في 25 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2021، شهد السودان انقلاباً عسكرياً، نفّذه قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قاطعاً بذلك الطريق أمام تحوّل السودان نحو الديمقراطية والمدنية، الذي فرضته ثورة ديسمبر/ كانون الأول، خصوصاً أن هذا الانقلاب كان الرابع من نوعه.
بعد قرابة العام من هذا الحدث المحوري في السودان، بالتحديد عصر اليوم الإثنين الخامس من ديسيمبر/ كانون الأول، تعود "قوى إعلان الحرية والتغيير" في السودان لتوقيع الاتفاق الإطاري مع المكون العسكري، والذي يضمن تشكيل حكومة مدنية بالكامل.
يرصد هذا التقرير أبرز الأحداث التي حصلت بين هذين الحدثين الرئيسيين، في بلدٍ ما زالت تمزّقه أزمة اقتصادية وأخرى إنسانية.
انقلاب جديد
يمر السودان في مرحلة انتقالية ويفترض أن تعاد السلطة فيها إلى المدنيين بنهاية العام 2023.
في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تم توقيف الغالبية الساحقة من المسؤولين المدنيين، وبينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بعد رفضهم دعم "الانقلاب" الذي قاده قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
أعلن البرهان عبر التلفزيون الرسمي حالة الطوارئ بعد حل السلطات الانتقالية، وإقالة الكثير من أعضاء الحكومة والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة المسؤول عن قيادة المرحلة الانتقالية.
وأكد أنه ما زال يرغب في "الانتقال إلى دولة مدنية وتنظيم انتخابات حرة في عام 2023".
قُتل في ذلك اليوم ما لا يقل عن سبعة أشخاص، بينما أُصيب 80 آخرون بالرصاص في الخرطوم، بحسب لجنة الأطباء المركزية المؤيدة للديمقراطية، خلال تظاهرات حاشدة نددت بالانقلاب الذي أدانه أيضاً المجتمع الدولي على نطاق واسع. كانت واشنطن حينها قد علّقت مساعدات بقيمة 700 مليون دولار للسودان.
ضغط دولي
في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، تظاهر آلاف السودانيين ضد الجيش في الخرطوم وأغلقوا الشوارع، فيما نشرت القوات الأمنية مدرعات على الجسور ومحاور الطرق الرئيسية.
في المساء، وبعد العديد من الدعوات للإفراج عن رئيس الوزراء الذي كان قائد الجيش يحتجزه في بيته، أعيد عبد الله حمدوك إلى منزله حيث وضع قيد الإقامة الجبرية.
علّق الاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في كل نشاطاته، وأوقف البنك الدولي مساعداته، فيما دعا مجلس الأمن الدولي إلى إعادة تشكيل "حكومة انتقالية يقودها مدنيون"، وهو مطلب أعلنه أيضاً الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي مشهدٍ متوقع من الاستبداد، أُقيل مدير التلفزيون الحكومي، وختمت هوائيات إذاعات بالشمع الأحمر، فيما ظلت شبكة الإنترنت مقطوعة منذ الانقلاب، ليتظاهر، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول، عشرات الآلاف من السودانيين ضد الانقلاب، حتى أُفرج عن أربعة وزراء بفعل الضغط الدولي في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني.
مجلس سيادة جديد
تتابعت الأحداث، وازدادت حدة الأزمة، ففي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، شكّل البرهان مجلس سيادة انتقالي جديد، استبعد منه أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير، بينما احتفظ بمنصبه رئيساً للمجلس، كما احتفظ الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوة الدعم السريع، المتهم بارتكاب تجاوزات إبان الحرب في دارفور وأثناء الانتفاضة ضد البشير، بمنصبه نائباً لرئيس المجلس.
عودة وجيزة لحمدوك
وفي ظل احتجاجاتٍ وأزماتٍ سياسية كانت هي الأكبر في البلاد، توصّل الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى اتفاق بشأن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة السودانية، راجياً أن يهدأ ذلك احتجاجاتٍ تتسارع وتيرتها، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى تهدئة الشارع، واستمرت التظاهرات في مدن عدة. وفي اليوم التالي، أطلق سراح الكثير من السياسيين الذين اعتقلوا منذ الانقلاب.
وفي مساء الثاني من يناير/ كانون الثاني 2022، أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استقالته، بعدما أسفر يوم جديد من الاحتجاجات عن مقتل ثلاثة متظاهرين، لتصل حدة الأزمة إلى تحذيراتٍ من الترويكا وكذلك الاتحاد الأوروبي، في الرابع من نفس الشهر، من أنها "لن تدعم رئيس وزراء أو حكومة معينة من دون مشاركة فريق كبير من المدنيين".
محاولة حوار برعاية الأمم المتحدة
لم تقف الأزمة عند هذا الحد، بل استمر تساقط مزيدٍ من القتلى خلال الاحتجاجات في الأشهر التالية، حتى بادرت الأمم المتحدة حينها ببدء محادثات برعايتها، لتقاطعتها الأطراف المدنية الرئيسية، لا سيما قوى الحرية والتغيير، العمود الفقري للحكومة المدنية المقالة إثر الانقلاب، التي وضعت شرطاً مسبقاً إنهاء القمع وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
وفي 4 يوليو/ تموز، أعلن الفريق البرهان أن الجيش لن يشارك بعد الآن في الحوار، للسماح للقوى المدنية بتشكيل حكومة "كفاءات"، فيما دعت الكتلة السياسية المدنية الرئيسية، بعد إعلان البرهان بيوم واحد، إلى مزيد من "الضغط الشعبي"، منددة بـ"الانسحاب التكتيكي" الذي يهدف في الواقع إلى الحفاظ على نفوذ الجيش.
أزمة إنسانية خطيرة
في الـ21 من نفس الشهر، وفي ظل أزمة غذائية متفاقمة، أعلن البنك الدولي عن منح 100 مليون دولار مقابل "تحويلات مالية وغذائية".
بينما أعلنت الأمم المتحدة ومنظمة "أنقذوا الأطفال" (Save the Children)، في 12 سبتمبر/ أيلول، أن نحو سبعة ملايين طفل سوداني محرومون من التعليم، وأن نحو 12 مليون طفل يواجهون خطر الانقطاع عن التعليم.
كما أقرت البحوث بأن التضخم كان يصل إلى نسبة 200% شهرياً، فيما تتراجع قيمة العملة، ويزداد سعر الخبز ما يقارب عشرة أضعافه منذ الانقلاب.
وأعلن زعيم "قوى الحرية والتغيير" خالد عمر يوسف، في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، أن مفاوضات غير مباشرة جارية مع الجيش.
تجدّد العنف القبلي
ولم تكن الأزمة السياسية والاقتصادية وحدها تتصدر مآسي الإنقلاب، وإنما ساهمت الأزمة في مواجهات قبلية في ولاية النيل الأزرق بجنوب السودان، أدّت إلى سقوط 250 قتيلاً. ويعتبر خبراء أن الفراغ الأمني الذي أحدثه الانقلاب شجع على تجدد العنف القبلي.
اتفاق لإنهاء الأزمة
في 5 ديسمبر/ كانون الأول، وقع اللواء برهان والقائد محمد حمدان دقلو، الرجل الثاني في النظام والعديد من القادة المدنيين، وخصوصاً من قوى الحرية والتغيير، اتفاقاً لإنهاء الأزمة.
وقالت قوى الحرية والتغيير، وهي فصيل مدني رئيسي كان انقلاب البرهان قد أطاحه، إن الاتفاق الإطاري يمهد الطريق لتشكيل سلطة مدنية انتقالية.
تم التوقيع في حضور المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، بالإضافة إلى سفير الاتحاد الأفريقي لدى الخرطوم ومحمد بلعيش.
(فرانس برس، العربي الجديد)