بُعيد ساعات قليلة من إعلان المعسكر السياسي المدعوم من طهران في العراق، المنضوي ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، نيته تقديم مبادرة سياسية جديدة للتيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، تهدف إلى الخروج من أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، أصدر الأخير بياناً أعلن فيه تقديم مهلة 40 يوماً (تنتهي بعد عطلة عيد الفطر مطلع شهر مايو/أيار المقبل) لقوى "الإطار التنسيقي"، لتشكيلهم الحكومة من دون مشاركة التيار الصدري.
مناورة جديدة لمقتدى الصدر
وعُدّت الخطوة مناورة سياسية جديدة من الصدر، خصوصاً بعد إعلان حلفائه من القوى السياسية الكردية والسنية تمسكهم بالتحالف معه، وعدم المضي بأي حكومة لا تتضمن مشاركة التيار الصدري فيها.
ومنح الصدر من وصفهم بقوى "الثلث المعطل" فرصة تشكيل حكومة من خلالهم من دون تدخل منه. وقال إنه "لكيلا يبقى العراق بلا حكومة فتتردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية وغيرها، فإني أعطي (للثلث المعطل) فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون الكتلة الصدرية، من أول يوم في شهر رمضان المبارك وإلى التاسع من شهر شوال المعظم".
المعارضة بالنسبة للصدر أفضل من التوافق مع الإطار التنسيقي
وطالب الصدر "الكتلة الصدرية بعدم التدخل بذلك لا إيجاباً ولا سلباً"، موضحاً أنه "بذلك فقد أبرأت ذمتي أمام الجميع".
ولم تكشف قوى "الإطار التنسيقي" عن فحوى المبادرة التي ذكرت أنها ستقدمها، لكن مصادر قيادية بارزة في التحالف ذاته كشفت، لـ"العربي الجديد"، أنها لا تحمل تغييراً في موقف الإطار التنسيقي من وجوب تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان من قبل القوى السياسية الشيعية، وبعدها تقوم هذه الكتلة بتشكيل الحكومة، مع وجود قبول بأن يكون المرشح من خلال التيار الصدري وليس حزب الدعوة أو تحالف الفتح".
وقال أحد قياديي "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، إن مناورة الصدر الأخيرة هي لقطع الطريق على المبادرة، كونه يرفض العودة إلى البيت السياسي الشيعي وتشكيل كتلة واحدة".
واعتبر أن "تشكيل حكومة من دون التيار الصدري يعني أنها ستواجه تحريكاً مستمراً للشارع، ولن تكون مستقرة، والعكس أيضاً صحيح بحال تشكلت حكومة بإقصاء قوى الإطار التنسيقي".
في المقابل، شدّد تحالف "السيادة" والحزب الديمقراطي الكردستاني على تمسكهما بـ"الشراكة مع التيار الصدري". وجاء في بيان، أمس الجمعة، أنه لا يمكن تشكيل حكومة قوية من دون (تحالف إنقاذ وطن)، الذي يضمّ "السيادة" و"الديمقراطي الكردستاني" و"التيار الصدري".
وحول تطورات المشهد السياسي العراقي، قال القيادي في التيار الصدري عصام حسين، لـ"العربي الجديد"، إن مقتدى الصدر "جاد في التوجه نحو المعارضة كخيار أفضل من التوافق مع الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة توافقية تؤسس على أساس المحاصصة وتقاسم المغانم".
وأضاف أن "الإطار التنسيقي سيفشل في النهاية بتشكيل الحكومة من دون مشاركة ودعم الكتلة الصدرية، لذا عليهم ترك هذا الأمر للكتلة ومن معها من حلفاء حتى يمضوا في مشروع حكومة الأغلبية الوطنية".
وفي تلميح إلى أن تشكيل الحكومة لن يكون قريباً، قال حسين إن "الكتلة الصدرية، ومن معها من حلفاء من القوى السنية والكردية، سيمضون في حكومة الأغلبية الوطنية بعد فشل الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً للمهلة التي منحهم إياها الصدر وهي 40 يوماً".
أما عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني النائب ماجد شنكالي، فشدّد على أن القوى السياسية السنية والكردية تدعم التوصل إلى حلول وسطية بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي، لكنها بالوقت ذاته "متمسكة بشراكتها مع الصدريين في مشروع حكومة الأغلبية الوطنية".
الكتلة الصدرية ستُمضي بملف تشكيل حكومة الأغلبية بعد انقضاء مهلة الـ40 يوماً
وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن الجميع مدرك صعوبة تشكيل حكومة من دون تحالف (إنقاذ وطن)، كما أننا لا يمكن لنا ترك التيار والتوجه نحو التحالف مع قوى الإطار التنسيقي من دون اتفاق التيار معهم". غير أن للقيادي في "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي رأياً آخر، بقوله في حديثٍ مع "العربي الجديد" إنهم قادرون على تشكيل الحكومة من دون مشاركة التيار الصدري لو أرادوا ذلك.
وأضاف أنهم "حريصون على تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان من القوى الشيعية حصراً، ثم تشكيل الحكومة الجديدة إلى جانب التيار الصدري، ونعتبر مهلة الصدر محاولة لرمي الكرة في ملعبنا وتحميلنا مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة".
وكشف عن أن تحالفه يستعد للبدء بجولة حوارات مكثفة مع كافة الأطراف السياسية، بما فيها التيار الصدري، للوصول إلى حلول تنهي الانسداد السياسي، فمهلة الصدر عمّقت الأزمة السياسية ولن تحلها إطلاقاً.
وشكك الفتلاوي في إمكانية التزام حلفاء الصدر بالشراكة معه بالقول إن "الأيام المقبلة ربما تشهد تغييراً كبيراً في خريطة التحالفات بناءً على مهلة الصدر".
توقع فشل "الإطار" في تشكيل الحكومة العراقية
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي أحمد الشريفي بيان الصدر الأخير والمهلة المقدمة بأنهما تصعيد جديد في الأزمة. وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أنه من غير المتوقع أن ينجح (الإطار التنسيقي) في تشكيل الحكومة وفقاً لهذه المهلة، والبرلمان لن يكتمل نصابه بحال قاطع التحالف الثلاثي (التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي) الجلسات".
ورأى أن "قوى الإطار التنسيقي تدرك جيداً خطورة توجه الصدر نحو المعارضة وتشكيل حكومة من دون دعمه لها، فهذا يعني أن الحكومة لن يطول عمرها أكثر من سنة، ولهذا يمكن اعتبار الأسابيع المقبلة فترة لإيجاد تفاهمات ومحاولة التوصل إلى حلول ولو وسطية".
وقال إن "المشهد السياسي بعد مهلة الصدر للإطار التنسيقي زاد من الانسداد السياسي، فهذه المهلة أنتجت ثلثاً معطلاً ثانياً لتشكيل الحكومة الجديدة، فالحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة لن يمضيا مع الإطار التنسيقي من دون الصدر، لكنهما يعملان منذ فترة على دفع الصدر للاتفاق والتوافق مع البيت الشيعي".
وتأتي خطوة الصدر بعد يوم واحد من فشل البرلمان العراقي، للمرة الثانية على التوالي خلال أقل من أسبوع، في المضي بجلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب لعقدها بواقع 220 نائباً من أصل 329 نائباً.