العراق: النزاعات السياسية تهيئ الظروف لعودة الاحتجاجات

03 مايو 2022
موكب لذوي ضحايا الاحتجاجات بالناصرية، ديسمبر الماضي (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

مع استمرار الانسداد السياسي في العراق منذ ما يزيد عن خمسة أشهر، تُلوّح قوى مدنية وشعبية عراقية بورقة تفعيل الشارع مجدداً، عبر تظاهرات شبيهة بموجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الربع الأخير من عام 2019، واستمرت أكثر من 14 شهراً، وخلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى.

وفي ندوة أقيمت يوم الثلاثاء الماضي بمدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، جنوبي العراق، حملت عنوان "مستقبل الحركة الاحتجاجية في العراق"، وشارك فيها عدد كبير من قادة الحراك والناشطين المدنيين، أكد العديد منهم إمكانية إعادة التظاهرات مرة أخرى للضغط على القوى الفاعلة في تسريع عملية تشكيل الحكومة والمضي بالإصلاحات المطلوبة وتوفير الخدمات.

وتحدث الناشط البارز في المدينة فارس حرّام، في الندوة، عن "استمرار الخلل البنيوي" في الدولة ودور التظاهرات في إصلاحه، معتبراً أن "عدم تفعيل قانون الأحزاب وتطبيقه على المتورطة منها بالفساد وذات الارتباط الخارجي التي تمتلك أذرع مسلحة"، هو من بين أبرز التحديات الحالية أمام إصلاح العملية السياسية في البلاد.

وألمح إلى عودة التظاهرات مجدداً بالقول إن "التغيير التدريجي ذو نتائج ضعيفة، والتغيير الحقيقي يتمثل بتجدد الحراك مع التشديد على تطبيق مواد قانون الأحزاب على الأحزاب التي تنتهك هذا القانون".

تجدد الاحتجاجات في مدن عراقية

وشهد العراق، خلال الأسبوعين الماضيين، وقفات احتجاجية في عدة مدن مختلفة، أبرزها بابل، وبغداد، وذي قار، والنجف، والبصرة، طالب خلالها المحتجون بالإسراع بتشكيل الحكومة، ووقف التدخل الخارجي واستخدام سلاح الفصائل في الضغط والتهديد.

وأطلق المتظاهرون شعار "لا إطار ولا تيار"، في إشارة إلى التيار الصدري و"الإطار التنسيقي" من دون تمييز. وتحدث ناشطان في الناصرية والبصرة عن مداولات مستمرة بين قوى مدنية عدة، طوال شهر إبريل/نيسان الماضي، حيال ما تحقق من طلبات المتظاهرين السابقة، والخطوة المقبلة للجان التنسيقيات.

وقال أحدهما لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إنه "جرت إعادة تنظيم التواصل بين مختلف تنسيقيات المحافظات الجنوبية والوسطى مع بغداد، والتي كانت قد ضعفت مع بعضها وانقطعت مع أخرى، وكانت طقوس الأمسيات واللقاءات الرمضانية مناسبة جيدة لإحياء هذه الاتصالات". وأوضح أن "الهدف هو أن يكون الشارع جاهزاً للخروج في حال حصول أي انتكاسة جديدة بتشكيل حكومة محاصصة طائفية".


شهد العراق، خلال الأسبوعين الماضيين، وقفات احتجاجية في عدة مدن

من جهته، تحدث الناشط من محافظة النجف علي الحجيمي عن وجود ما وصفه بـ"اتصالات ولقاءات فعلية وحقيقية بين ناشطين عراقيين، هدفها ترتيب استعادة النشاط الاحتجاجي، لكنها لا تزال في بداياتها".

وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الأحزاب والقوى الحاكمة أثبتت أنها تخشى الشارع أكثر من أي شيء آخر، ويمكن أن تمثل التظاهرات ورقة الضغط الوحيدة والرابحة بوجههم".

أما الناشط البارز في بغداد عضو حركة "نازل آخذ حقي" عمّار النعيمي، فأشار إلى أن "الاحتجاجات الشعبية كانت سبباً في كل ما يجري وفي تراجع شعبية الأحزاب السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة، لذلك نحن نؤمن بالاحتجاج كوسيلة للتغيير في البلاد، كما نؤمن بالعمل السياسي في نفس الوقت".

واعتبر النعيمي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "التيارات السياسية والفصائل المسلحة لا تزال تعيش في مساحة غياب عن متطلبات العراقيين، وأن زيادة الاستهتار بالفترات الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة ستؤدي إلى تنامي الغضب، ناهيك عن كون تشكيل الحكومة على طريقة المحاصصة المرفوضة، فإن الأسابيع المقبلة ستشهد عودة للحركات الشبابية والاحتجاجية".

الظروف مهيئة لعودة الاحتجاجات العراقية

وعن ذلك، قال عضو البرلمان العراقي النائب هادي السلامي إن "أخطر ما قد تواجهه الأحزاب حالياً هو الاحتجاج الشعبي، وهو ما قد يحدث في أي لحظة الآن"، محذراً من التفكير بمعاودة استعمال العنف ضدهم مرة أخرى.

وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "هناك استهانة كبيرة من قبل الأحزاب المدعومة التي تعتقد أن المتظاهرين بعد انتهاء الانتفاضة (أكتوبر/تشرين الأول 2019) تشتتوا وتراجعوا، لكن في الحقيقة أنهم تثقفوا وتعلموا وباتوا يمتلكون أدوات جديدة قد تتسبب بنهاية فترة حكومات ما بعد 2003".

أما الباحث أحمد الشريفي، فقد بيَّن أن "جميع الظروف مهيئة لعودة الاحتجاجات في العراق، إذ إن الوضع الذي طالب به المحتجون في أكتوبر 2019، لم يطرأ عليه أي تحسينات، بالتالي فإن عودة الانتفاضة واردة ومنطقية، لا سيما مع الاستهتار السياسي الحاصل حالياً من قبل جميع الكتل والأحزاب السياسية".

وأكد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، أن "قادة الأحزاب والفصائل المسلحة عادة ما يستخفون بالاحتجاجات ويجدون أن القمع هو الحل مع المتمردين على تغولهم، لكنها في نفس الوقت الحدث الذي قض مضاجع قادة الأحزاب، وهي الخيار السلمي الأبرز لإعلان حالة الرفض الشعبي".

عودة الانتفاضة واردة ومنطقية لا سيما مع الاستهتار السياسي الحاصل

وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق.

وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، وفقا لمرصد "أفاد" لحقوق الانسان في بغداد، في وقت لم تُشهد أي محاكمات جدية للمتورطين بعمليات القمع.

المساهمون