في منتصف عام 2017، كادت مكبرات الصوت في مساجد قرية عوريف جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية تنعى الشاب خالد مصطفى صبّاح، حيث تواردت حينها الأنباء عن استشهاده جراء الإصابة الخطيرة التي تعرض لها برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، لكنه نجا بأعجوبة وبقي لثلاث سنوات يتلقى العلاجات والأدوية.
مساجد قرية عوريف، وبعد ست سنوات، عادت أمس الثلاثاء لتنعى خالد شهيدًا هذه المرة، بعد أن اغتالته قوات خاصة إسرائيلية في محيط مدينة طوباس شمال شرق الضفة الغربية، وهو داخل مركبة عمومية كانت متوجهة إلى جنين.
ولاحقت تلك القوات صبّاح (24 عاماً) بعد أن تمكن من الفرار بسيارة تعود لأحد المستوطنين عقب تنفيذه برفقة الشهيد مهند فالح شحادة (26 عاماً) عملية إطلاق نار مزدوجة داخل محطة محروقات قرب مستوطنة "عيليه" الواقعة على الطريق الرابط بين مدينتي نابلس ورام الله.
وأسفرت العملية عن مقتل 4 مستوطنين وإصابة أربعة آخرين، بعضهم بجراح خطيرة للغاية، قبل أن يتمكن مستوطن من إطلاق النار على شحادة وقتله في المكان.
وطاردت قوة خاصة مشتركة تتبع وحدتي "الشاباك" و"اليمام" الشهيد صبّاح الذي انسحب من مكان العملية، حيث عثر على السيارة التي فرّ بها من مكان الحادث وكان بداخلها سلاح استخدمه في الهجوم.
واعترضت القوة الخاصة المركبة الثانية التي استقلها صبّاح في طوباس وأمطرته بزخات كبيرة من الرصاص بشكل مباشر وتركته ينزف في المكان ومن ثم نكّلت به، قبل انسحابها، حتى استشهد.
يقول والده مصطفى صبّاح، لـ"العربي الجديد"، إنهم علموا باستشهاد خالد من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي نشرت صورته بعد اغتياله، مضيفًا: "سبق ذلك نشر صور الشهيد شحادة بعد أن قتله الاحتلال في مكان العملية، قالوا إنهم يبحثون عن شخص آخر، لكن لم أتوقع أنه ابني".
وأشار صبّاح إلى أن العائلة قررت الإسراع بمواراة نجله الشهيد في الثرى ليلة أمس، وعدم الانتظار تحسباً لقيام الاحتلال الإسرائيلي بخطف الجثمان. وقال: "نقلناه من طوباس إلى مستشفى رفيديا الحكومي في نابلس، ومن هناك إلى عوريف بسيارات مدنية، وكان هناك شبان يراقبون الطريق حتى وصلنا منتصف الليلة الماضية، وصلينا عليه ودفناه".
وعن صفات نجله، يشير والده إلى أنه ملتزم دينياً بشكل كبير، ويواظب على الصلاة في وقتها، ويحفظ معظم القرآن الكريم، لافتاً إلى أنه يعمل في محل تجاري لبيع المواد التموينية في القرية.
وقد ارتبط الشهيد بزوجته قبل نحو عام ونصف العام، ولم يرزقا حتى الآن بأبناء.
والشهيد من عناصر حركة "حماس" في قريته، وقد سبق أن اعتقل عدة أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ومثلها في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتعرض للتعذيب، وفق ذويه.
شبه في كثير من الصفات
أما شريكه في تنفيذ العملية الفدائية، الشهيد شحادة، فيكبره بعامين، لكنهما يشتركان في كثير من الصفات، فهو أيضاً من عناصر "حماس"، وكان منسق الكتلة الإسلامية الذراع الطلابية للحركة في كلية التربية الرياضية في جامعة النجاح الوطنية، حيث تخرج منها عام 2019.
وقال محمد شحادة، أحد أقارب الشهيد، لـ"العربي الجديد": "مهند أدى صلاة الظهر أمس الثلاثاء في مسجد القرية، وقد أمّ المصلين لغياب الإمام، واختفى أثره عقب ذلك". وأشار إلى أن الشهيد من المعروفين بحبه للمقاومة ودعمه لها بشكل علني، وقد لوحق من الاحتلال الإسرائيلي، وقبلها جرى اعتقاله في سجون السلطة الفلسطينية وتعرض لأذى كبير.
أما سعد صفدي، وهو من أهالي قرية عوريف، فلفت إلى أنه بمجرد نشر صورة الشاب منفذ العملية بعد قتله من الاحتلال تمكن الأهالي من معرفته فوراً، وتناقلوا صورته على صفحات القرية، حتى قبل وصول الخبر إلى ذويه.
شريكا الأسر
وترافق الشهيدان في الاعتقال لدى الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً في سجن مجدو قبل حوالي ثلاث سنوات، حيث حكم على الشهيد مهند بالسجن شهرين بتهمة إلقاء الحجارة في أغسطس/ آب - أكتوبر/ تشرين الأول 2020، فيما حكم على الشهيد خالد بالسجن لمدة أربعة أشهر قضاها بين شهري يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني 2020، بتهمة إلقاء عبوات ناسفة.
وقال الأسير المحرر محمد نصر ثابت (اسم مستعار) إنه عايش الشهيدين في الغرفة ذاتها لنحو شهر ونصف الشهر، وكانا على علاقة طيبة جدا بمن معهما، وعرفا بإصرارهما على خدمة الأسرى، وخاصة كبار السن والمرضى.