- تقارير تفيد بممارسات قوات الدعم السريع من سرقة، نهب، وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، مما ينذر بأزمة إنسانية حادة نتيجة شح المواد الغذائية وانقطاع الخدمات الأساسية.
- الجيش السوداني يحاول استعادة السيطرة على الولاية، وسط جهود دولية لاستئناف المحادثات بين الطرفين في جدة لوقف الاقتتال وتجنيب السودان المزيد من الدمار والأزمات.
تخضع أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة الزراعية المحاذية للعاصمة الخرطوم، وسط السودان، لسيطرة قوات الدعم السريع التي أحكمت قبضتها على مدينة ود مدني عاصمة الولاية، عقب معركة استمرت لثلاثة أيام منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انسحبت على إثرها الفرقة الأولى مشاة التابعة للجيش السوداني من المدينة، في وقت بدأ الجيش حملة عسكرية لاستعادة الولاية، على وقع ممارسة الدعم السريع سلسلة انتهاكات بحق المواطنين في ود مدني وأغلب قرى الولاية، التي شهدت موجات نزوح كبيرة نحو المدن والولايات الأخرى. ومنذ اندلاع المعارك بين الجيش السوداني والدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان 2023 وقع عدد من الولايات تحت سيطرة الدعم السريع، من بينها ولاية الجزيرة، بعد سيطرتها على مدينة ود مدني، وسبّب ذلك موجة نزوح كبيرة نحو ولايات القضارف وسنار والنيل الأبيض وكسلا والبحر الأحمر والشمالية. ومدينة ود مدني من أقدم المدن السودانية بعد الخرطوم، وتبعد عنها نحو 186 كيلومتراً جنوباً، على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق، وتضم مشروع الجزيرة الزراعي الذي أنشئ في عام 1925 لمدّ المصانع البريطانية بحاجتها من خام القطن.
عبد الله علي: اقتحم عناصر الدعم السريع القرى وقتلوا من اعترض سبيلهم
وذكرت لجان المقاومة في ود مدني، وهي تنظيمات شعبية، في تقرير أصدرته في الأول من مايو/ أيار الحالي حول الأوضاع بولاية الجزيرة، أن مليشيا الدعم السريع تواصل عمليات سرقة المواطنين ونهبهم واقتحام المنازل وترويع الأطفال والنساء والإطلاق العشوائي للرصاص. وأكدت استمرار اعتقال المواطنين، مضيفة أن قوات الدعم تمارس كل أنواع التعذيب ضدهم، رافضة الإفراج عنهم إلا مقابل مبالغ مالية باهظة، إلى جانب تزايد عمليات نهب المحاصيل والمواشي، ما زاد معاناة الأهالي. وحسب اللجان، فقد شهدت مدينة ود مدني في الآونة الأخيرة العديد من الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو التابع للجيش، ما أوقع العديد من الضحايا والجرحى بين المواطنين ودمّر المنازل والبنية التحتية. وتابعت: "تنشط مجموعات مسلحة (قطاع طرق) في عمليات سطو مسلح في شوارع السفر وتنهب ما بقي من ممتلكات المواطنين الفارّين من جحيم الدعم السريع".
وأشارت إلى حدوث شحّ وندرة وغلاء للمواد الغذائية والاستهلاكية، والاحتياجات الأساسية نتيجة طمع التجار وصعوبة الحصول على أي إمدادات غذائية من خارج الولاية، كذلك نهبت الدعم السريع الولاية، مشيرة إلى أن "أغلب الأسر لا تملك قوت يومها، نسبة إلى انعدام العمل وكل سبل كسب الرزق، ما ينذر بمجاعة للمواطنين غير المعتمدين على الزراعة والرعي، إضافة إلى عدم استقرار في التيار الكهربائي والمياه". ولفتت لجان المقاومة إلى أن انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت نحو ثلاثة أشهر، أدى إلى صعوبة عمليات التحويلات المصرفية، فيما نشرت الدعم السريع أجهزة إنترنت القمر الفضائي في الأسواق والقرى بمبالغ باهظة، مستغلة حاجة المواطنين لها، إلى جانب فرض ضرائب عالية على تذاكر السفر، وحركة نقل البضائع والمواد التموينية داخلياً، وصلت إلى حدّ لا يُمكن احتماله. وتابعت اللجان: "سرقت مليشيا الدعم السريع أجهزة التنفس الاصطناعي من قسم العناية المكثفة وأجهزة من قسم العظام بود مدني، واستمر الشحّ في الإمداد الدوائي، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة". وحسب اللجان، فإن قوات الجيش منعت إدخال أي إمدادات دوائية آتية من الولايات الأخرى لولاية الجزيرة، كذلك نهبت الدعم السريع أي أدوية متوافرة في الولاية.
انتهاكات الدعم السريع
في السياق، كشفت المواطنة سمر، التي ما زالت وأسرتها بقرية فداسي في الجزيرة، أن عمليات اقتحام البيوت والسرقة مستمرة من قبل عناصر الدعم السريع، مضيفة في حديث لـ"العربي الجديد" أن شبكة الاتصالات العامة لا تعمل، فيما خدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك" تبلغ 3 آلاف جنيه للساعة (5 دولارات). وأشارت إلى أن الوضع سيّئ جداً، والناس ينتظرون انتهاء هذا الكابوس لاستعادة حياتهم الطبيعية، لافتة إلى أن عناصر الدعم السريع اقتحمت قريتهم القريبة من مدينة ود مدني والقرى المجاورة، وكانوا يركزون على انتزاع السيارات ذات الدفع الرباعي. وأضافت أنهم أخذوا عدداً كبيراً من سيارات المواطنين وسيارات المؤسسات الحكومية والمستشفيات، ونهبوا أيضاً المحاصيل والسلع الغذائية من الأسواق. وتابعت سمر، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها الكاملة، قائلةً: "نعيش في رعب حالياً، ولا نخرج إلا للضرورة القصوى".
أما المواطن عبد الله علي، الذي تمكن وأسرته من مغادرة قريتهم الحلاوين بولاية الجزيرة إلى الولاية الشمالية، فقال لـ"العربي الجديد"، إن المنطقة تحولت إلى جحيم لا يطاق، إذ اقتحم عناصر الدعم السريع القرى، ودخلوا البيوت لسرقة أموال السكان وهواتفهم، وقتلوا من اعترض سبيلهم. وأضاف أن بعض الأهالي عند سقوط الولاية بيد الدعم السريع أغلقوا مداخل القرية وحفروا مجاري المياه حولها، لكن عناصر الدعم السريع دخلوا القرية وأجبروا السكان على فتح الطرق بالقوة. وأشار علي إلى أن عناصر الدعم السريع ردموا مجاري المياه بجوالات المحاصيل الزراعية (أكياس تغليف المنتجات الزراعية) التي يملكها المواطنون من أجل عبور سياراتهم العسكرية، وتابع: "يوقفون الناس في طابور ويطلقون الرصاص تحت أقدامهم قبل نهب أموالهم وهواتفهم، مع الضرب والشتائم واتهام الشباب بالعمل مع استخبارات الجيش".
مصدر عسكري: الجيش يقود الهجوم لتحرير ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني
وذكر علي أنه اضطر إلى الفرار بأسرته عبر شاحنات البضائع، وكلفه الوصول إلى مدينة دنقلا بالولاية الشمالية نحو 500 ألف جنيه (نحو 833 دولاراً). وأشار إلى أن الناس في القرية يعانون من سوء الوضع المعيشي ولا يتوافر لهم سوى القليل من الطعام بعد توقفهم عن الذهاب إلى مزارعهم وفقدان الكثير من ماشيتهم. من جهته، قال مواطن من بلدية ود راوة، شرقي ولاية الجزيرة، إن أوضاع الناس سيئة جداً، ويقتربون من مجاعة بسبب ندرة السلع الاستهلاكية وقرب نفاد ما لديهم. وأضاف المواطن، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن هناك شحاً في الدقيق والسكر، ولا يتوافر مال نقدي في أيدي الناس، لافتاً إلى أن التحركات العسكرية تمنع عبور السلع بين منطقتهم والمناطق الأخرى في الولايات المجاورة.
ومن قرى الشبونات، جنوبي الجزيرة، قال المواطن عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر الدعم السريع خطفوا فتيات في مطلع شهر إبريل/ نيسان الماضي، وطلبوا فدية تصل حتى 100 ألف جنيه (نحو 167 دولاراً)، ما زاد من نزوح الناس من المنطقة. وأضاف عثمان، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته الكاملة، أن القرى في جنوب الجزيرة تشهد العديد من الانتهاكات، بالإضافة إلى سرقات البيوت اليومية، التي صارت معتادة بالنسبة إلى القلة الباقية من السكان. وأشار عثمان إلى أن عناصر الدعم السريع يحتمون بمنازل المواطنين للاختباء من طائرات الجيش. واصطفت القوى المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات موقّعة على سلام مع الحكومة) والمستنفرين (مواطنين متطوعين) وكتائب من المحسوبين على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، إلى جانب الجيش. وشهد الشهران الأخيران معارك في جبهات متعددة حول ولاية الجزيرة. وفي 25 إبريل الماضي وجّه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بإكمال طريق الدندر ـ أبو رخم الرابط بين ولايتي سنار والقضارف خلال 30 يوماً. وهو الطريق الترابي الذي بات المعبر الوحيد بين ولايات النيل الأبيض وسنار والقضارف وكسلا الواقعة تحت سيطرة الجيش. وسبّبت المعارك قطع الطرق بين ولايات الوسط والغرب والشرق.
زيارات قادة الجيش
وسجل قادة الجيش خلال الأيام الماضية زيارات لعدد من المدن وقيادات الفرق العسكرية. وزار نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي، قيادة الفرقة 18 مشاة بمدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض المحاذية لولايتي الخرطوم والجزيرة في 29 إبريل الماضي، وبعدها بيوم زار مدينة المناقل في ولاية الجزيرة ومدينة سنار ومدينة الفاو التابعة لولاية القضارف. وقال مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" إن "الجيش يقود الهجوم لتحرير ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني عبر محاور مختلفة، تنطلق من مدينة سنار ناحية الجنوب من ود مدني، ومن مدينة الفاو الواقعة شرقاً والمناقل في الاتجاه الغربي. وقد تمكن الجيش من وقف هجمات الدعم السريع المتكررة على منطقة الفاو ذات الموقع الاستراتيجي وسط دائرة من الجبال، وأجبرها على التراجع غرباً نحو ود مدني".
وأفاد المصدر بأنه بعد استعادة الجيش منطقة المدينة عرب الشهر الماضي، بدأ بعمليات توسيع دائرة السيطرة ودفع الدعم السريع إلى التراجع، مشيراً إلى أن الجيش والقوات المساندة عازمة على السيطرة على منطقة شبارقة، شرقيّ ود مدني، مكان تمركز الدعم السريع. وأتت التطورات الأخيرة، على وقع جهود متواصلة لأطراف دولية من أجل استئناف المحادثات بين الجيش والدعم السريع في مدينة جدة السعودية في الشهر الحالي. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اتصالاً مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الأربعاء الماضي. ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" أنه جرت خلال الاتصالين مناقشة مستجدات الأوضاع الراهنة في السودان وتداعياتها على الشعب السوداني، وأكد الوزير السعودي أهمية العمل على حماية السودان وشعبه من حدوث المزيد من الدمار وتفاقم للأوضاع الإنسانية الصعبة، وضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني، ووقف الاقتتال لحماية مؤسسات الدولة وحماية السودان والمضيّ به إلى برّ الأمان.