تجربة الصين الناجحة لصاروخ عابر بتكنولوجيا سبّاقة وميزات متفوّقة، هزّت المؤسسة الأمنية الأميركية الاستراتيجية إلى حدّ أن أحد محلليها قال إنّ هذا التطور "ربما يكون قد أدّى إلى تغيير اللعبة النووية" وحتى إشعار آخر.
ولعل هذا ما يفسر ارتباك وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في ردّها على الموضوع، عقب الاعتراف بحصول التجربة بعدما صار من المتعذر تجاهلها.
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي قال: "لست أدري ما إذا كانت هي نفسها لحظة سبوتنيك لكنني أعتقد بأنها قريبة منها". التشبيه بالقمر الصناعي السوفييتي الأول والسبّاق عام 1957 والذي باغت وزاد مخاوف واشنطن آنذاك، يعني أنّ "الهايبر سونيك" الصيني قد حمل معه شيئاً من هذا القبيل إلى العاصمة الأميركية.
في المقابل، سارع الناطق الرسمي باسم البنتاغون جون كيربي، عندما سئل عن التجربة، إلى التقليل من شأنها بقوله: "ليس من المفيد لنا أن نصنفها بهذا الشكل"، مؤكداً أنّ أميركا "تسعى لامتلاك هذه القدرة الصاروخية وستعمل حتماً على تحقيق ذلك".
والمعروف أنّ البنتاغون يقرّ بأبحاث حول عدة أنواع من هذا الصاروخ منذ عام 2000. وقد أجرى 4 تجارب أخيراً انتهت واحدة منها بالفشل. كما يذكر أنّ الولايات المتحدة تخصص 4 مليارات دولار لهذا الغرض في موازنة 2022. وكذلك فعلت روسيا في هذا المجال وربما غيرها على الطريق.
لكن الصين سبقت وبذلك سجلت ضربتين في آن: سلاح استراتيجي متفوق، ومفاجأة الاستخبارات الأميركية بالقدرة والتوقيت. فهذا الصاروخ المزود برأس نووي بإمكانه لفّ الكرة الأرضية قبل التوجه نحو هدفه، من دون أن يعطي إلا وقتاً ضئيلاً للإنذار.
أما ميزة الصاروخ الأخطر فتتعلّق بإمكانيته على تغيير خط سيره من دون تخفيف سرعته، وبما يجعل من الصعب كشفه وتوقع مساره أو اعتراضه. وبهذا "صار هناك ما يحمل على الاعتقاد بأنّ الصين تفوقت على أميركا في هذا السلاح"، بحسب كلون كيتشن الباحث المتخصص في هذا الحقل بمعهد الأبحاث الأميركي للسياسات العامة بواشنطن، كما يرى أنّ هذا "التهديد الهائل هو تذكير قوي بأنّ التفوق العسكري الأميركي ليس أمراً حتمياً".
ولم تكن المباغتة في السرعة أقل وقعاً على الجهات الأميركية المعنية. فهي تدرك أنّ الصين تعمل على الحصول على هذا السلاح، لكن "لم نكن على بيّنة من مدى التقدم الذي حققته"، وفق كيتشن. والسبب يعود إلى قصور استخباراتي كما جرى في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفي السقوط السريع للعاصمة الأفغانية كابول.
وتعزو دراسة صدرت قبل 13 سنة هذا القصور إلى "عدم مجاراة التغيّر السريع الذي حصل في البيئة الأمنية الدولية". وكذلك كان هناك على ما يبدو قصور في حقل "الذكاء الاصطناعي"، حيث ذُكر أنّ رئيس قسم البرمجيات في القوات الجوية الأميركية نيكولاس تشايلان قد "استقال"، الشهر الماضي، من منصبه، بعد تجربة الصاروخ الصيني.
كان الصاروخ الصيني "صرخة يقظة" بتعبير النائب الديمقراطي روبن غاليغو، إذ أقرّ، خلال ندوة له بحكم عضويته في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، بأنّ أميركا "متأخرة في استثماراتها البحثية في هذا السلاح ولم تكن لديها القدرات الاستخباراتية اللازمة لإشعارها قبل الوقت بمثل هذا التطور".
وفي هذا الخصوص، ثمة علامة استفهام حول ما إذا كانت الشركات الأميركية قد ساعدت الصين في الحصول على التكنولوجيا اللازمة لماكينتها العسكرية، فالصين "تمارس سيطرة كاملة شاملة على كافة المعلومات والأبحاث التي تملكها الشركات الغربية داخل حدودها"، حسب كيتشن.
لكن هذا صار من الماضي. الآن "علينا مواجهة هذه التكنولوجيا بمثلها. مواجهتها بشبكات دفاع عملية مكلفة" يقول كاليغو الذي يعتبر أنّ الصين "لاعب عقلاني"، بحيث لا تأخذه نشوة التفوق في هذا السلاح ولو أنّ حالة التوتر والمنافسة مع أميركا قد تتطور إلى نزاعات من الدرجة التي تبقى تحت السيطرة.
في أميركا، هذه الأيام، نظرتان للصين: واحدة ترى أنها دولة صاعدة تسعى للحلول مكان الولايات المتحدة، والرئيس جو بايدن من هذا الفريق. وأخرى ترى أنّ الصين بلد بلغ ذروته وبدأ رحلة الهبوط المحتوم. وبين النظرتين هناك من يقول إنّ بلاد التنين كيفما كانت الحال، "باقية لفترة ما بين 5 إلى 20 سنة قوة عسكرية متعاظمة".