لم ينتظر "التيار الصدري" وقتاً طويلاً، بعد إعلان تحالف "الإطار التنسيقي" الإثنين الماضي، اسم مرشحه لرئاسة الحكومة، وهو الوزير السابق محمد شياع السوداني، حتى استخدم ورقة الشارع، للتعبير عن رفضه لهذا الترشيح، في حراك أول، نظم أول من أمس الثلاثاء من قبل أنصار التيار، قبل أن يصعّد مجدداً أمس الأربعاء، بعد اقتحام أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء بما في ذلك مقر البرلمان وسط تسجيل مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية في بغداد وتحذير التيار من أي مساس بالمتظاهرين.
وبالتزامن مع تصعيد "التيار الصدري" في الشارع، كان قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، يزور العراق، وسط تأكيد مصادر سياسية عراقية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن المسؤول الإيراني عقد اجتماعاً مع قادة الإطار التنسيقي، وبحضور عدد من قادة الفصائل المسلحة، وتم بحث إكمال عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، مشدداً بحسب المصادر على ضرورة عدم حصول أي احتكاك بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري. كما أكد على ضرورة مضي الإطار التنسيقي بعملية تشكيل الحكومة العراقية. كما التقى قاآني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.
أنصار "التيار الصدري" يقتحمون المنطقة الخضراء
واقتحم أنصار التيار الصدري، أمس، المنطقة الخضراء وسط بغداد بعدما عبروا جسر الجمهورية المؤدي للمنطقة الخضراء، مرددين هتافات مناهضة لتشكيل الحكومة الجديدة. ودخل المحتجون إلى مقر البرلمان، كما اقتربوا من مقر إقامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، رافعين شعارات متوعدة بعدم تمرير الحكومة، وذلك في حراك بدأوه عصراً، وحاولت القوات الأمنية صدّه من دون أن تتمكن من ذلك. وتم رصد شخصيات معروفة في التيار الصدري داخل التجمع.
اقتحم أنصار التيار الصدري، المنطقة الخضراء، ودخلوا إلى مقر البرلمان
وجاء التحرك بعد ساعات قليلة من صدور مواقف لقيادات التيار الصدري توحي بتحرك جديد لهم ضد مساعي تشكيل الحكومة من قبل قوى "الإطار التنسيقي"، كان أبرزها حديث مدير مكتب الصدر في بغداد إبراهيم الموسوي، الذي قال إن "الحكم للشعب وليس للإطار"، في إشارة واضحة إلى تحريك ورقة الشارع لرفض تمرير محمد السوداني لتشكيل الحكومة المقبلة، بينما نشر صالح محمد العراقي، "الوزير" الافتراضي للصدر على مواقع التواصل، صورة تعبيرية عن عملية تدوير.
وكانت ليلة أول من أمس قد شهدت أول تحرك على مستوى الشارع لـ"التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، بعد استقالة نوابه من البرلمان في يونيو/حزيران الماضي. وتظاهر المئات من أنصار التيار وأعضائه أمام مكتب السوداني في بغداد. كما سجّلت محافظتا البصرة وميسان وقفات لأنصار الصدر.
وهذه المرة الأولى في العراق ما بعد الغزو الأميركي في عام 2003، التي تجري فيها عملية تشكيل الحكومة الجديدة من دون مشاركة "التيار الصدري". وأعلن التيار قبل فترة انسحابه من البرلمان العراقي ومجمل العملية السياسية.
وفي موازاة ذلك، يسود ترقب لموقف الكتل الأخرى من ترشيح السوداني، خصوصاً تحالف "السيادة" بزعامة خميس خنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني. وتنظر قوى "الإطار التنسيقي" إلى تحرك الصدريين بأنه قد يتسبب بمزيد من التأزيم للموقف السياسي في حال رفض "السيادة" و"الكردستاني" ترشيح السوداني.
تظاهرات "التيار الصدري" ستتواصل
وأمس الأربعاء، قال قيادي بارز في "التيار الصدري" من مدينة النجف، جنوبي العراق، لـ"العربي الجديد"، إن "أي توجيهات بخروج تظاهرات مركزية لم تتخذ حتى الآن، مبيناً أن "الصدر لن يمنع خروج أي تظاهرات أخرى ضد السوداني أو غيره، ما دامت سلمية ولا تؤثر على الحياة العامة"، من دون أن يستبعد إمكانية توسع تلك التظاهرات لتكون "مركزية"، ضد ما وصفه بـ"محاولات اختطاف الدولة مجدداً".
واعتبر القيادي أن "نزول أنصار التيار الصدري إلى الشارع يعني أن الإطار التنسيقي ومن معه لن يستطيعوا تمرير السوداني، كما أن هذه التظاهرات سوف يشارك فيها الكثير من العراقيين من غير الصدريين الرافضين للمحاصصة والفساد، خصوصاً تنسيقيات تشرين والناشطين".
وتحدث القيادي في "التيار" عن مساع تبذلها شخصيات في تحالف "الإطار التنسيقي" للقاء الصدر ومحاولة إقناعه بمرشح "الإطار" للحكومة، ولفت إلى أنه "من المؤاخذات على مرشح الإطار أنه ضعيف وستتم إدارة البلاد من خلف الكواليس عبر قادة أحزاب الإطار التنسيقي".
قيادي في التيار الصدري: التظاهرات سيشارك فيها غير الصدريين، خصوصاً تنسيقيات تشرين
فتاح الشيخ، وهو سياسي ومقرب من "التيار الصدري"، رأى من جهته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أي حديث عن تشكيل حكومة جديدة بعيداً عن توجه الصدريين يعتبر غير واقعي، وإعلان الإطار التنسيقي لمرشحه لا يعني أنه حسم أمر تشكيل الحكومة الجديدة". وحذّر الشيخ من أن "الأيام المقبلة قد تشهد تظاهرات وربما تتحول إلى اعتصامات أمام المنطقة الخضراء في بغداد ومدن عراقية مختلفة، لتشل مجمل العملية السياسية، وليس تشكيل الحكومة فقط"، ورأى أن "ضغط الشارع الصدري سيدفع الإطار التنسيقي لتغيير مرشحه، وربما يدفع المرشح نفسه (السوداني) لتقديم اعتذاره عن التكليف، كما حصل سابقاً مع محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي".
محمد شياع السوداني... مهمة مستحيلة
الخبير في الشأن السياسي علي البيدر، قال لـ"العربي الجديد"، إن "النزول المبكر لأنصار التيار الصدري لرفض ترشيح محمد شياع السوداني من قبل الإطار التنسيقي، يعني أن مرحلة التصعيد الشعبي بدأت مبكراً لمنع السوداني من إكمال مهام تشكيل الحكومة الجديدة".
واعتبر البيدر أن "الصدريين لا يخرجون بأي فعالية من دون توجيه"، مبيناً أن "هناك تحشيداً واضحاً لجمهور التيار الصدري عبر مواقع التواصل للتظاهر ضد تكليف السوداني، وقد تمنع الأخير من إكمال مهامه قبل البدء بها بشكل رسمي، خصوصاً أن قوى الإطار التنسيقي تدرك جيداً أن أي فيتو صدري على أي مرشح يعني أن هذا المرشح لن يمر ولن يمضي مع وجود ضغط الشارع الصدري".
وأعرب الخبير السياسي عن اعتقاده بأن "زعيم التيار الصدري لن يتدخل بشكل علني في تحريك الشارع هذه المرة، بل سيترك الأمر لقيادات وجمهور التيار، لكنه هو الذي سيقود الحراك الشعبي دون تدخل معلن ومباشر حتى لا تحسب عليه أي مواقف من أي رد فعل شعبي غاضب من قبل أنصاره، والذي ربما يصل به الأمر إلى دخول المنطقة الخضراء".
وسبق للصدر، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2019، التحفظ على ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة عقب استقالة عادل عبد المهدي، ووافق على اختيار مصطفى الكاظمي، وهو ما يجعل من المشهد السياسي في البلاد غير مكتمل من ناحية مخاوف تصعيد الصدريين ضد السوداني، باعتباره آتياً من مدرسة حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، فيما يرى متابعون أن موافقة القوى السياسية العربية السنية والكردية على الاسم تبقى أساسية.
في المقابل، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" فاضل موات، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "ورقة تحريك الشارع العراقي بالضد من مرشح لم يعد نافعاً، خصوصاً أن الكل يدرك أن تحريك هذا الشارع هو وفق أجندات حزبية وسياسية لبعض الأطراف".
وبيّن موات أن "تحريك الشارع من أي جهة كانت داخلية أو خارجية لن يؤثر على عملية تشكيل الحكومة الجديدة أو على مهام مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء، خصوصاً أن التوجه العام للقوى السياسية والشارع العراقي هو الإسراع في عملية تشكيل الحكومة لتجاوز الأزمات التي تمر بها البلاد على مستوى الخدمات والاقتصاد والأمن".
وأضاف موات أن "ورقة تحريك الشارع أصبحت محروقة، ولا يمكن لأي طرف سياسي فرض رأيه على جميع القوى السياسية وعلى جميع القواعد الشعبية، خصوصاً أن أي تظاهرة تمثل شريحة معينة من الشعب ولا تمثل جميع أو غالبية الشعب، كما أن الإطار التنسيقي هو صاحب القاعدة الشعبية الأكبر وفق الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية الماضية".
ومنذ أكثر من 9 أشهر تتواصل واحدة من أعقد الأزمات السياسية في العراق، عقب إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتي أفرزت نتائج غير تقليدية لتوزيع القوى السياسية داخل البرلمان.
وحلّ "التيار الصدري" أولاً في نتائج الانتخابات، وهو ما اعترضت عليه معظم القوى المدعومة من إيران، والتي اعتصم أنصارها أمام المنطقة الخضراء في بغداد، وعطلّ نوابها استحقاقات أساسية في البرلمان، ليعلن الصدر الطلب من نوابه الاستقالة، في محاولة لإنهاء حالة الانسداد السياسي.