تمكّن ناشطون ومتظاهرون عراقيون، أخيراً، من جمع مبلغ 250 مليون دينار عراقي، (نحو 170 ألف دولار) لمعالجة أحد الناشطين في مدينة النجف جنوبي البلاد، الذي أصيب بشلل كامل نتيجة تعرضه لإطلاق نار مباشر خلال هجوم لمسلحين يتبعون التيار الصدري على ساحة الاعتصام الرئيسة في المدينة، مطلع فبراير/شباط العام الماضي، وقُتل فيه 13 متظاهراً وجُرح نحو 100 آخرين، وذلك في أحدث حملة ينظمها الناشطون لمساعدة جرحى التظاهرات، بعد تنصّل حكومة الكاظمي من علاج الكثير منهم.
ولم تنفع مناشدات الناشط كميل قاسم للحكومة بشأن تسفيره إلى ألمانيا لإجراء سلسلة من العمليات تعيد إليه الحركة، إذ قوبل بالإهمال، وفقاً لمقربين منه، ما دفع زملاءه إلى إطلاق حملة شارك فيها ناشطون وحقوقيون ومدونون من مختلف مدن العراق، مع البدء بإطلاق حملات جديدة خلال اليومين المقبلين لمساعدة العشرات الآخرين، ممن يتطلب وضعهم نقلهم خارج البلاد للعلاج من الإصابات التي تعرضوا لها بفعل إطلاق النار وقنابل الغاز من الأمن وجماعات مسلحة، في أثناء عمليات قمع التظاهرات الشعبية التي انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، واستمرت أكثر من 14 شهراً.
ولم تأتِ المقابلة التي عقدها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مع مجموعة من المصابين المتضررين من العنف الذي لحق بهم خلال التظاهرات، قبل نحو أسبوعين، بأية نتيجة، رغم أن الكاظمي وعد بإعطاء مبلغ 100 ألف دولار لكل متظاهر يحتاج للسفر إلى ألمانيا، بحسب المتظاهرين الذين حضروا المقابلة.
وتعهّد الكاظمي بمتابعة قضايا جرحى الاحتجاجات في البلاد، معلناً رفض البرلمان قرار الحكومة تعويض ضحايا الاحتجاجات ومعالجة الجرحى. وقال في بيان: "خرجتم من أجل مطالب واقعية، من أجل حياة كريمة، لكن للأسف تعرضتم لاعتداءات، وأصبحنا جميعاً في وضع لا نحسد عليه"، مبيناً أن العراق ابتُلي في السابق بحكام ليس لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه بلدهم وشعبهم".
ويُذكر أن مجلس الوزراء العراقي أصدر في أغسطس/آب الماضي، قراراً يقضي "بإرسال الحالات الحرجة من جرحى الاحتجاجات إلى الخارج لغرض العلاج، وتقديم منح مالية تصل إلى خمسة ملايين دينار (نحو 3200 دولار) من خلال شملهم بقانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية. وأقر المجلس تشكيل لجان طبية من جميع التخصصات، الغرض منها متابعة الوضع الصحي للجرحى، وتوفير العلاج اللازم لهم مجاناً، حسب كل محافظة". لكن لا يبدو أن تلك القرارات التي أعلنتها الحكومة العراقية قد نُفذت، وفق الناشط من محافظة النجف، علي الحجيمي.
وقال الحجيمي لـ"العربي الجديد"، إن "جميع الوعود من جانب الحكومة والبرلمان، وحتى السياسيين الذين تبنوا رعاية بعض جرحى تظاهرات "تشرين" لم تكن حقيقية، ولم يكن لها أي أثر على أرض الواقع، بل إن بعض الجهات السياسية استغلت قضية الجرحى من أجل الظهور الإعلامي والحصول على تعاطف شعبي وجماهيري، ناهيك عن مكاسب انتخابية".
وتابع: "كان من المفترض أن تقوم السلطات العراقية بالتكفل بعلاج الجرحى، وتعويضهم عن خسارتهم جرّاء خروجهم بتظاهرات سلمية تطالب بالدولة المدنية والحياة الكريمة".
ووفقاً لناشطين عراقيين جنوبي البلاد، فإن حملات التبرع لمساعدة الجرحى والمصابين جراء قمع التظاهرات ستستأنف مجدداً بعد تنصّل الحكومة من وعودها، إذ ستُفتَح صناديق تبرّع لعلاج الضحايا خارج البلاد، وهو ما يكلف مبالغ تفوق قدرة ذويهم.
وأكد أحدهم، طالباً عدم ذكر اسمه، أن "هذا التوجّه يدعمه بعض التجار والميسورين، ولا يريدون أن تظهر أسماؤهم في الإعلام، كذلك فإن بعض المسؤولين في الحكومة العراقية يدعمون هذا التوجه، ويعمل ناشطون مشهود بنزاهتهم على التهيئة لهذه الحملة، وجمع المبالغ لمساعدة المتظاهرين الجرحى".
#الخطوةلأولى#وين_الوعد_يالكاظمي#انقذوا_وعد pic.twitter.com/Oocv6Lonrt
— اكرم ابن عذاب(رحمه الله) (@Akram_88_Akram) September 19, 2021
من جهته، لفت المتظاهر والناشط من بغداد، علي أكرم، إلى أن "هناك نحو 100 متظاهر أصيب بالشلل والتشوه، بحاجة إلى السفر إلى خارج البلاد للعلاج، لكن لم تسعفهم الحكومة بالأموال ولا بالتسهيلات، وهو ما يدفع المحتجين حالياً إلى تبني حملات التبرع لإنقاذهم". مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنه "في بغداد وحدها هناك أكثر من 35 متظاهراً أصيبوا بالشلل جراء الشظايا والرصاص الذي اخترق ظهورهم ورؤوسهم، وهناك عدم صدق حكومي واضح تجاه المصابين، حتى إن جميع ما صدر عن الحكومة والبرلمان لم ينفذ ولم يكن له أية نتيجة".
أما عضو حركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية"، عماد العامري، فقال لـ"العربي الجديد" إن "جرحى التظاهرات باتوا شريحة منسية، وعملت أحزاب وكيانات سياسية على استغلال جراحهم، وقد وعد أكثر من سياسي بأنه سيتبرع لإنقاذ بعض الجرحى، لكن سرعان ما يختفي هؤلاء، ويتوقفون عن الحديث مرة أخرى بهذا الشأن، ولا سيما بعد أن يسمعوا بالمبالغ المالية التي يحتاجها المتضررون".
وأوضح أن "الفصائل المسلحة والمليشيات التابعة للأحزاب هي المسؤولة عن شلل عشرات المتظاهرين، بالتالي فإنها لا تزال ناقمة على المحتجين، وتمنع أي جهود حكومية تسفر عن علاجهم، وتضغط على السلطات في سبيل تذويب قضيتهم المطالبة بالوطن وتحقيق العدالة والقصاص من القتلة".
وكان المتحدث باسم مجلس الوزراء العراقي حيدر مجيد، قد قال لـ"العربي الجديد"، إن "المتقدمين لطلب العلاج من المتظاهرين خارج العراق هم 110 مصابين، لكن الذين شملهم التسفير لغرض العلاج 36 شخصاً فقط، منهم ستة لا يزالون في الهند بسبب حالاتهم الحرجة، والآخرون من الممكن علاجهم داخل البلاد". وأوضح أن "الباب لا يزال مفتوحاً أمام جميع المصابين والجرحى من المحتجين للتقديم من أجل الحصول على العلاج".
ووفقاً لتقديرات غير رسمية صادرة عن منظمات محلية عراقية، خلّفت تظاهرات "تشرين" أكثر من 27 ألف مصاب، أكثر من ربعهم صُنِّفوا على أن إصاباتهم سيئة، وسبّبت إعاقات دائمة، أو تشوهات تحتاج إلى علاج ورعاية، فيما أغلب المصابين غير قادرين على تأمين تكاليفها. كذلك إن تردي الأوضاع الصحية في المستشفيات الحكومية المجانية يجعل من إمكانية علاجهم أمراً غير ممكن.