باتت مساحة الخلافات بين الفصائل العراقية المسلحة، خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، أكثر وضوحاً، بعد صدور بيانات ومواقف لعدد من قادة وممثلي تلك الفصائل، تشي بأن المسألة أبعد من نقطة التصعيد العسكري ضد الوجود الأميركي في العراق وسورية، ومشاركة فصائل محددة في جبهة واحدة واستبعاد أخرى، أو على نحو أدق عدم مشاركة أخرى فيها.
واختارت فصائل "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، والأوفياء"، و"الإمام علي"، الانضواء في جبهة واحدة، أطلقت عليها يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "المقاومة الإسلامية في العراق"، تبنت لغاية الآن أكثر من 70 عملية ضد الوجود الأميركي في العراق والأراضي السورية المجاورة. كما أعلنت مقتل أكثر من 13 من عناصرها في ضربات أميركية متفرقة نفذت في بابل والأنبار وداخل سورية، وفقاً لبيانات صدرت عن الجماعة.
سعيد السراي: جميع الفصائل تعمل على تنسيق المواقف بكل القضايا التي فيها تصعيد عسكري وسياسي
في المقابل، لا يظهر أي موقف ميداني لمليشيات بارزة ونافذة في العراق، كـ"عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وكذلك "بدر" بزعامة هادي العامري، و"جند الإمام" بزعامة أحمد الأسدي، وفصائل أخرى تُصنف على أنها حليفة أو مدعومة من إيران.
الخلافات برزت أول مرة بين "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، بعد إعلان الأخيرة الشكر للذين شاركوا في عمليات استهداف المصالح والأهداف الأميركية في العراق وسورية، وحدّدت منهم جماعات "أنصار الله الأوفياء"، و"حركة النجباء"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب حزب الله"، فيما استثنت بقية الجماعات المسلحة، ومنها "عصائب أهل الحق"، و"بدر"، وغيرها.
خلافات بين فصائل منخرطة بالتصعيد والسوداني
مصادر مُقربة من فصائل عراقية بارزة في بغداد قالت إن "الخلافات ليست على مستوى الفصائل المسلحة، بل بين فصائل منخرطة بالتصعيد ضد الأميركيين من جهة، ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني من جهة أخرى، وصلت إلى تهديد الأخير بأنه لن يكون مسؤولاً عن أي هجمات أميركية مستقبلاً ضد هذه الفصائل".
ووفقاً لأحد المصادر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الضربة الأميركية الأخيرة قرب كركوك في الخامس من الشهر الحالي، والتي قتلت 6 من أفراد "كتائب حزب الله"، رفض السوداني إصدار أي موقف منها، كونه حذّر مسبقاً من الرد الأميركي على أي نشاط يستهدف مصالح واشنطن في العراق.
وأشار مستشار في حكومة السوداني، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الفصائل التي اختارت عدم التصعيد العسكري ضد الأميركيين، لن تكون مواقعها ضمن أي رد عسكري أميركي. وأضاف أن "الفصائل التي لم تختر التصعيد، تمتلك بالعادة أجنحة سياسية ولها تمثيل في حكومة السوداني، في المقابل فإن الفصائل الأخرى غير مشاركة، وتمتاز بكونها عقائدية أكثر من غيرها"، وفقاً لتعبيره.
لكن يظهر من خلال معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" أن فصيلي "بابليون" بزعامة ريان الكلداني، و"حشد الشبك" بزعامة وعد القدو، سهّلا من عمليات الفصائل الأخرى في مناطق انتشارهما بمحافظة نينوى لقصف قاعدة "حرير" في أربيل، وكذلك مواقع أميركية في الحسكة السورية المجاورة لنينوى، عبر منطقة ربيعة العراقية الحدودية مع سورية، بطائرات مسيّرة انتحارية.
كما تحقق السلطات العراقية مع جماعة عشائرية سنّية في منطقة البغدادي بمحافظة الأنبار غربي العراق، يُعتقد أنها سهّلت بشكل أو آخر عملية قصف استهدفت قاعدة "عين الأسد"، وتبنت مسؤوليتها جماعة "المقاومة الإسلامية".
اختلافات في وجهات النظر بقضية التصعيد
القيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، علي الفتلاوي، رد في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، على مسألة الخلافات بالقول إنها "اختلافات في وجهات النظر بقضية التصعيد العسكري ضد الأميركيين".
وأضاف: "نعم هناك اختلاف في وجهات النظر بين الفصائل، خصوصاً الفصائل المنخرطة بالعمل السياسي والحكومي وما بين الفصائل التي ما زالت تتصدى للعمل العسكري ضد الأميركيين. لكن لا يوجد انقسام بالمعنى المقصود". وتابع: "يُمكن القول إنه تبادل في الأدوار ما بين الفصائل، خصوصاً أن بعض الفصائل أصبحت جزءا من العمل السياسي والأخرى بقيت على العمل العسكري، وهذا لا يعني تقاطعاً ما بين تلك الفصائل".
سعد الحديثي: الجانب العقائدي يظهر واضحاً في الخلاف
سعيد السراي مسؤول حركة "حقوق"، المرتبطة بجماعة "كتائب حزب الله"، قال، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات إعلامية فقط". وأضاف أن "هدف الفصائل بالنهاية واحد، والكل يعمل على تحقيق هذا الهدف، وهو إخراج القوات الأميركية من العراق بكل الطرق المتاحة العسكرية والسياسية والشعبية من خلال التظاهرات وغيرها".
وأضاف أن "الفصائل جميعها تعمل على تنسيق المواقف بكل القضايا التي فيها تصعيد عسكري وسياسي، وهناك تبادل للأدوار ما بين هذه الفصائل، لكن وجهات النظر قد تختلف في بعض الملفات، وهذا أمر طبيعي يحصل حتى داخل الجماعة الواحدة، سواء كانت سياسية أو عسكرية".
أما الخبير بالشأن الأمني العراقي، العقيد المتقاعد سعد الحديثي، فاعتبر أن المكاسب السياسية والمالية التي حصلت عليها بعض الفصائل من خلال حكومة السوداني، دفعتها إلى إعادة التفكير في مسألة الوجود الأميركي من الأساس.
الجانب العقائدي واضح في الخلاف بين الفصائل
وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب العقائدي يظهر واضحاً في الخلاف، إذ إن الفصائل التي تتبنى التصعيد هي الأكثر تبنياً للنهج الديني، ولها أجنحة تقاتل في سورية مع قوات النظام، وقد يكون هذا التباين في الموقف عائد إلى حقيقة أن الإيرانيين تركوا القرار لها، ولم توجه أي منها بالهجوم أو التهدئة، وفقاً لقوله.
إلا أن الباحث السياسي محمد علي الحكيم قلل، في حديث لـ"العربي الجديد"، من شأن هذه الخلافات التي وصفها بأنها "تراشق إعلامي"، مضيفا أن "هناك من يضبط كل عمل وتحركات الفصائل وهي إيران، وأي خلافات حقيقية بين تلك الفصائل لا تتعمق بسبب وجود ضابط لها (إيران)، التي لها دور في رسم أدوار تلك الفصائل والتنسيق فيما بينها".
والاثنين الماضي، أكدت مليشيا "النجباء"، في بيان، "استمرار عمليات المقاومة العسكرية لإخراج الاحتلال، وهذا حق شرعي ووطني وشعبي، ولا يمكن لأي أحد المزايدة عليه، إلا إذا ارتمى بأحضان المحتل واستساغ العمالة والذلة والخضوع له"، وفقاً لنص البيان الذي جاء بمناسبة الذكرى السادسة لانتهاء المعارك المباشرة ضد تنظيم "داعش"، واستعادة جميع المناطق التي سيطر عليها عام 2014 منه.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفذت فصائل عراقية مسلحة أكثر من 70 هجوماً، بواسطة طائرات مسيّرة مفخخة وصواريخ كاتيوشا، على قواعد أميركية في العراق وسورية، رداً على الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على غزة، وفقاً لبيانات صدرت عن أكثر من فصيل مسلح. وقدّمت عدد من تلك الفصائل نفسها أخيراً تحت عنوان "المقاومة الإسلامية في العراق"، ضمن تبنيها تلك العمليات.