العراق: الحراك السياسي متواصل لتأسيس تحالفات انتخابية

05 مارس 2021
يعتقد الحراك أن دخوله السباق سيقلب المعادلة (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

في قرار هو الثاني من نوعه في غضون أقلّ من شهر، مدّدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فترة تسجيل التحالفات الانتخابية، واستقبال قوائم المرشحين الراغبين بالمشاركة في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وفُسّر هذا التوجّه على أنه محاولة لإفساح المجال أمام الأحزاب السياسية والحركات الجديدة لترتيب أوضاعها، واللحاق بالسباق الانتخابي.

وتنتهي المهلة الجديدة التي أعلنت عنها المفوضية الأسبوع الماضي، في بيان رسمي، في الأول من مايو/أيار المقبل، واعتبر مراقبون وناشطون عراقيون أن التمديد يفسر التصادم الحزبي والسياسي الواقع حالياً، لجهة عدم توصل كثير من الكيانات السياسية إلى اتفاقات للدخول في تحالفات انتخابية واضحة. لكن هذا لا يعني أيضاً عدم توصل جهات سياسية أخرى، إلى اتفاقات أخيراً. وبحسب المفوضية، فإن الانتخابات ستشهد مشاركة 27 تحالفاً، تضم 235 حزباً سياسياً، وقد يُعلن قريباً عن ارتفاع هذا العدد، لا سيما أن الكيانات والأحزاب العراقية تواصل حراكها لتأسيس التحالفات الانتخابية. ويأتي ذلك وسط فوضى سياسية وسوء العلاقة بين السياسيين أنفسهم، ناهيك عن غياب الحماسة الشعبية للاقتراع، مع بلوغ العراقيين مراحل متقدمة من اليأس، خصوصاً في ظلّ التدخلات الخارجية، وأبرزها الإيرانية، التي تلعب بعد كل انتخابات أدواراً مهمة في تشكيل الحكومة العراقية.

يشرح التمديد لتسجيل التحالفات التصادم الحزبي والسياسي الواقع حالياً

والمقصود بالتحالفات الانتخابية، هو دخول أكثر من حزب وتكتل سياسي في قائمة انتخابية واحدة تحصل على رقم واسم معينين. ولا يمكن المصادقة على تسجيل التحالف، إلا في حال منح جميع الأحزاب المنضوية إجازة المشاركة في الانتخابات. ويعني هذا أن الحزب، أو الكتلة، سيمكنه تغيير رأيه وخوض الانتخابات بعيداً عن التحالف الذي سجّل اسمه فيه، في حال لم يتحقق الاتفاق النهائي. كما يُسمح في ما بعد بالدخول في التحالفات مع احتفاظ صاحب الامتياز الذي تقدم بطلب التسجيل الحقّ في تمثيله.

وفي الوقت الذي أنهى فيه زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، زيارة موسعة إلى إقليم كردستان العراق، لبحث إمكانية دخوله في تحالف وصفه مقربون منه بـ"التحالف الطولي"، يشمل قوى عربية سنّية وشيعية وكردية، ويسعى الحكيم له في تحركاته الحالية، أعلن رئيس جبهة "الإنقاذ والتنمية" أسامة النجيفي، أخيراً، تشكيل تحالف سياسي برئاسته، على أن يتولى جمال الضاري منصب الأمين العام. وكتب النجيفي معلناً عن التحالف الجديد، عبر حسابه على "تويتر": "توج التفاهم بيننا وبين جمال الضاري بإعلان المشروع الوطني للإنقاذ، وهو تحالف انتخابي بين جبهة الإنقاذ والتنمية والمشروع الوطني، وسيكون التحالف الوليد برئاستنا وأمينه العام الضاري". ويندرج هذا التحالف ضمن التحالفات السياسية السنّية التي تشهد انقسامات وصراعات كثيرة، ترجمها يوم الثلاثاء الماضي، الاشتباك بالأيدي والتلاسن بين نواب عراقيين من الذين يقدمون أنفسهم ضمن ما يصطلح عليه باسم "ممثلي المكون السنّي"، داخل البرلمان.

وعلى الرغم من إعلان النجيفي، وما سيليه من إعلانات مستقبلية، إلا أن هذه الاتفاقات لا تعدو كونها في النهاية اتفاقات مبدئية لخوض الانتخابات. وبحسب مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، فإن "التحالفات المعلن عنها قبل عملية الانتخابات، هي وقتية، وعبارة عن خطة عمل، ومن المفترض أن يلتزم كل طرف من هذا التحالف بإدارة ملف معين قبل الانتخابات، مثل الترويج والدعاية والنزول للشارع والتمويل للحملات الانتخابية المختلفة، فيما تلتزم أطراف أخرى داخل التحالف بمسألة التهيئة السياسية واختيار المرشحين والتحشيد الإعلامي، وهكذا، حيث يكون لكل كيان في التحالف دور عملي". وأشارت المصادر إلى أن "التحالفات الحقيقية تكون بعد إجراء الانتخابات وإعلان مقاعد كلّ كتلة، من أجل التوصل إلى تكوين الكتلة الأكبر، التي منحها الدستور حقّ تشكيل الحكومة".

وعلى صعيد الكيانات السياسية الجديدة التي انبثقت عن تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، أشار الناشط المدني من مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار)، القيادي في كيان "البيت الوطني"، حسين الغرابي، إلى "وجود اتفاق مبدئي بين جميع القوى السياسية التي ولدت بعد تظاهرات أكتوبر، والتي يقودها المتظاهرون، بأن تدخل الانتخابات المقبلة ضمن قائمة انتخابية واحدة، لكن هذا الأمر يحدث عندما نجد الأجواء الانتخابية آمنة في العراق". ولفت الناشط إلى أنه "لهذه الأسباب، فإن ما يؤخر إعلان تحالف قوى تشرين، هو غياب الجدّية السياسية والحكومية في ترتيب الأجواء الأمنية والاجتماعية لخلق بيئة صالحة للانتخابات، بلا تزوير"، معتبراً أن "عدم توفر هذه الأجواء، يعني أن قوى تشرين قد تذهب إلى عدم المشاركة في الانتخابات". وأوضح الغرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تحالف القوى السياسية الاحتجاجية ومشاركتها في الانتخابات، يعني حدوث تغيير كبير في نتائج هذه الانتخابات، لا تتوقعه القوى السياسية التقليدية، وقد تجاوز عتبة المائة مقعد في مجلس النواب".

 اتفاق مبدئي بين القوى السياسية المنبثقة عن تظاهرات أكتوبر، لدخول الانتخابات بقائمة واحدة

من جهته، بيَّن سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، أن "الحراك جارٍ لإعادة إحياء التحالف المدني الديمقراطي الذي تفكك في وقتٍ سابق، ونعمل حالياً على إعادة تفعيله والدخول في الانتخابات المقبلة وفق السياقات التي يؤمن بها الحزب، ومراعاة المدنية والديمقراطية". ولفت فهمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحالف" يضم حالياً "التيار المدني وحزب الأمة، وهناك تواصل مع أحزاب وكيانات جديدة"، مؤكداً "انفتاح الحزب الشيوعي على جميع الكيانات السياسية الشابة، علماً أن عدداً من الكيانات السياسية التقليدية تواصلت معنا، ولكننا نعمل حالياً على التواصل مع تلك الجديدة".

وتعليقاً على ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، أن "جزءاً كبيراً من الأحزاب الحالية والكيانات السياسية قد لا يمضي باتجاه إجراء تحالفات ما قبل الانتخابات، ولكنها تعمل حالياً على وضع خريطة طريق لتحالفات ما بعد النتائج لتشكيل الكتلة الكبرى". ولفت الشمري إلى أن "احتمالية عودة تموضع التحالفات الطائفية ستكون حاضرة، خصوصاً أن القوى التقليدية تدرك جيداً أهمية استمرار العرف الذي سارت عليه العملية السياسية، في ما يرتبط بأن يكون رئيس الوزراء من الطائفة الشيعية، والبرلمان سنّيا، والجمهورية كرديا". ورأى أن "العودة إلى التجمعات الطائفية والقومية لتقاسم المناصب الحكومية، هي الطريقة للحصول على مغانم ما بعد الانتخابات".

وشرح المحلل السياسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البيوت الطائفية (في العراق) تشظت بشكل كبير جداً، بسبب اصطدام المصالح وصراع النفوذ والاستحواذ على السلطة، ولذلك قد يكون جزء من اللعبة السياسية الجديدة هو تشكيل عناوين سياسية حديثة لجمع أكبر عدد من الأحزاب في سبيل الوصول إلى تصدر تلك القوى المشهد مجدداً".

وفي السياق، أشار الشمري إلى أن "الكيانات التقليدية والأحزاب السياسية المعروفة، تهدف حالياً إلى استقطاب أحزاب مدنية تشرينية (الناشئة عن تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، وقد تنجح إلى حدٍ ما من خلال أحزاب الظلّ التي أسّستها خلال الفترة الماضية، لكنها ستفشل في استقطاب الأحزاب المدنية والتشرينية الحقيقية التي عليها أن تطرح مشاريع سياسية مخالفة لما تعمل به الكيانات التقليدية في إدارة الدولة". ورأى في هذا الصدد، أنه ينبغي أيضاً على "الأحزاب التشرينية والمدنية المضي باتجاه تقديم تشكيلة حكومية مقنعة للعراقيين ببرنامجها، وإلا فإن مستقبلها السياسي قد ينتهي بعد الانتخابات، لأنها لم تستطع تقديم نموذج سياسي ينسجم مع تطلعات الشعب العراقي". وتوقع أن "تلجأ بعض القوى السياسية الجديدة، إلى الشارع وإلى التظاهر في الميادين، لا سيما أن الانتخابات تشوبها شكوك في مستوى النزاهة والشفافية".

يُشار إلى أن 25 مليون عراقي يحق لهم المشاركة في الانتخابات المقبلة في 83 دائرة، لانتخاب 329 نائباً. وتتم الانتخابات تحت قانون جديد قائم على مبدأ الفوز لأعلى الأصوات، وليس على القانون السابق الذي نُظّمت أربع نسخ انتخابية سابقة على أساسه، والقائم على احتساب متوسط القاسم الانتخابي لكل حزب أو كتلة سياسية، وفقاً لطريقة "سانت ليغو". ويعتبر ناشطون ومراقبون أن هذه الطريقة منحازة إلى الكتل السياسية الكبيرة، ضد الكتل الصغيرة أو المستقلين الذين لا يملكون أحزاباً.

المساهمون