الشعب الفلسطيني الجديد يواجه جريمتي الأبارتهايد والاستبداد

27 فبراير 2022
فشل النظام السياسي الفلسطيني في إحداث تغيير في سياسات الدول الأوروبية (الأناضول)
+ الخط -

على مدار أربعين عاماً، ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يتلقى الدعم من ذات الحكومات الغربية التي تُساند الفصل العنصري في إسرائيل. ورغم محاولات الرأي العام الدولي لإسقاط ذلك النظام، لكن الأمر لم يكن بالسهل واليسير، إذ ظلت المعارضة الشعبية تناضل من أجل إحداث خلل في النظام العالمي كي يستجيب لتفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وأجبر التيار المناهض لذلك مارغريت تاتشر نفسها التي وصفت المؤتمر الوطني الأفريقي بأنه منظمة إرهابية، على التعجيل بنهاية الفصل العنصري.

لا شك في أن المقارنة بين فلسطين وجنوب أفريقيا مختلفة في كثير من الاعتبارات، حيث إن أدوات الفصل العنصري التي تنتهجها دولة الاحتلال الصهيوني تختلف عن نظريتها في حكومة البيض في جنوب أفريقيا. كذلك فإن فلسطين بشعبها ومقاومتها تمر بأزمات فلسطينية بسبب قياداتها والتغييرات الجذرية التي أصابت حركة التحرر الوطني منذ اتفاقيات التسوية، بعكس المؤتمر الوطني الأفريقي.

يواجه الشعب الفلسطيني تحديات خطيرة، ليس من السياسات العنصرية الإسرائيلية ومواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني في الكل الفلسطيني، بل من النظام السياسي الفلسطيني الذي يمر بأزمة شديدة بسبب هيمنة الشخصانية والعقلية الأمنية. وكل الهيئات الفلسطينية، سواء في سلطة "أوسلو"، أو عبر منظمة التحرير الفلسطينية – حتى وإن أصلحت – والمجتمع المدني الفلسطيني ليس مهيّأً لمواجهة التهديدات التي يفرضها الاستعمار الإسرائيلي والضم المتواصل بدعمٍ مفتوح واعتراف موعود من الإدارات الأميركية ولا من الدول الأوروبية نفسها، وخاصة ألمانيا وبريطانيا، ولا التهديدات النابعة من القانون الأساسي للدولة اليهودية الذي يضع الفلسطينيين في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة في وضع قانوني متداعٍ. وفي الوقت نفسه، تتسارعُ نجاحات الحكومة الإسرائيلية في تحييد الدول العربية والأوروبية والآسيوية والأفريقية والأميركية اللاتينية المهمة، ما يؤدي إلى تقويض التوافق الدولي على قرارٍ عادل يضمن الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف.

يُعَدّ تقرير منظمة العفو الدولية الذي أظهر أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها: في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ضد اللاجئين الفلسطينيين، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين، نقطة مركزية وفاصلة للتيار المناهض لنظام الفصل العنصري في العالم، وكل الداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني.

يبين تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر منذ بداية شباط 2022، كيف أن "إسرائيل" تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني، أينما ملكت السيطرة على حقوقه، وهذا يشمل الفلسطينيين المقيمين في "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن اللاجئين في بلدان أخرى.

الجيل الفلسطيني الجديد في معركته النضالية ضد الاحتلال وفساد النظام الفلسطيني لا يزال يفتقر إلى قائد

ويوثق - أيضاً - كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي، ويتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلاً عنصرياً وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري).

نظام فاشل وتقرير يهدر حبره

فشل النظام السياسي الفلسطيني عبر سلطة "أوسلو" وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بسبب هشاشة النهج الدبلوماسي في إحداث تغيير في سياسات الدول الأوروبية ودعمها لدولة الاحتلال أو ضغطها لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، أو تحييد السياسات الأميركية تجاه الدعم غير المشروط لإسرائيل، ما يدلُّ على فشلها في رؤية التحرير الوطني كنضالٍ شعبي. وتتزامن هذه النكسات الجسيمة مع تفشي جائحة كوفيد 19 وتهديداتها المادية للفلسطينيين المستضعفين أصلًا في غزة والقدس الشرقية ولبنان وسورية.

وبعد تولي رئيس السلطة الفلسطينية منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتشكيل المجلس المركزي وإعطائه صلاحيات أعلى من المجلس الوطني، وبالقرار الأخير القاضي بجعل منظمة التحرير الفلسطينية إحدى هيئات ومؤسسات سلطة "أوسلو"، الأمر الذي يعني القضاء على الشخصية القانونية والدولية التي تمثلها منظمة التحرير المتمثلة بتوقيع المعاهدات والاتفاقات الثنائية، بما فيها أي اتفاق سلام شامل مع إسرائيل، واختزال النضال في صراعٍ على ما بقي من أرض الوطن الفلسطيني داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما ينفصل الشتات - ومصالحه ومطالباته - انفصالاً تاماً عن حركة التحرر الوطني.

مقاومة فلسطينية جديدة بلغة عالمية

خلال السنوات الأخيرة تزايد الاعتراف الدولي بارتكاب إسرائيل لجرائم الفصل العنصري، حيث صدر في 21 فبراير/ شباط 2021 عن الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مؤكّداً ولاية هذه الأخيرة على فلسطين وامتداد اختصاصها إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وبالتالي إن المدعي العام مخوّل بالتحقيق في الجرائم الدولية المرتكبة في هذه المناطق التي تقع ضمن اختصاص المحكمة، وعليه يعتبر تقرير منظمة العفو الدولية بمثابة تحقيق مفصل وبأدلة وقرائن دامغة بجرائم الحرب كافة والجرائم ضد الإنسانية، كجريمة الفصل العنصري/الأبارتهايد التي ترتكب حتى الآن.

ودعت المنظمة، خلال التقرير، المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كذلك تناشد جميع الدول ممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة. وأشارت العفو الدولية إلى أن النتائج التي توصلت إليها في التقرير تستند إلى كمٍّ متنامٍ من العمل الذي قامت به المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية التي طبّقت على نحو متزايد إطار الفصل العنصري على الوضع في "إسرائيل" أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ورغم فشل النظام السياسي الفلسطيني الغارق في منظومة فساد وتفكيك كل أشكال المقاومة الفلسطينية الشعبية خدمة لمصالحه مع الاحتلال الاسرائيلي، نشأت شبكات نضالية شبابية في الضفة الغربية، والقدس، وبين الفلسطينيين في الداخل والخارج في مواجهة سياسات الفصل العنصري التي تمارسها سلطات الاحتلال، تستخدم آليات ووسائل شعبية لذلك، وهي التي نجحت منذ أحداث الشيخ جراح في أيار/ مايو 2021 الماضي في توصيل صوتها إلى العالم وحازت دعماً وتضامناً دولياً تجاوز الشبكات والجمعيات الدولية الداعمة للشعب الفلسطيني.

هذا الجيل الفلسطيني الجديد في معركته النضالية ضد الاحتلال وفساد النظام الفلسطيني لا يزال يفتقر إلى قائد، لكنه ينضج ويتحول إلى شبكةٍ قوية من المقاومة الفلسطينية، حيث نجحوا باستخدامهم لمنصات الشبكات الاجتماعية في التغلب على أعتى محاولات فيسبوك لفرض الرقابة على صورهم وكلماتهم.

ذلك النضال بجانب تقرير منظمة العفو الدولية سيضاعف من جهود دولة الاحتلال للهيمنة على الرواية العالمية السائدة عبر الإنترنت بكل وسيلة لتفادي خسارتها الرأي العام العالمي بسبب أفعالها اليومية، خاصةً في أوساط اليهود حول العالم. رغم محاولات دولة الاحتلال إشهار سلاح قانون "معاداة السامية " في الدول الغربية في وجه كل من يتبنى الرواية الفلسطينية ضد سياسات الفصل العنصري الذي تمارسه حكومة إسرائيل أو التضامن مع الشعب الفلسطيني بالقول أو الفعل، ومع اتساع رقعة حركة المقاطعة (BDS)، بجانب تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال والدول العربية، إلا أن تقرير منظمة العفو الدولية يشعرهم بالخوف، إذ لا يقف التاريخ في صف الدول التي تقوم على الفصل العنصري وسياساتها التي بمرور الوقت تجعلها دولة منبوذة كما حدث في دولة جنوب أفريقيا البيضاء العنصرية.

المساهمون