يفتح القصف الروسي جنوبي محافظة إدلب، شمال غربي سورية، أمس الجمعة، الباب حول إمكانية تحرك عسكري جديد، على ضوء التقارب التركي مع النظام السوري، لا سيما أن دمشق لا تزال تشدد على أن إبداء أي تقدم في هذا الملف، مرهون بالخطوات التي تقدمها تركيا، بتحقيق انسحاب كامل من الأراضي السورية، وهذا ما ترفضه أنقرة.
غارات روسية على جبل الزاوية
ونفذت طائرة حربية روسية أمس الجمعة، غارات جوية مستخدمة صواريخ شديدة الانفجار على منطقة جبل الزاوية بريف محافظة إدلب الجنوبي، جنوب الطريق الدولي اللاذقية - حلب المعروف بطريق "أم 4"، شمال غربي البلاد.
وقالت مصادر عاملة في وحدات الرصد والمتابعة التابعة للمعارضة السورية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن طائرة حربية روسية من طراز "سوخوي - 34" نفذت أربع غارات جوية مستخدمة صواريخ شديدة الانفجار صباح أمس الجمعة، استهدفت من خلالها قرية فليفل، التي تعد جبهة تماس مع قوات النظام في منطقة جبل الزاوية، والواقعة ضمن ما يُعرف بـ"منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها).
وأكدت المصادر أن قوات النظام استهدفت بقذائف المدفعية، قرية القاطورة بريف حلب الغربي، وقرى دير سنبل، وبينين، والرويحة، ومحيط البارة، ومحيط كنصفرة، وكفرعويد، وسفوهن، والفطيرة، وفليفل، في منطقة جبل الزاوية، جنوبي محافظة إدلب، بالتزامن مع ذلك تحليق طائرة استطلاع روسية في أجواء المنطقة.
القوات التركية أجرت أخيراً إعادة انتشار لبعض نقاطها
يأتي ذلك في ظل معلومات عن تحرك للقوات التركية جنوبي الطريق الدولي "أم 4"، في الأيام القليلة الماضية، ما قد يشير لإمكانية انسحابها من هناك، لا سيما أن الاجتماعات التقنية بين النظام وتركيا بإشراف روسي وحضور إيراني، أشارت إلى ضرورة تنفيذ التفاهمات حيال الطريق وفتحه أمام الحركة التجارية، وهذا مطلب يتمسك به الروس والنظام للذهاب أبعد في عملية تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
ومساء أول من أمس الخميس وصباح أمس الجمعة، حلّقت الطائرة الروسية "أنتونوف أن 30" في أجواء ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى أجواء ريف حلب الشمالي، وتلك الطائرة العسكرية التقنية تقوم عادة بجمع بنك من الأهداف والقيام بمسح طبوغرافي لتحديد أهداف للقصف المدفعي أو الجوي.
غير أن معلومات "العربي الجديد" أشارت إلى أن تحرك القوات التركية جنوبي محافظة إدلب، يعد تحركاً اعتيادياً بالإشارة إلى "إعادة التموضع التكتيكي" الذي تجريه القوات التركية بشكل مستمر.
وأكد مرصد تابع للمعارضة في جبل الزاوية، أن القوات التركية أجرت في الأيام الماضية إعادة انتشار لبعض نقاطها، منوهاً إلى أن بعض النقاط تم نقلها إلى مواقع متقدمة باتجاه خطوط التماس أكثر من ذي قبل، ما ينفي فرضية الانسحاب التركي.
وأكد المرصد ذاته أن رتلاً جديداً للقوات التركية، يضم 25 آلية منوعة، أخذ طريقه باتجاه مواقع متقدمة من جبل الزاوية قادماً من الحدود السورية ـ التركية، مشيراً إلى أن ذلك يشي بالتعزيز وليس الانسحاب، بحسب المرصد.
واستبعد القيادي في المعارضة السورية العسكري، العقيد مصطفى بكور، "انسحاب الأتراك من منطقة جنوب أم 4، أياً كانت نتيجة مسار التقارب مع الأسد". ونوه في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "حتى ولو تم فتح هذا الطريق في إطار أي اتفاق فسيكون الأتراك ضامنين لسهولة التحرك على هذا الطريق إذا تم فتحه، كما أنهم ينظرون لتواجدهم في سورية من نافذة الأمن القومي التركي، وتحركاتهم بين الوقت والآخر في المنطقة يندرج في إطار إعادة الانتشار أو تعزيز النقاط أو إنشاء نقاط جديدة بدلا من نقاط أخرى".
واتفق الصحافي التركي، هشام غوناي، مع بكور على استبعاد انسحاب تركي من جنوب طريق "أم 4"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن التوقيت في تركيا لا يحتمل أي تغيرات خارجية أو داخلية لكون انتخابات الإعادة للرئاسة التركية على الأبواب.
وأوضح أن "أي انسحاب تركي مفاجئ من جنوب إدلب، سيعني هجوماً عسكرياً واسع النطاق للنظام والروس، وهذا قد يتسبب بموجات نزوح ولجوء جديدة إلى داخل تركيا، علماً أن الحكومة التركية الآن تحت ضغط ملف اللاجئين سواء في الانتخابات أو الاستحقاقات الأخرى".
وحول شرط النظام بالانسحاب التركي، سواء من جنوب إدلب، أو أي مواقع أخرى، رأى غوناي أن "النظام هو في موقف ضعف وليس تركيا"، منوهاً إلى أن "الوجود التركي في إدلب هو نقطة قوة تستخدمها أنقرة في المفاوضات، فالنظام يحتاج في أي عملية تفاوض إلى فك الحصار عنه والاعتراف بشرعيته إقليمياً وعربياً ودولياً، وبحاجة تأييد تركيا بخطوة الجامعة العربية بإعادة النظام إليها، لكن بالمجمل، إن كان هناك انسحاب فسيكون بشروط معقدة ومراحل يتم ترتيبها بين أنقرة وموسكو بشكل رئيسي، فتركيا تدرك أن أي خطوة من هذا القبيل ستجعل النظام يرتكب مذابح وانتهاكات تدفع الناس لاجتياز حدودها مجدداً".
هشام غوناي: أي انسحاب تركي مفاجئ سيعني هجوماً للنظام والروس
وكان النظام قد حدد موقفه حول "خريطة الطريق" لإعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، من خلال الرد على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، عبر صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، بأن على تركيا تقديم خطوات جديدة وملموسة، لا سيما مسألة الانسحاب من الأراضي السورية.
لجنة لإعداد خريطة الطريق
وكان جاووش أغلو قد أشار قبل أيام إلى أنه "في ختام الاجتماع في موسكو، قررنا إنشاء لجنة لإعداد خريطة الطريق هذه، وستضم من جانبنا نائب وزير الخارجية بوراك أكشابار وكذلك ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الاستخبارات". وأضاف: "ستكون اللجنة رباعية الأطراف وفي الأيام المقبلة ستعقد اجتماعها وتبدأ العمل لوضع خريطة طريق".
من جهتها، نقلت "الوطن" عن مصدر من النظام لم تسمه، أنه "من المبكر الحديث عن إعداد لجنة سورية لمتابعة إعداد خريطة طريق لتطوير العلاقة مع تركيا وفقاً لمخرجات الاجتماع الوزاري الرباعي الأخير بصيغته الوزارية".
ولفت المصدر إلى أن "دمشق تتابع تصريحات مسؤولي أنقرة"، مشيراً إلى أن "الحديث عن انعقاد اللجنة الرباعية في الأيام المقبلة وبدء العمل على خريطة الطريق مرتبط بخطوات جدية وملموسة من الجانب التركي".
وشدد المصدر على أن "دمشق لن تتنازل عن مبادئها وثوابتها والتي تربط أي خطوة تطبيعية مع أنقرة بإنهاء احتلالها للأراضي السورية، ووقف دعم الإرهاب وعدم التدخل بشؤونها الداخلية".