حيثما أدرت وجهك في شوارع العاصمة مقديشو، تطالعك لافتات للمرشحين للانتخابات الرئاسية الصومالية، والذين تتشابه مضامين برامج حملاتهم الانتخابية إلى حد بعيد، فيما تختلف خلفياتهم ووجوهم وخبراتهم السياسية. ويتنافس في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها غداً الأحد، 39 مرشحاً، أبرزهم الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، والرئيس السابق حسن شيخ محمود.
وتأتي هذه الانتخابات بعد تأجيل استمر لمدة عامين نتيجة الخلاف على آلية تنظيم الانتخابات النيابية والتشريعية بين الحكومة الصومالية ورؤساء الولايات الفيدرالية، إلى جانب خلافات أخرى حول مقاعد نيابية في إقليم جدو (جنوب الصومال) بين فرماجو ورئيس إقليم جوبالاند حول أحقية من يمثل سكان هذا الإقليم في البرلمان الصومالي.
تكمن أهمية هذه الانتخابات الرئاسية في أنها قد تكون مقدمة لتجاوز البلاد المأزق السياسي
أهمية الانتخابات الرئاسية الصومالية
وتكمن أهمية هذه الانتخابات الرئاسية في أنها قد تكون مقدمة لتجاوز البلاد المأزق السياسي الذي عاشت فيه في الفترة الأخيرة، وهو ما كان يهدد الاستقرار السياسي والأمن النسبي الذي أنجزته الحكومات السابقة. فضلاً عن احتواء المعضلات الأمنية التي تشهدها مقديشو ومناطق أخرى في البلاد، نتيجة التفجيرات التي ينفذها انتحاريون يرتدون أحزمة ناسفة، آخرها الهجوم الذي أدى لمقتل أربعة أشخاص بالقرب من مطار مقديشو الأربعاء الماضي.
هذا بالإضافة إلى مواجهة تداعيات أزمة الجفاف التي تهدد حياة نحو 5 ملايين صومالي في مناطق متفرقة في جنوب البلاد ووسطها.
برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية الصومالية
وفي السياق، استمع نواب البرلمان الصومالي بغرفتيه (مجلس الشيوخ والشعب) البالغ عددهم 329 عضواً، إلى برامج المرشحين يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وتمحورت أجندات المرشحين الانتخابية حول تحقيق مصالحة حقيقية بين مكونات المجتمع الصومالي، إلى جانب طرد حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" من جنوب البلاد، وبسط نفوذ الدولة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة، وكذلك توسيع نطاق خدمات الدولة الأساسية إلى مناطق جديدة، خصوصاً التعليم والصحة. فضلاً عن حلّ مشكلة عدم فاعلية الجيش الصومالي من خلال إعادة تشكيله على نحو يكفل توليه مسؤولية الحفاظ على أمن البلاد.
وقال الرئيس الصومالي السابق، المرشح حسن شيخ محمود، أمام البرلمانيين أول من أمس الخميس، إنه بعد توليه الرئاسة، سيحافظ على هيبة وكرامة الأمة الصومالية، واحترام حرية التعبير وخاصة الحريات السياسية، إلى جانب عقد مصالحة بين المجتمع الصومالي والعشائر التي تقاتلت فيما بينها، فضلاً عن عقد مصالحة بين السياسيين الصوماليين.
وأضاف شيخ محمود أن تحقيق الديمقراطية في البلاد، من أهم برامجه الانتخابية، وذلك "لتفويت الفرصة على المجموعات التي تنتفع من نظام الحكم في البلاد"، فضلاً عن "تقنين تشريعات جديدة تواكب العصر الحديث للصومال"، إلى جانب "تبني التعددية الحزبية، وخلق نظام قضائي موثوق به من المجتمع".
أما رئيس الوزراء السابق، حسن علي خيري، الذي حشد جماهير غفيرة في حفل دعائي انتخابي في مقديشو الأربعاء الماضي، فطرح برنامجاً انتخابياً مكوناً من خمس أجندات، هي الاقتصاد والأمن وتشكيل الجيش وإصلاح القضاء ومكافحة الفساد.
وركَّز على توفير دعائم الاقتصاد، عبر علاقة وثيقة مع المنظمات الاقتصادية العالمية، وطباعة عملة جديدة في البلاد، وجلب الاستثمار الأجنبي، لخلق فرص عمل لفئات الشباب.
وشدد خيري على تحرير المدن الصومالية التي تخضع لسيطرة حركة الشباب، وربط العاصمة ببقية المدن الاستراتيجية في وسط البلاد وجنوبها، من خلال اعتماد جيش قوي فعّال قادر على حفظ الأمن والاستقرار، فضلاً عن رفع حالة الإغلاقات الأمنية في مقديشو، إلى جانب محاولة القضاء على الفساد، من خلال إعادة تشكيل مجلس القضاء الصومالي، ليتمتع باستقلالية ونزاهة كاملة.
من جهتها، ركّزت حملة فرماجو على أربعة محاور تضمنت الأمن والسياسة والاقتصاد والخدمة الاجتماعية. وقال الرئيس الصومالي أمام نواب البرلمان أول من أمس، إنه سيبذل قصارى جهده من أجل رفع حظر السلاح المفروض على الصومال منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي من قبل مجلس الأمن الدولي، وذلك من أجل القضاء على حركة "الشباب"، وإعادة تشكيل الجيش الصومالي وتسليحه لرفع جهوزيته القتالية وكفاءاته العسكرية.
وأوضح فرماجو أيضاً أنه سيركز في ولايته الثانية بحال إعادة انتخابه، على المفاوضات بين الصومال وأرض الصومال (صومالاند)، واستكمال الدستور، وإجراء انتخابات عامة في عام 2026، وخلق فرص عمل للشباب وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، خصوصاً الصحة والتعليم.
المرشح الذي يحصل على ثلثي الأصوات في الجولة الأولى يفوز بمنصب الرئاسة
آلية انتخابات الرئاسة في الصومال
يختار البرلمان بغرفتيه، الرئيس الجديد للصومال في 15 مايو/أيار الحالي، من بين 39 مرشحاً، وهو أكبر عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية في البلاد منذ الاستقلال عام 1960، وذلك بعد استيفائهم الشروط اللازمة للتسجيل، بدفع 40 ألف دولار أميركي وحصول كل واحد منهم على توقيع عشرين نائباً للترشح. ويحق لكل برلماني أن يوقّع لثلاثة مرشحين فقط.
وتعقد الانتخابات الرئاسية في قاعدة حلني للقوات الأفريقية في حي وابري بمقديشو، وسط إجراءات أمنية مشددة، ويتوقع أن يشارك فيها سفراء دول عربية وأوروبية وأفريقية، كما كان الحال في الانتخابات الرئاسية السابقة التي احتضنتها مقديشو.
ووفق الدستور الصومالي، فإن المرشح الذي يحصل على ثلثي الأصوات (219 صوتاً) من إجمالي عدد أصوات النواب الـ329 في الجولة الأولى من الانتخابات، يفوز بمنصب الرئاسة.
أما إذا لم يحدث ذلك، فإن المرشحين الأربعة الأكثر حصداً لأصوات الناخبين (البرلمانيين) يذهبون إلى الجولة الثانية، وبعدها يذهب المرشحان الأكثر حصداً للأصوات إلى الجولة الثالثة والأخيرة، إذ يفوز المرشح الذي يحصل على نسبة 50+1 من الأصوات، على أن تتكفل القوات الأفريقية الانتقالية (أتمس) أمنه وسلامته، تمهيداً لمراسم تنصيبه وتسليمه السلطة.
وتأتي هذه الانتخابات الرئاسة وسط تعقيدات أمنية وسياسية بعد مرحلة تراشق بالتهم بين الرئاسة الصومالية والحكومة الفيدرالية، إلى جانب أزمة عميقة حول مستقبل نظام الحكم الفيدرالي في البلاد، بسبب خلافات بين المركز والأطراف، خصوصاً حول تقاسم الثروات والعلاقات الخارجية واستقلالية الولايات الفيدرالية عن حكومة مقديشو.
أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية الصومالية
على الرغم من المنافسة الشرسة التي تدور بين قبيلة الهوية التي لديها 12 مرشحاً وقبيلة الدارود التي لديها 8 مرشحين للانتخابات الرئاسية الصومالية، إلا أن المنافسة ستنحصر نسبياً بين أربعة مرشحين أقوياء فقط، يتوقع أن يكون أحدهم الرئيس العاشر للصومال منذ عام 1960، وذلك بعد تأجيل رافق عملية تنظيم الانتخابات الرئاسية بدءاً من عام 2021.
المنافسة ستنحصر نسبياً بين أربعة مرشحين أقوياء فقط
محمد عبد الله فرماجو
يعدّ الرئيس الحالي المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو (2017-2021)، من أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية. هو من مواليد 9 مارس/آذار 1962 في العاصمة مقديشو. عمل في الخارجية الصومالية في الثمانينيات من القرن الماضي، وبقي موظفاً فيها وشغل منصب سكرتير أول في السفارة الصومالية في واشنطن، حتى عام 1990.
أصبح رئيساً للحكومة الصومالية عام 2010، ولكن لمدة ستة أشهر، إذ أحدثت تصريحات له بشأن بناء الجيش الصومالي وصرف رواتبه، ضجة في الإعلام المحلي، ونشب خلاف سياسي بينه وبين الرئيس الصومالي آنذاك شريف شيخ أحمد، ورئيس البرلمان شريف أدم، لينتهي الأمر بطرد فرماجو من رئاسة الحكومة الانتقالية، ضمن اتفاقية عُرفت بـ"اتفاقية كمبالا" في يونيو/حزيران عام 2010.
ترشح بعد ذلك للانتخابات الرئاسية عام 2012، لكنه خسر، ليعود ويفوز عام 2017 ويصبح أول رئيس صومالي قادم من المهجر يفوز برئاسة الصومال.
انتهت فترة حكمه بخلافات سياسية وتجاذبات حادة بعد محاولة تمديد فترة رئاسته لعامين إضافيين في إبريل/نيسان 2021.
حسن شيخ محمود
من مواليد مدينة جللقسي بإقليم هيران وسط البلاد، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1955، يحمل شهادة الماجستير من جامعة "بي هوبل" في الهند عام 1986. هو الرئيس الثامن للصومال، بعد فوزه بانتخابات عام 2012.
نجح في إرساء قواعد بناء النظام الفيدرالي في فترة حكمه (2012-2016) وعمل على تحرير مدن عدة في جنوب البلاد من قبضة حركة "الشباب".
قبل أن يخوض غمار السياسة، عمل شيخ محمود في منظمات دولية ومحلية، وكان من بين أعضاء من المجتمع المدني الذين نجحوا في إزالة الخط الأخضر في مقديشو، والذي كان يقسم العاصمة إلى شطرين بسبب الحرب الأهلية أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
ساهم في تأسيس جامعة "سيمد" (من أكبر الجامعات المحلية)، وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية الحالية باكراً، ويأمل أن يُعاد تنصيبه رئيساً لولاية جديدة، لاستكمال انجازاته السياسية والأمنية.
شريف شيخ أحمد
تولى رئاسة الصومال بين عامي 2009 -2012، ودخل عالم السياسة من بوابة التيارات الدينية المسلحة، بعد قيادته لاتحاد المحاكم الإسلامية (مجموعة من المحاكم الإسلامية التي اتحدت برئاسة شريف شيخ أحمد، وأصبحت حاكمة لمناطق صومالية عدة)، عام 2006.
من مواليد بلدة مهداي بإقليم شبيلى الوسطى في 25 يوليو/تموز 1964. درس في مدارس مدينة جوهر (على بعد 90 كيلومتراً شمال مقديشو)، وتخرّج من ثانوية الشيخ الصوفي التابعة لجامعة الأزهر، والتي كانت تدرّس بالعربية. التحق بعد ذلك في التسعينيات من القرن الماضي بجامعة كردفان، ثم انتقل إلى ليبيا لاستكمال دراسته الجامعية في كلية الشريعة والقانون عام 1998.
برز اسمه بين قادة المحاكم الإسلامية، وأصبح رئيسها، قبل أن تطردهم القوات الإثيوبية من جنوب الصومال بعد فشل المحادثات بين الحكومة الانتقالية والمحاكم الإسلامية في الخرطوم عام 2006. واضطر الرئيس الصومالي الراحل عبد الله يوسف وقتها، إلى الاستعانة بالجيش الإثيوبي لهزيمة المحاكم الإسلامية.
فرّ معظم قادة المحاكم ومن بينهم شريف أحمد إلى إريتريا، التي استضافت تيارات دينية مختلفة عام 2007. وبعد محادثات بين أجنحة التيارات الدينية واستقالة عبدالله يوسف من الرئاسة الصومالية، انتخب شريف أحمد رئيساً جديداً للصومال في انتخابات رعتها جيبوتي عام 2009.
بعد انتهاء فترته، ترشح شريف أحمد لانتخابات عام 2012، لكنه خسر المعركة في الجولة الثانية، ويعد الآن من أبرز المرشحين للانتخابات الحالية.
حسن علي خيري
من مواليد مدينة عيل بور بإقليم جلدود وسط الصومال في 15 إبريل/نيسان 1968، وهو يحمل أيضاً الجنسية النرويجية. عمل لسنوات كمدير لمكتب الصومال في "المجلس النرويجي للاجئين"، وكلفه فرماجو في فبراير/شباط 2017 برئاسة الحكومة الفيدرالية، وهو يعدّ أول رئيس حكومة صومالية ينجح في البقاء في هذا المنصب لمدة أربع سنوات.
فقد كانت دائماً الخلافات تفسد العلاقات بين رئيس الحكومة ورئيس البلاد، ما كان يتسبب بطرد رئيس الوزراء دوماً بحجب الثقة عنه من البرلمان. لكن التناغم والتوافق استمرا بين فرماجو وخيري، وتفاخرا بذلك مراراً عبر الإعلام المحلي، قبل أن تفسد الخلافات حول ترشحهما للانتخابات الرئاسية علاقتهما، ليُطرد خيري من رئاسة الحكومة في يونيو/حزيران 2020 من قبل البرلمان.
واليوم ترجح مصادر متعددة أن ينجح خيري بالذهاب إلى الجولة الثانية مع ثلاثة مرشحين آخرين.