بعد أحد عشر عاماً على انطلاق الثورة السورية، كرست محافظة السويداء في جنوب البلاد، والتي يصفها بعض الناشطين من أبنائها بـ"الثائرة بصمت"، خصوصية في ما يتعلق بتعاطيها مع مسار الثورة وآليات عملها وحتى مطالبها.
وتشهد المحافظة هذه الأيام توتراً أمنياً يهدد بحدوث انفجار في العلاقة المتوجسة بينها وبين النظام، الذي دخلت في مواجهة معه في أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، في حين كانت تعيش نزاعات أخرى مع الفصائل المتشددة وحتى تلك المنضوية ضمن صفوف المعارضة.
وتعرضت محافظة السويداء لتهم عدة، إذ اعتبرها البعض أنها وقفت إلى جانب النظام، في الوقت الذي كان الأخير يتهمها بالميل للإدارة الذاتية والانفصالية وحتى العصيان.
حالة من الترقب والحذر في السويداء
واليوم، تشهد السويداء، الواقعة في الجنوب السوري وذات الغالبية من طائفة الموحدين الدروز، حالة من الترقب الحذر.
فغالبية الدوريات الأمنية التي كانت داخل الساحات العامة للمدينة ومداخلها الرئيسية خلال الأسابيع القليلة الماضية، عقب وصول حملة عسكرية من دمشق مكونة من قرابة ألفي عنصر مدعومين بأسلحة متوسطة، بذريعة اجتثاث عصابات الخطف والسلب بحسب ممثلي النظام في المحافظة، قد انسحبت إلى مقرات الأفرع الأمنية والعسكرية.
ولا يزال من الممكن مشاهدة عدد محدود من العناصر والدوريات في بعض النقاط، تتبع لمليشيا "الدفاع الوطني" سيئة السمعة، غالبيتهم من أبناء المحافظة.
وكانت "الدفاع الوطني" طُردت قبل أيام من مقر قيادتها على طريق السويداء - قنوات، عبر فصيل مسلح محلي من أبناء بلدة قنوات، والذي حذر هذه المليشيا من العودة إلى المقر، على خلفية محاولة "الدفاع الوطني" وحاجز أمني يتبع فرع "أمن الدولة" مصادرة سيارتين غير نظاميتين، ضمن ما يعرف في السويداء باسم "وارد لبنان"، أي أن مصدرهما هو لبنان.
مصادر محلية: السويداء لا تزال ثائرة إلى اليوم، وتدفع مقابل ذلك ثمناً غالياً
السويداء حاضرة منذ الأيام الأولى للثورة ضد النظام
في السياق، قالت مصادر مطلعة من مدينة السويداء طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد"، إن "السويداء، وإن كانت لا تنتظر شهادة وطنية من أحد، فهي كذلك لا تنتظر شهادة اعتماد من دكاكين الثورة كإحدى المحافظات المناهضة للاستبداد، وليس من اليوم، بل منذ تشكل الدولة السورية، ولكن الوقت لا يسمح لسرد كل ذلك التاريخ".
وأضافت المصادر أن السويداء "كانت حاضرة منذ الأيام الأولى للثورة عام 2011، مع وجود الكثير من أبنائها إلى جانب جيرانهم في درعا، ومن ثم خروج أول تظاهرة نقابية من نقابة المحامين في 28 مارس/آذار 2011 في المحافظة، والتي أعقبتها تظاهرة لنقابة المهندسين، وغيرها الكثير من التظاهرات التي كانت تقمع من قبل شبيحة المحافظة".
وتابعت "هذا إضافة إلى مشاركة أبنائها في تظاهرات مختلف المحافظات، وانخراط جزء منهم في العمل العسكري، على الرغم من تحفظ غالبية الناشطين في السويداء على العمل العسكري والتطييف وتلقي الدعم الخارجي، ويبدو أنهم كانوا على حق".
وأكدت المصادر أن "السويداء لا تزال ثائرة إلى اليوم، وتدفع مقابل ذلك ثمناً غالياً؛ فهي نجحت بوضع حد للسطوة الأمنية وخصوصاً عبر منع عمليات الاعتقال التعسفي منذ عام 2014، كما امتنع عشرات الآلاف من أبنائها عن الالتحاق بالخدمة العسكرية في القوات النظامية رفضاً للمشاركة في المقتلة السورية".
كما استقبل أبناء المحافظة، وفق المصادر، "عشرات آلاف العائلات النازحة من مختلف الأراضي السورية في منازلهم، وليس في خيام النزوح المهينة، على الرغم من رفض النظام وتضييقه عليهم، وكانت السويداء بوابة لدعم جيرانها في درعا".
وأشارت المصادر إلى أنه "في المقابل، تم تهميش السويداء اقتصادياً، وحصار أبنائها وشل حياتهم المدنية والقانونية عبر المذكرات والإجراءات الأمنية، ودفع غالبية الشباب للهجرة من أجل إعالة عائلاتهم، وفصل مئات الموظفين والطلاب بسبب مواقفهم المناهضة للنظام".
وقالت المصادر إنه "ككل منطقة، لا بد أن يكون هناك من يقف مع النظام، إلا أنه في السويداء تم استخدام هؤلاء من قبل النظام لتشويه سمعة المحافظة وخداع السوريين بأنها تقف إلى جانبه، عبر تسليط الضوء على بعض الضباط والناشطين الموالين، ومن جهة أخرى، استخدام العصابات لارتكاب أعمال الخطف والسلب لتقليب بقية السوريين عليها، وللأسف نجح النظام في ذلك".
النظام السوري تجنب المواجهة المباشرة مع السويداء
بدوره، قال الكاتب وعضو "الهيئة العليا للتفاوض" المعارضة يحيى العريضي، المنحدر من السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الاحتفال بعيد الثورة ليس كالاحتفال بعيد تقليدي ليتذكر المحتفلون تلك المناسبة التي انقضت، بل هو البقاء على استعداد دائم، والعمل المتواصل للانتفاض على منظومة الاستبداد من أجل استعادة البلاد".
وأضاف أن "هذا ما يحدث في السويداء، حيث يحافظ أهلها على مواقفهم، وأي إزعاج أو ضغط يتعرضون له، هم قادرون على الرد عليه ووضع حد له، والدليل ما يحدث في الأيام الأخيرة".
وقال العريضي إن "النظام منذ البداية اتخذ قراراً بعدم المواجهة المباشرة مع أهالي السويداء، وتذرع بحماية الأقليات، ولكن الناس تعلم زيف ذلك".
وتابع "إن كان النظام لم يرم البراميل والصواريخ على السويداء، لكنه حاصر أهلها اقتصادياً وسلط عليها الفصائل الجهادية والتكفيرية أمثال تنظيم داعش، الذي قتل من أبنائها المدنيين أكثر من 250 شخصاً، غالبيتهم نساء وأطفال، عام 2018، وغيّب وقتل في المعتقلات العديد من أبنائها، وعلى الرغم من ذلك، بقوا على مواقفهم، ومنها رفض المشاركة في قتل السوريين".
العريضي: اليوم هناك مهادنة باردة وتوعد وانتظار، ولكن الوضع قابل للانفجار
وحول واقع العلاقة ومستقبلها بين المحافظة والنظام، قال العريضي "اليوم هناك مهادنة باردة وتوعد وانتظار، ولكن الوضع قابل للانفجار، ولو كان النظام قادراً على ضمان نتائج ضرب السويداء لضربها فوراً، لكن هو يعلم أن ذلك قد يعجل نهايته".
وعن مصير مطالب المحتجين التي قدمت أخيراً للنظام عبر شيخ العقل حكمت الهجري، رأى العريضي أن "النظام عاجز وليست لديه القدرة على تنفيذ أي مطالب معيشية أو اقتصادية، فأموال البلاد في جيوب الطغمة الحاكمة، وهو آيل للانهيار الاقتصادي في حال توقف الدعم الخارجي عنه، وخصوصاً أن الروس غارقون اليوم في حرب، لذلك لا حلول قريبة".
وأكد العريضي أن "السويداء تاريخياً تحمل الفكر الثوري الرافض الاستبداد والمترفع عن السلطة والمتمسك بالوطن منذ مشاركتها في مواجهة الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي، والوقوف بوجه السلطات المستبدة المتعاقبة على حكم البلاد، وخاصة منذ عام 1966".
ولفت إلى أن "هناك أسماء حُفرت مواقفها في صفحات التاريخ، ودفعت المحافظة ثمن ذلك غالياً، وما زال أبناء المحافظة اليوم موجودون إلى جانب أشقائهم السوريين في كل الميادين، وخصوصاً السياسية والثورية منها، وقدموا للثورة الكثير وما زالوا، وليست السويداء بحاجة إلى أوراق اعتماد بأنها تنشد الحرية والكرامة للسوريين".