استمع إلى الملخص
- الجماعة، التي ظهرت في الناصرية قبل أربع سنوات، تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها بين الشباب في المناطق الفقيرة، وقد أصدرت محكمة جنايات واسط أحكامًا بالسجن على بعض أعضائها.
- رغم اعتقال بعض رموزها، لا تزال الجماعة نشطة وتثير قلق الأهالي، وتدعم المؤسسات الدينية والعشائرية جهود القضاء عليها.
تواصل السلطات الأمنية والقضائية العراقية ملاحقة عناصر جماعة "القربان" المتطرفة بمناطق وسط العراق وجنوبه، منذ عدة أشهر. وتصنف السلطات العراقية الجماعة ضمن خانة الجماعات "المنحرفة" دينياً، بعد تفشي ظاهرة الانتحار بين أفرادها. وخلال الأشهر الماضية، أعلنت الأجهزة الأمنية عن اعتقال نحو 90 منتمياً لهذه الجماعة، تحت عنوان تتبناه السلطات بشكلٍ رسمي وهو "جماعات دينية متطرفة"، لكن مراقبين ونشطاء من مناطق انتشار هذه الجماعة يؤكدون أن نشاطها ما زال مستمراً، وسط رعب الأهالي من تأثيرها على أبنائهم وبناتهم.
ونشطت جماعة القربان أو "العلّاهية" في عدد من المحافظات، خصوصاً محافظة ذي قار الجنوبية، وتنفذ طقوساً قاسية ومتطرّفة تتضمّن تقديم أشخاص قرابين إلى الإمام علي بن أبي طالب من خلال الانتحار بطرق بشعة، الأمر الذي تسبّب في اضطرابات اجتماعية وأمنية بمحافظات جنوبي العراق، وقد سجلت محافظات ذي قار وميسان والبصرة والقادسية (الديوانية)، عشرات حالات الانتحار داخل المنازل وبعض الجوامع التي يتخذونها مقارّ لهم.
ومعظم من أقدموا على الانتحار من المنتمين للجماعة كانوا قد تركوا رسائل مكتوبة أفادوا فيها بأنّهم "قرابين للإمام علي بن أبي طالب". ويبدو أنّ "جماعة القربان" تملك تنظيماً واضحاً وقنوات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحظى بعض رموزها باهتمام كبير، كما أنهم يعمدون إلى اللطم والضرب على الرؤوس علانية، علماً أنّ لهم أناشيد موسيقاها شبيهة بموسيقى الراب.
وأمس الثلاثاء، أصدرت محكمة جنايات محافظة واسط أحكاما بالسجن بحق مدانين ينتمون إلى الجماعة. وأوضح المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في بيان له أن "الأحكام صدرت لارتكاب المدانين جريمة تحريض المواطنين على الانتحار، وفق المادة 408". وقالت إدارة المحافظة إن العشرات من المعتقلين في سجونها ينتمون إلى الجماعة.
وقال المسؤول المحلي في واسط حبيب البدري إن "فرق الأمن الوطني في المحافظة ما زالت تلاحق جماعة القربان في المحافظة، حيث بلغ عدد المعتقلين لغاية الآن منذ بدء الحملة ضدهم قبل عدة أشهر إلى أكثر من 100 معتقل"، موضحاً في تصريحٍ صحافي أن "هؤلاء المعتقلين بعضهم يحملون أسماء دلع منها (أبو الليو، عصفورة، دبابة، ستموني، نصيحة، والإمبراطور)".
في السياق، قال ضابط عراقي من محافظة ذي قار إن "الأجهزة الأمنية والقضائية لديها توجيهات بعدم التساهل مع المنتمين إلى الجماعات الدينية المتطرفة، وأبرزها جماعة القربان التي تراجعت في بعض المحافظات لكنها نشطت في أخرى"، مبيناً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجماعة تراجع تأثيرها كثيراً في البصرة وميسان، لكنها ما زالت نشطة في الناصرية والديوانية، وأخيراً نشطت في محافظة واسط، ولها أتباع بأعداد قليلة في محافظة بابل".
وأضاف الضابط أن "عدداً ممن تم اعتقالهم من عناصر الجماعة تبين أنهم متورطون في جرائم سابقة، والغريب أن معظمهم يدمنون على مادة الكريستال التي تدفعهم إلى التخيل والجرأة في ارتكاب الجرائم والإقدام على الانتحار"، مستكملاً حديثه بأن "هناك مئات المعتقلين من المنتمين لجماعة القربان، وقد تم الحكم على كثير منهم بالسجن، لكن من لم يقع في قبضة القوات الأمنية والقضاء العراقي فهو متخف، فيما اختار بعضهم الهرب إلى خارج العراق".
من جانبه، أشار الناشط علي المالكي، من محافظة النجف، إلى أن "هذه الجماعة تسببت برعب كبير لدى الأهالي في محافظات وسط العراق وجنوبه، والمشكلة أنها وبرغم بعض رموزها، مثل (أبو ليو) الذي أطيح به، وهم الآن خلف القضبان، إلا أنها لا تمتلك قائداً واحداً كي يتم النيل من قيادة الجماعة، كما أنها لا تفصح عن المرجع الديني الذي تتبعه ولا حتى عن مصادر التمويل، بالتالي فإن التعامل مع هذه الجماعة يشبه التعامل مع الأحزاب السرية بمفهومها التقليدي".
وأكمل المالكي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأهالي في المحافظات الرافضة لهذه الجماعة يساندون جهود القوات الأمنية والسلطات القضائية لأجل الإطاحة بعناصر هذه الجماعة، التي يبدو أنها تحتاج إلى مزيدٍ من الوقت ليتم التخلص منها"، مشيراً إلى أن "معظم المؤسسات الدينية والعشائرية في مناطق جنوب العراق، تحدثت عبر المنابر والمحافل الاجتماعية عن الانحرافات الكبيرة والخطيرة التي تمارس عبر هذه الجماعة، وأنها تستغل الشباب والعاطلين من العمل".
وكان أول ظهور لهذه الجماعة قبل نحو أربع سنوات في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، وقد أقدم عدد من عناصرها على الانتحار في منازلهم وفي هياكل لمنازل قيد الإنشاء بالإضافة إلى دور عبادة، واتضح في ما بعد أن عناصر الجماعة يجتمعون للحديث عن الذنوب التي يرتكبها البشر، وأهمية التضحية للإمام علي بن أبي طالب، ثم إيقاد الشموع في نهاية الحديث، ومن تنطفئ شمعته أولاً يقدم على الانتحار، مع العلم أن أغلبهم من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 20 عاماً، وعادة ما ينتشرون في أطراف المدن الكبيرة وفي القرى والأرياف والمناطق النائية التي ينتشر فيها الفقر والبطالة.
وقالت مصادر من غرف المحامين في محافظات جنوب العراق لـ"العربي الجديد"، إن المخاوف الأمنية والقضائية تنطلق من احتمالات تحول هذه الجماعات إلى غدد مسلحة، قد تسفر عن قتل أبرياء لتنفيذ أفكارها، ولا سيما بعض المعتقلين من الجماعة، أفادوا بأنهم ينتمون إلى مدارس "طُهرانية" (من الطُهر)، ويؤمنون بأنهم مسؤولون عن تطهير أنفسهم من الذنوب عبر قتلها، أو قتل المذنبين من أسرهم أو مجتمعاتهم الصغيرة التي ينتمون إليها.