تراجعت، اليوم الثلاثاء، شدّة الاحتجاجات الشعبية في مدينة السليمانية شمالي العراق، وذلك بعد يوم دامٍ خلّف ثلاثة قتلى ونحو 30 جريحاً من المتظاهرين بفعل قمع قوات الأمن الكردية المتظاهرين في المدينة وضواحيها، ترافق مع سلسلة اعتقالات واسعة خاصة في مناطق جمجمال وحلبجة ورانيا.
ويطالب المحتجون بتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، بعد اتساع رقعة الفقر في مدينة السليمانية ثاني أكبر مدن إقليم كردستان، مع رفع شعارات لأول مرة تهاجم أحزاب السلطة بالفساد وسرقة المال العام وتطالب الحكومة الاتحادية في بغداد بأن تتولّى هي دفع مرتبات الموظفين بشكل مباشر من دون مرورها بحكومة الإقليم.
وفي مسعى منها لاحتواء الغضب الشعبي، أكدت مصادر صحافية من السليمانية أنّ "السلطات الكردية حجبت مواقع التواصل الاجتماعي منذ الساعة 12 بعد منتصف الليل من اليوم الثلاثاء، حتى الساعة التاسعة صباح اليوم، من أجل منع تواصل المتظاهرين فيما بينهم"، مشيرةً إلى أن "شوارع مدينة السليمانية تشهد توتراً أمنياً، بسبب الانتشار الكثيف لقوات الأمن في الأسواق ومداخل الأحياء، إلا أن الهدوء عاد إلى الشوارع تقريباً، بعد انسحاب المتظاهرين".
وأضافت المصادر أن "القوات الكردية استخدمت الرصاص الحي، بأوامر حكومية واضحة، وقتلت 3 من المتظاهرين، وهي بادرة خطيرة ورطت حكومة الإقليم نفسها بها، وهو ما دفع المتظاهرين إلى إشعال النار في عدد من المقرات الحزبية، واشتداد الاحتجاجات في أقضية جمجمال وسيد صادق وكفري، إضافة إلى دربندخان ورانيا"، مؤكدة "تراجع حدة الاحتجاجات، ولكن هناك أنباء عن تجدد التظاهرات مساء اليوم أو صباح يوم غد الأربعاء".
وأحرق المتظاهرون، خلال اليومين الماضيين، مقرّي "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني في السليمانية، احتجاجاً على عدم تلبية سلطات إقليم كردستان لمطالب المتظاهرين في السليمانية.
وقطع محتجون، ليل الأحد، عدداً من الطرق في السليمانية من خلال حرق إطارات السيارات، فيما أعلنت بعض الجهات السياسية الكردية تأييدها للتظاهرات التي تشهدها محافظة السليمانية منذ انطلاق بوادرها الأربعاء الماضي، ومنها حراك "الجيل الجديد" المعارض، الذي دعم التظاهرات في إقليم كردستان، وذكر الحراك في بيان "من أجل نيل حقوقهم العادلة المشروعة وإنهاء حكم عائلتي بارزاني وطالباني، ووضع حد لسرقة ثروات إقليم كردستان وهدرها".
وأقدمت السلطات الكردية عقب ذلك على إغلاق مقرّ فضائية "أن آر تي" الناطقة بالكردية في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، أمس الاثنين، بسبب تغطيتها الاحتجاجات التي شهدتها المدينة، وهي مملوكة لرئيس حراك "الجيل الجديد" المعارض، ساشوار عبد الواحد، الذي يدعم بقوة الحراك الاحتجاجي في السليمانية.
وتخشى سلطات الإقليم من تمدد الاحتجاجات الى أربيل ودهوك، إذ إن الأوضاع في المدينتين ليست أفضل حالاً من السليمانية التي تشارك شرائح اجتماعية مختلفة في الاحتجاجات.
وفي السياق، قال عضو بحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، لـ"العربي الجديد"، إن "اجتماعاً يُعقد اليوم في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، بين أحزاب "التغيير والديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني"، للوصول إلى حلّ لمشكلة الرواتب المتأخرة ومعالجة مطالب المحتجين وأسباب الاحتجاجات".
وبيّن أن "الاتحاد الوطني يشترط على الديمقراطي الكردستاني أن يذهب إلى بغداد ويحل جميع الخلافات ويرضي الحكومة الاتحادية بشأن الملف النفطي وإدارته وتسليم وارداته، كما هدد الاتحاد الوطني بالانفصال عن حكومة الإقليم في حال لم ينفذ مطالب المتظاهرين، والذهاب إلى بغداد بصورة فردية وحل الخلافات، لضمان توفر رواتب موظفي السليمانية على الأقل".
وفي أحدث مواقف حكومة إقليم كردستان، وافقت وزارة المالية في الإقليم على العمل بموجب مضمون قانون الاقتراض الذي أقره البرلمان العراقي، وأظهرت وثيقة بتوقيع وزير المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كردستان، أوات جناب نوري، موافقة حكومة الإقليم على تنفيذ ما يفرضه القانون عليها من التزامات، وتم الإيعاز للجهات المختصة في الإقليم، للاستعداد للعمل بموجبه. واقترح نوري عقد اجتماع فني للجهات المختصة في الحكومتين للاتفاق على آليات تنفيذ الالتزامات التي يرتبها القانون على الطرفين. وهذه الموافقة تعني انتهاء أزمة مرتبات الموظفين.
من جهته، أوضح الصحافي الكردي محمود كردي في مقطع مصور نشره على "تويتر"، قال فيه إن "قوات الأمن الكردية استخدمت الرصاص الحي، وهناك 3 قتلى من مدينة السليمانية، وعشرات الجرحى، كما اعتقلت السلطات نحو 60 صحافياً وناشطاً سياسياً في دهوك، أما في أربيل فقد منعت قوات الأمن السماح بأي مظهر احتجاجي"، مؤكداً أن "الحكومة في كردستان منذ عام 1991 منعت الكرد من تعلم اللغة العربية، كي تقطع التواصل بين الكرد والعرب، والكرد حالياً يعانون من الظلم وعدم صرف رواتب الموظفين".
ماذا يحدث داخل اقليم الكوردستان؟
— Mahmood.Kurdi (@MahmoodYKurdi) December 7, 2020
رسالة من صحفي الكوردي الى ناشطين في البغداد و كل المحافظات العراقية.
نحن حرمنا من تعليم لغة العربية لكي لا نتواصل معكم!@ghazwanaljassem @MHabibAhi @ahmedalbasheer1 @sjd_aljubori @AhmadMullaTalal pic.twitter.com/uQuyTTTGMD
وحظيت تظاهرات مدينة السليمانية بمباركة ودعم المتظاهرين والناشطين العرب في بغداد، وكتب العشرات منهم منشورات وتغريدات داعمة للمحتجين في إقليم كردستان، معتبرين أن هدف تظاهرات الكرد يحمل نفس معاني انتفاضة "تشرين"، فيما أطلق متظاهرون عراقيون وسم #حكم_العوائل، في إشارة إلى عائلتي طالباني وبارزاني اللتين تحكمان أربيل ودهوك والسليمانية.
أما المحلل السياسي الكردي هيوا عثمان، فقد أشار إلى أن "ما حصل في السليمانية ما هو إلا نتيجة طبيعية للإخفاق الحكومي في توفير قوت المواطنين، ولذلك خرج المتظاهرون، وللأسف سقط منهم قتلى وجرحى"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "هناك فشلاً كبيراً في داخل إقليم كردستان يتمثل بعدم التوصل إلى اتفاق مع بغداد، إضافة إلى أن حكومة إقليم كردستان لم تعمل طيلة السنوات الماضية على تنويع اقتصادها ومصادر الدخل".
دمك ودم الشهداء الاخرين في تظاهرات السليمانية لن ننساه وسننتقم من مليشيات الاحزاب ،يبيدون شباب السليمانية بدم بارد احزاب القنص والقتل والفساد..#السليمانية_تقمع pic.twitter.com/LXOOckchex
— Srwa Abdulwahid. سروه عبدالواحد (@srwa_qadir) December 7, 2020
قوات الامن تستعمل الغاز المسيل الدموع ضد المتظاهرين المطالبين برواتبهم#السليمانية_تقمع pic.twitter.com/fCWR0Yg2Ra
— 🇮🇶احمد (الناصرية تشرفكم ) (@eisiwiw) December 3, 2020