العراق: الحملات الانتخابية تنتقل من الشوارع إلى المنصات البديلة

01 سبتمبر 2021
يواجه السياسيون العراقيون نقمة شعبية كبيرة (محمد صواف/فرانس برس)
+ الخط -

على عكس ما جرت عليه العادة خلال المواسم الانتخابية السابقة في العراق، تفتقد شوارع وساحات العاصمة بغداد، وكذلك المدن الرئيسة في البلاد، بما فيها في الجنوب وفي إقليم كردستان، إلى المظاهر الانتخابية الواسعة، على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. فعلى الرغم من انطلاق الحملة الدعائية للانتخابات في يوليو/تموز الماضي، لا تزال معظم المناطق في العراق، وخصوصاً الشعبية منها، خالية بنسبة كبيرة من صور المرشحين أو قادة الأحزاب، باستثناء تلك التي يتم رفعها على مباني ومقرات القوى المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المرتقب. ويعزو مراقبون ذلك إلى أسباب عدة، من بينها ما يجري من حملات تمزيق وتخريب تتعرض لها الصور والشعارات الانتخابية المعلقة، من قبل المواطنين، إضافة إلى انتقال غالبية الحملات الدعائية إلى الترويج عبر المواقع الإلكترونية والمحطات التلفزيونية المحلية. وفي هذا الإطار، يستأثر موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، بغالبية تلك الحملات، عبر إعلانات ممولة تنشر فيه، تبدو بالنسبة إلى واضعيها طريقاً أضمن للوصول إلى العراقيين، بالإضافة إلى إقامة المرشحين الولائم والمؤتمرات في القاعات المغلقة.

يستأثر موقع "فيسبوك" بمعظم الحملات الانتخابية للمرشحين

وكانت الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت في عامي 2014 و2018، قد شهدت أزمات ومشاكل عدة بين القوى المتنافسة، وصلت إلى حدّ تبادل إطلاق النار، وتدخل قوات الأمن بين أنصار المرشحين خلال التزاحم على تعليق الصور واليافطات الانتخابية في الساحات والشوارع، التي لم تشهد هذا العام هذه الظاهرة، إلى حدّ الآن. وتخلو ساحات التحرير والخلاني والرصافي والفردوس والنسور وعنتر، وغيرها من ساحات العاصمة بغداد المزدحمة، في هذا الموسم الانتخابي، بشكل شبه تام، من صور المرشحين للانتخابات، فيما علّق القليل منها في محافظات جنوب ووسط البلاد. ويأتي ذلك خصوصاً أن جماعات من المتظاهرين كانت قد توعدت أخيراً، باستهداف صور مرشحي أحزاب وفصائل مسلحة، متهمة بالوقوف وراء حملات قمع الاحتجاجات واستهداف الناشطين.

ويقول مدير مطبعة عدن في بغداد، أحمد حسين، إنهم كانوا يأملون بموسم انتخابي يعوضّهم عن عامي الإغلاق خلال انتشار فيروس كورونا، والتي تراجع خلالها عمل المطابع، واضطر الكثير منها للإغلاق. ويضيف حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن نحو 40 مطبعة في بغداد استعدت ووظّفت عاملين ووفرت الورق الصيني والإيراني بمختلف أحجامه، للموسم الانتخابي، متوقعة حصولها على عقود بعشرات الملايين من الدنانير، لكن "لا شيء يذكر حتى الآن".

ويشرح مدير مطبعة عدن أن "موقع فيسبوك بات منصّة بديلة لترويج شعارات وصور سياسيي العراق، بالإضافة إلى القنوات التلفزيونية الفضائية"، موضحاً أن "القنوات الفضائية مثلاً، تأخذ على دقيقة إعلان واحدة خلال وقت الذروة، ما لا يقل عن خمسة آلاف دولار". ويقّر بأن "التوجه للترويج الانتخابي للمرشحين بات هناك، وليس عندنا في المطابع أو في معامل البوسترات (اللافتات والصور)". ويقول إنه "حتى الحزب الشيوعي الذي كنّا نعول أن يطبع صور مرشحيه ولافتاته، انسحب من الانتخابات، أما القوى المدنية فهي أساساً ضعيفة ماديا ولا تمتلك مقدرات مالية كبيرة، كتلك التي تمتلكها الأحزاب الرئيسية".

في السياق، يرى عضو تحالف "الفتح"، رزاق الحيدري، أن "الغضب العارم لدى الشباب العراقي، سواء من المتظاهرين أو الخريجين أو العاطلين من العمل، والنقمة الشعبية الكبيرة ضد الأحزاب والكيانات السياسية، سواءً التي حكمت البلاد خلال السنوات الماضية، أو تلك التي تنوي اقتحام العمل السياسي، إضافة إلى استمرار نهج الحكومة الحالية في عدم توفير الحقوق للعراقيين، جميعها أسباب يعلمها المرشحون للانتخابات، وبالتالي فهم غير مستعدين بكل صراحة للخسارة المالية التي قد تتسبب بها حملات تمزيق صورهم". ويعتبر الحيدري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحملات الدعائية التي يقوم بها المرشحون حالياً، يمكن وصفها بالسرّية، إذ يسعى معظمهم للحصول على ضمانات شفهية من الداعمين المحليين لهم، ما يبدو أفضل من الحملات التقليدية".

يقوم مواطنون غاضبون من السلطة بتمزيق صور المرشحين وتخريب اليافطات الانتخابية

من جهته، يبيّن المرشح للانتخابات عن دائرة بغداد، وائل الحازم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك سببين وراء عدم نشر صور المرشحين للانتخابات، في العاصمة أو في بقية المحافظات، الأول مرتبط بالحرارة المرتفعة خلال الصيف، التي قد تتلف المنشورات في الشوارع، وثانياً البيئة الانتخابية غير المستقرة، بسبب الجهات التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، كما أن هناك سخطا كبيرا من قبل العراقيين حيال هذا الاستحقاق بسبب السلوك السياسي للأحزاب خلال السنوات الماضية والاستغلال الخاطئ للنفوذ".

بدوره، يعتبر النائب العراقي باسم خشان، أن "جميع الأحزاب العراقية، والمرشحين عن الفصائل المسلحة، باتوا معروفين للشعب الغاضب والناقم على الأداء الحكومي السيئ منذ 18 عاماً"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الطبقة السياسية في العراق باتت مرفوضة بأكملها، بما فيها بعض الوجوه الجديدة التي تسعى هي الأخرى إلى خداع العراقيين بالقول إنها شخصيات مستقلة، لكنها في الحقيقة تتبع كيانات سياسية وقادة حزبيين معروفين ومتهمين بالفساد". ويشرح خشان أن "بعض الأحزاب ومرشحيها استغنوا عن فكرة الترويج بالصور في الشوارع، ولجأوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي والجيوش الإلكترونية، وهي طريقة مفضوحة أيضاً بالنسبة للعراقيين، لكن لا خيارات أمام هذه الأحزاب التي لا تمتلك أي مناهج سياسية، بل الأموال والسلاح".

وحول ذلك، يلفت الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، إلى أن "واحدة من الحالات العراقية التي خلفتها الاحتجاجات الشعبية بعد أكتوبر 2019، هو تغيير ممارسات سياسية كثيرة لدى الأحزاب، وواحدة من الخسارات التي تعرضت لها هذه الأحزاب، هو الثقة الشعبية والمخاوف من مواجهة العراقيين بشعارات مكرّرة وغير قابلة للتحقق على الأقل من قبل الطبقة السياسية الحالية ذاتها". ويشرح الركابي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد كانت تعرف ازدحاماً لصور المرشحين، الأمر الذي كان يؤدي إلى تشوه المدينة، وإلى حوادث سير في بعض الأحيان، بسبب انتشار الصور واليافطات الكثيف في الشوارع، لكن العاصمة لا تشهد حالياً سوى عدد ضئيل جداً من الصور الانتخابية". ويحذر المحلل السياسي من أن نسبة المشاركة في الانتخابات المنتظرة، قد يكون صادماً، أيضاً، إذ إن بعض التوقعات تشير إلى أنه لن يتجاوز الـ30 في المائة، بسبب التشاؤم الشعبي الواسع من إمكانية أن تحمل هذه الانتخابات أي تغيير". 

المساهمون