". واعتبر أنه "لا يمكن فتح أي ملف منها كون المحاصصة تضع المؤسسات الحكومية تحت الضغوط السياسية، ولهذا الفساد مستمر في العراق، وبشكل يومي هناك سرقات كبيرة في مؤسسات الدولة"، وفقاً لقوله.

النائب السابق في البرلمان العراقي رحيم الدراجي قال، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة السوداني تشكلت وفق المنهاج الذي تشكلت عليه الحكومات السابقة، وهو المحاصصة والمصالح الحزبية والشخصية لبعض الزعامات السياسية، ولهذا لن تجد منها أي جدية لفتح ملفات الفساد الكبيرة، لتورط الطبقة السياسية الحاكمة بتلك الملفات بالدرجة الأساس".

ضغوط وتهديدات على الحكومة

وأضاف الدراجي أن "الكثير من ملفات الفساد لا تستطيع حكومة السوداني فتحها أو التحقيق فيها، بسبب وجود ضغوط وتهديدات سياسية للحكومة في حال التقرب منها، كونها تُدين جهات وشخصيات متنفذة، ولهذا حتى التحقيقات في سرقة القرن تراجعت بسبب تلك الضغوط، من أجل عدم كشف الحقيقة والجهات الحقيقية المتورطة بهذه السرقة الكبيرة".

أحمد الشريفي: أي تحرك حقيقي للحكومة لفتح أي ملف فساد كبير، يعني عدم استمرارها

وبين أن "التحقيق بملفات الفساد الكبيرة في العراق يتطلب تشكيل حكومة عراقية، بعيدة كل البعد عن الطبقة السياسية الحالية، المتورطة بهذه الملفات، ودون تحقيق هذا الشرط والاستمرار بتشكيل حكومات المحاصصة، يعني استمرار الفساد وعدم إجراء أي تحقيق لمحاسبة كبار الفاسدين والسراق".

بالسياق ذاته، قال الخبير بالشأن العراقي أحمد الشريفي إن "بقاء حكومة السوداني مرهون بعدم اصطدامها مع شخصيات نافذة ترتبط بالعديد من ملفات الفساد تلك". وبين أن "أي تحرك حقيقي للحكومة لفتح أي ملف فساد كبير، يعني عدم استمرار هذه الحكومة، لفترة طويلة، وهذا الأمر شبه متفق عليه ما بين القوى المتنفذة".

تقاسم كل الأطراف السياسية للفساد

وبين الشريفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الفساد في العراق أصبح متقاسما بين كل الأطراف السياسية بلا استثناء، ولهذا هناك حماية سياسية لهذا الفساد، ونرى إجراءات الحكومة لمحاربة الفساد تختصر على بعض المتورطين بقضايا الفساد الصغيرة أو الشخصيات التي ليس لها غطاء وحماية سياسية".

"حكومة السوداني لم تقترب من أي ملف فساد كبير يدين الشخصيات المتنفذة، فهذه الحكومة تريد إكمال دورتها الكاملة لأربع سنوات، دون أي مشاكل وأزمات سياسية قد تُعجل من انهيارها. كما أن حكومة السوداني تُدار من قبل بعض الأطراف السياسية التي هي بالأساس متورطة بشكل كبير بتلك الملفات الكبيرة والخطيرة للفساد"، وفقاً للشريفي.

عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، الحاكم في بغداد، علي الفتلاوي، قال لـ "العربي الجديد"، إن "حكومة السوداني لديها النية الحقيقية لفتح كامل ملفات الفساد، التي لم تفتحها أي من الحكومات الماضية، وهي لديها منهجية عمل لمكافحة الفساد والتحقيق بتلك الملفات من خلال لجان مختصة، بالتعاون مع هيئة النزاهة والجهات القضائية المختصة".

وبين الفتلاوي أن "حكومة السوداني ترفض أي محاولة ضغط عليها لمنعها من فتح أي ملفات الفساد، خصوصاً أن قوى الإطار التنسيقي داعمة وبقوة للسوداني وحكومته للتحقيق بملفات الفساد ومحاسبة أي جهة، أو شخصية، متورطة بهذه الملفات مهما كان موقعها السياسي أو الحكومي".

وكشف أن "من أبرز شروط السوداني قبل تسلمه رئاسة الحكومة العراقية التي طرحها على كافة القوى السياسية، إطلاق يده بمحاربة الفساد وفتح كامل لملفات الفساد، لكن هناك توقيتات زمنية لكل ملف حساس، والفترة المقبلة، سوف تشهد فتح الكثير من ملفات الفساد الخطيرة والكبيرة".

المساهمون