- المنافسة الانتخابية تتميز بتنافس قوي بين مرشحي الموالاة والمعارضة، مع إطلاق سراح معارضين بموجب قانون العفو. المجلس الدستوري قبل ترشح 19 مرشحاً، مع انسحاب اثنين لدعم فاي.
- الانتخابات تعد فرصة لتعزيز الديمقراطية والاستقرار في السنغال بعد فترة توترات. المعارضة تأمل في استغلال الانتخابات لإظهار قوتها، وسط توقعات بمنافسة شديدة وأهمية النزاهة والشفافية لضمان الاستقرار.
يتوجه نحو 7 ملايين ناخب في السنغال اليوم الأحد إلى مراكز الاقتراع، لاختيار رئيس جديد خلفاً للرئيس المنتهية ولايته ماكي سال، بعد أزمة سياسية غير مسبوقة عاشتها البلاد، وفي ظلّ وفرة مرشحين رئاسيين، غاب عنهم هذه المرة أي رئيس منتهية ولايته.
وكان سال (62 عاماً) قد أعلن إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقرّرة في 25 فبراير/شباط الماضي، ومنع المجلس الدستوري مرشحين من الترشح. وبعد فترة من الاضطرابات والتوترات الأمنية، تمكن الفرقاء من التوافق على تنظيم الانتخابات بعد شهر من موعدها المحدد سابقاً، وقبل أن تنتهي الفترة الدستورية لحكم الرئيس سال، وتكللت جهود الوسطاء من رؤساء أحزاب وزعماء دينيين في نزع فتيل الأزمة بالسماح للمرشحين الذين سبق أن رُفضت ملفاتهم، بالترشح للانتخابات، وإصدار قانون العفو العام الذي أُطلِق بموجبه سراح جميع معتقلي الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد أخيراً.
وكان البرلمان السنغالي قد صدّق على مشروع قانون عفو عام قدّمه سال بهدف "تحقيق التهدئة السياسية والاجتماعية"، وبموجبه أُطلِق سراح المعارضين الذين اتهموا "بارتكاب أفعال يمكن أن تعتبر جرائم جنائية وذات دوافع سياسية، في الفترة ما بين 1 فبراير 2021 و25 فبراير 2024، في السنغال وخارجها".
يتصدر السباق مرشحا الموالاة والمعارضة، وهما أمادو با، مرشح الائتلاف الحاكم، وباسيرو ديوماي فاي، مرشح المعارضة
ومن أبرز مَن أُطلِق سراحهم، عثمان سونكو، رئيس حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" الذي حُلَّ قبل أشهر. وكان سونكو قد اعتُقل في يوليو/ تموز الماضي، بتهم "الدعوة إلى التمرد والتشهير". كذلك أُطلِق سراح القيادي في الحزب نفسه، المرشح للرئاسة، باسيرو ديوماي فاي، الذي اعتُقل في إبريل/ نيسان 2023 بتهمة "ازدراء المحكمة" و"التشهير" و"المساس بالسكينة العامة".
وكان المجلس الدستوري قد رفض ملف ترشح عثمان سونكو، الذي حلّ ثانياً في انتخابات 2019 الرئاسية، معتبراً أن ملفه لم يكتمل. في المقابل، قَبِل المجلس ترشح رفيقه القيادي في حزبه، باسيرو ديوماي فاي.
أبرز المرشحين لانتخابات السنغال الرئاسية
أجاز المجلس الدستوري السنغالي ملفات 19 مرشحاً لخوض الانتخابات والفوز بمنصب الرئيس الخامس لجمهورية السنغال، بعد ليوبولد سيدار سنغور، وعبده ضيوف، وعبدولاي واد، وماكي سال.
وشارك جميع المرشحين في حملة انتخابية دامت أسبوعين، قبل أن يعلن اثنان منهم انسحابهما من السباق الرئاسي دعماً لمرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي. ويتعلق الأمر بكل من الوزير السابق حبيب سي والمرشح الشيخ تيديان ديي. وبذلك تقلص عدد المرشحين للانتخابات إلى 17 مرشحاً، وهو عدد قياسي في تاريخ الاقتراع الرئاسي بالسنغال.
يتصدر السباق الانتخابي المرشحان الأكثر شعبية في كل من معسكري الموالاة والمعارضة، وهما أمادو با، مرشح الائتلاف الحاكم (وهو رئيس وزراء سابق)، وباسيرو ديوماي فاي، مرشح ائتلاف المعارضة.
ويرى الناشط في حزب "بينو بوك ياكار"، با محمد سيلي، أن هناك تنافساً محموماً وغير مسبوق على أصوات الناخبين في هذه الانتخابات، ما يجعلها انتخابات استثنائية تكرس ريادة السنغال في محيط غير مستقر ويعاني من توالي الانقلابات والاضطرابات السياسية.
من أبرز وعود ائتلاف الموالاة تقليص صلاحيات واختصاصات الرئيس
ويقول با محمد سيلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن حزبه والموالاة بصفة عامة قدّما العديد من الوعود خلال الحملة الانتخابية، وإن ما جرى التعهد به سيوفى به طبقاً للبرنامج المعلن. ويوضح أن "من أبرز الوعود تقليص صلاحيات الرئيس واختصاصاته، وهو أحد أكثر المطالب إلحاحاً في الشارع السنغالي، إضافة إلى إصلاح المؤسسات والاهتمام بالتطلعات الاقتصادية في بلد سيصدّر قريباً أولى شحنات الغاز الطبيعي".
وينفي الناشط السنغالي أن يكون هناك مرشح للسلطة كما تدعي المعارضة، معتبراً أن "الجميع سواسية والفارق بينهم هو الشعبية ومدى اقتناع الناخبين ببرامجهم"، مستبعداً اللجوء إلى جولة إعادة، ومؤكداً أن مرشح حزبه قادر على الحصول على أكثر من 50 في المائة من أصوات الناخبين وحسم النتيجة من الجولة الأولى.
انتخابات استثنائية
وتطمح السنغال عبر هذه الانتخابات الرئاسية الثانية عشر في تاريخها منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، لإنهاء فترة التوترات واستعادة سمعتها كبلد آمن وديمقراطي.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث السنغالي عمر سي، لـ"العربي الجديد"، إن ما يميز الانتخابات الحالية ليست فقط التوترات والأزمة السياسية الأخيرة، لكن أيضاً أنها أول انتخابات تُجرى من دون مشاركة الرئيس، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام المرشحين للتنافس، ويجعل من الصعب التكهن باسم الفائز بها.
عمر سي: مشاركة 17 مرشحاً في الانتخابات، مؤشر على قوة المنافسة وضعف التكتلات
ويوضح عمر سي أن الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال سيصبح الرئيس الوحيد الذي لم ينهزم في الانتخابات، عكس سابقيه الذين فشلوا في الاحتفاظ بمنصبهم بعد عدد من الولايات الرئاسية. ويقول في ذلك، إن "سال استنفد أقصى عدد من الفترات الرئاسية المسموح بها وفقاً للدستور، وهما فترتان، لكن كان هناك خلاف دستوري حول احتساب الفترة الأولى لسال، وهي في عام 2012، أي قبل تعديل الدستور، وهو ما اعتبرته المعارضة محاولة من سال للبقاء في السلطة وتأجيل الموعد الانتخابي، قبل أن تنتهي الأزمة بإعلان سال أنه لا ينوي البقاء في المنصب وأنه مستعد لتسليم السلطة".
ويضيف الباحث: "منذ الاستقلال تعاقب على حكم السنغال أربعة رؤساء فقط، حيث كان كل رئيس يستمر في الحكم لولايات عدة، وكانت مشاركة الرئيس المنتهية ولايته في الانتخابات دائماً ما تعطيه الأسبقية والفرص الأكبر للفوز، أما الآن، وفي ظل هذه الحالة الاستثنائية في البلاد، فإن هوية الرئيس الخامس للبلاد لا يمكن توقعها".
ويشير عمر سي إلى أن مشاركة 17 مرشحاً في الانتخابات، وهو رقم قياسي منذ استقلال السنغال، مؤشر على قوة المنافسة وضعف التكتلات، حيث لم تنجح غالبية الأحزاب في الاتفاق على مرشح موحد لدعمه. وعن أكثر المرشحين حظاً في الفوز، يرى أن "التنافس سيكون قوياً والانتخابات قد لا تحسم في الجولة الأولى، فحظوظ المرشحَيْن القويين تبدو متساوية، وهما أمادو با مرشح الائتلاف الحاكم، وباسيرو ديوماي فاي مرشح المعارضة".
حظوظ المعارضة
تعتبر المعارضة أن الانتخابات الحالية مناسبة لها لإبراز قوتها وانتزاع الفوز والحكم من معسكر الموالاة، خصوصاً بعد الزخم الذي حظيت به قضية اعتقال المعارض البارز عثمان سونكو الذي استُبعد من قائمة المرشحين للانتخابات، فرشَّح حزبه المعارض باسيرو ديوماي فاي مكانه.
هارون باه: تنتظر المعارضة أصوات الشباب، لأنهم الفئة الأكثر معاناة من الوضع الاقتصادي
ويضيف أن "فئة الشباب شاهدة على التحولات العديدة في المشهد السياسي الحالي، وهي الأكثر معاناة من الوضع الاقتصادي وارتفاع مستويات البطالة والفقر، لذلك يبحث الشباب عمن يحقق الوعود الاقتصادية ويستثمر خيرات البلاد، ويهتم بالنهوض بالأوضاع الاجتماعية، وهذه هي الوعود التي أطلقتها المعارضة في حملتها الرئاسية".
ويؤكد باه أن الجميع يدرك مدى التعاطف الذي أبداه الشارع السنغالي مع ما عانته المعارضة من تضييق، وأنها تدرك حجم المسؤولية التي أصبحت على عاتقها وتأمل أن تنجح في تحقيق الفوز خلال هذه الانتخابات إن احتُرِمَت إرادة الناخب.
ويلفت كذلك إلى أن جميع الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية عليها أن تلتزم القوانين الدستورية ومعايير النزاهة والشفافية، وأن تعطي الأولوية للمصلحة العليا للبلاد، من أجل تحقيق الاستقرار والتسامح والسلام والمصالحة.
ويوضح الناشط المعارض أن الرهان حالياً هو الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية للسنغال، البلد الأكثر استقراراً وديمقراطية في غرب أفريقيا، مضيفاً أنه "ينبغي للدولة والفاعلين السياسيين والمواطنين الحفاظ على المكتسبات وتحمّل المسؤولية كل من موقعه، بالتنظيم الجيد للانتخابات والمشاركة فيها بكثافة والتزام النزاهة والقوانين واحترام نتائج الانتخابات أياً كانت".
ويُذكّر هارون باه بأنه خلال الحملة الانتخابية لم يحدث ما يعكر صفو الأجواء، على الرغم من أنه تم تقليص مدة الحملة من ثلاثة أسابيع إلى أسبوعين، مشيراً إلى أن المعارضة كانت متخوفة من سير الحملة الانتخابية وتدخّل الدولة في دعم مرشحين على حساب آخرين، خصوصاً أن البلاد ما زالت تعاني من حالة الاستقطاب بعد الأحداث الأخيرة وما تخللها من محاكمات ومضايقات واعتقالات.