تعدت آثار الاعتداءات التي شهدتها مدن عراقية عدة خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة جانبها الإنساني، المتمثل بعشرات الضحايا والمصابين، أو حتى المتعلق بإعفاء ومحاسبة ضباط كبار مسؤولين عن أمن تلك المناطق، إذ تحولت مادة دسمة في الدعايات الانتخابية للقوى والكتل السياسية، بينها ما هو استهداف لحكومة مصطفى الكاظمي، وأخرى محاولة العودة إلى خطاب الكراهية بين فئات الشارع، والتي تلاشت فعلياً خلال العامين الماضيين عقب التظاهرات الشعبية التي عمت مدنا واسعة في البلاد.
ومنذ منتصف الشهر الماضي، شهدت البلاد عدة اعتداءات دامية، أبرزها التفجير الانتحاري الذي استهدف سوقاً شعبياً في مدينة الصدر، وراح ضحيته 32 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، وأكثر من 50 جريحاً، أعقبه هجمات طاولت مجلس عزاء قرب تكريت أسفرت عن مقتل وجرح العشرات، ثم هجوم في هيت، وآخر في نينوى، ثم الطارمية شمالي بغداد، وحمرين جنوب غرب كركوك، ثم خانقين في ديالى شرقي العراق، أسفرت بالمجمل عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 30 مدنياً وعنصراً في الأمن وفصائل "الحشد الشعبي".
طالب مسؤولون في الحكومة مجلس المفوضين بمتابعة مخالفات انتخابية ترتكبها قوى سياسية مختلفة
وعلى الطرف المقابل من إجراءات الحكومة لمواجهة ما اعتبرها مراقبون "فورة جديدة لتنظيم داعش" في العراق، تمثلت بدفع قوات إضافية إلى المناطق الرخوة أمنياً، وتغييرات في القيادات العسكرية والأمنية واستبدال قطعات عسكرية مكان أخرى، استخدمت قوى سياسية من مختلف التوجهات والمكونات تلك الهجمات مادة ضمن دعايتها الانتخابية، بين مهاجمة الحكومة والتنكيل بالإجراءات المتبعة، وصلت إلى استهداف ضباط وشخصيات بعينها، وأخرى أعادت إنتاج خطاب طائفي بشكل آخر عبر توجيه الاتهامات لمناطق بعينها كحاضنة للإرهاب، وأخرى محرضة، دون أن تنفذ مفوضية الانتخابات تهديداتها السابقة في محاسبة المخالفين لنظم وقواعد الحملات الانتخابية.
وأمس الجمعة، كشفت مصادر في مفوضية الانتخابات ببغداد، لـ"العربي الجديد"، عن مطالبة مسؤولين في الحكومة مجلس المفوضين بمتابعة مخالفات انتخابية ترتكبها قوى سياسية مختلفة، عبر تدخلها في الملف الأمني تحديداً. وأكدت أن رئيس الوزراء طلب من وزارتي الدفاع والداخلية تقديم تقارير عن جهات حاولت التدخل في عملها، أو التشكيك به، لأغراض انتخابية بهدف كسب جمهور معين، إضافة لرصد أي خطاب يحمل كراهية وتحريضا على اعتباره تهديدا للسلم والأمن الداخليين. وكشفت عن إجراءات قريبة من قبل المفوضية حيال الموضوع، بعد تصاعد ظاهرة استخدام القوى السياسية الملف الأمني، وتوظيف الاعتداءات الإرهابية في حملاتها الانتخابية.
ونهاية الأسبوع الماضي، وقعت مشادة كلامية بين رئيس حزب "الجماهير" أحمد الجبوري، والنائب عن حركة "صادقون"، الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق"، محمد البلداوي، وكلاهما مرشحان للانتخابات، خلال حضورهما مجلس عزاء لضحايا أحد الاعتداءات التي نفذها التنظيم قرب تكريت في 31 يوليو/تموز الماضي. وإثر ذلك أصدر الجبوري بياناً اتهم فيه القوات الموجودة في المنطقة بالتسبب في استمرار الهجمات، داعياً إلى "إبعاد محافظة صلاح الدين عن الصراع الانتخابي"، معتبراً أنها "أقدس من الانتخابات". واتهم من وصفه بـ"حرامي البيت" بحرق الأخضر واليابس، في إشارة إلى "عصائب أهل الحق"، التي تنتشر في تلك المنطقة، ودخلت أيضاً في دوائر انتخابية فيها بمرشحين من عناصرها.
اعتبر فارس الفارس أن مرشحين بدأوا يستغلون أي ظرف يمكن أن يوصلهم للجماهير، حتى لو كان أمنياً
في المقابل، طالب نواب وسياسيون في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، بتنفيذ عمليات دهم وتفتيش واعتقال ومحاصرة مناطق معينة، اعتبرت أنها حاضنة لبقايا تنظيم "داعش"، وتحديداً مناطق حزام بغداد. ورافق ذلك دعوات تحريض وإثارة للكراهية من قبل سياسيين وقادة مليشيات ضد سكان هذه المناطق، بهدف الكسب الانتخابي.
وحذّر عضو البرلمان العراقي محمد الخالدي من مغبة الاستمرار بـ"توجيه الاتهامات بعد كل تفجير ضمن صراع انتخابي واضح". وبين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المفوضية العليا للانتخابات هي المسؤولة عن تصرفات المرشحين خلال فترة الدعاية الانتخابية، وهي التي تمتلك حق محاسبة المخالفين، وإثارة المشاكل من أجل تحقيق مكاسب انتخابية أمر غير مناسب في الوقت الحاضر".
من جهته قال عضو البرلمان السابق والقيادي بتحالف "عزم" الانتخابي فارس طه الفارس، إن "مرشحين في الانتخابات بدأوا يستغلون أي ظرف يمكن أن يوصلهم للجماهير، حتى لو كان أمنياً". وأضاف: "محاولة بعض المرشحين توظيف مشاعر الناس بعد التفجيرات أصبحت مكشوفة، ويجب ألا تنطلي على أحد، والمشكلة تكمن في اتباع بعض المرشحين وسائل مختلفة في سبيل خدمة مشاريعهم الانتخابية". وبين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخلافات والمشادات بين المرشحين، من أجل الحصول على الأصوات، تمثل دليلاً على عدم النضج، وعدم الشعور بالمسؤولية، لأنها تتسبب بإثارة الناس"، منتقداً "محاولة بعض المرشحين الوصول إلى البرلمان المقبل على حساب معاناة جماهيرهم".
وحول ذلك، قال عضو مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات السابقة، سعيد كاكائي، إن قانون الانتخابات، الذي ستجرى بموجبه عملية الاقتراع في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تضمن عدة ضوابط، يمكن أن يتم اتباعها حيال أي حزب أو مرشح قد يخل بالقانون والنظام والسلوك العام. وأشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المرشحين مطالبون أولاً بتجنب التنافس والتسقيط السياسي على حساب ملفات مهمة ذات بعد إنساني أو أمني، وهذه الظاهرة غير حضارية، وتعكس نوايا منبوذة وغير مقبولة". ولفت إلى أن "مفوضية الانتخابات أكدت أن إجراءاتها تسير على قدم وساق من أجل إكمال تنفيذ فقرات الجدول الزمني لإجراء الانتخابات في 10 أكتوبر"، مبيناً أن "كل المتطلبات القانونية والإدارية واللوجستية تسير بشكل سلس نحو الاستحقاق الانتخابي".