السويد... "حرية تعبير" بسقف "ولكن"

27 يناير 2023
بالودان حاملاً القرآن أمام السفارة التركية في استوكهولم، 21 يناير (Getty)
+ الخط -

لا جدال حول أن سقف الحريات، وفي مقدمتها "حرية الرأي والتعبير"، في السويد والدنمارك، وبقية دول الشمال الأوروبي، مرتفع للغاية، بحسب تصنيفات أوروبية ودولية. 

مع ذلك، وحين يتسبّب شخص مأزوم، مثل مؤسس حزب "تشديد الاتجاه"، راسموس بالودان، مزدوج الجنسية، السويدية ـ الدنماركية، بإثارة ضجة بتصرفاته التي تستهدف حرق نسخ من القرآن، يهرع ساسة وصحافيون ونخب مثقفة إلى موقف يعارض "الممارسات المشينة والمخجلة"، كما وصفها وزير الخارجية الدنماركي، ورئيس حكومتها السابق، لارس لوكا راسموسن. بالودان جرّب "حظّه" في انتخابات البلدين دون تحقيق نتيجة، ولو حتى 2 في المائة بين نحو 14 مليون ناخب فيهما. 

الأزمة الأخيرة التي أشعلها بالودان أمام سفارة أنقرة في العاصمة السويدية استوكهولم، هي أيضاً أكبر من مجرد "حرية تعبير عن الرأي". فالرجل (محام، ومحكوم سابق بالعنصرية) يعشق الإثارة (الشو) الإعلامية، بطريقة تثير بالفعل اشمئزازاً اسكندنافياً، وتُرجم ذلك أخيراً بالعديد من المواقف الداعية إلى عدم منح أمثاله في اليمين القومي المتطرف فرصة "تعزيز النرجسية".

بنفسه، قال بالودان حرفياً لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية: "هذا ما أريده (الضجيج الإعلامي)، لإظهار استحالة التعايش بين المسلمين ومجتمعاتنا". إذ برّر حرق نسخة من القرآن كـ"احتجاج" على موقف تركيا المعارض لتعليق دمية مشنوقة لرئيسها، رجب طيب أردوغان، باعتباره "حرية تعبير". وهو ما يصب في مصلحة الأخير الانتخابية.

لعل الساسة في أقصى الشمال الأوروبي يدركون مع الوقت أن ازدواجية معايير حرية التعبير تؤسس لأحد أهم محركات الانقسام في مجتمعاتهم. فالإنسان البسيط، محلياً ومن الخارج، يصعب عليه فهم تخصيص الاستخبارات حراسة مشددة لفعاليات بالودان، "الاستفزازية" بالتوصيف السياسي والإعلامي المحلي.

فمقابل "قداسة" حرية الرأي والتعبير إذا تعلق الأمر بالأصول المهاجرة، تُرتكب حماقات كثيرة، في سياق أوروبي غربي، حين يحتج مواطنون على دولة الاحتلال الإسرائيلي. ليس فقط تحت طائلة تهمة "معاداة السامية"، بل الويل لمن يقترب من سفارات الاحتلال ويحرق علمه. فالتدفقات الأمنية، المدججة بالسلاح، تقيم دائرة على بعد مئات الأمتار منها، مطاردة من يرفع راية "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، على سبيل المثال، وتعتقل بشكل عنيف من يحاول حرق علم الاحتلال.

في نهاية المطاف، بالودان لا يتصرف من منطلق نقد تصرفات بعض المسلمين، بل يُظهر تطرفاً يستهدف ديانة بأكملها، وأتباعها ممن يفترض أنهم تحت ذات سقف المواطنة والحريات، الأوسع من مجرد شراء نسخة من القرآن وحرقها. وفي ذلك يكمن خطره. 

المساهمون