تتفاعل قضية تلقي نواب لبنانيين وموظفين في البرلمان، وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، لقاح كورونا خارج الأصول المتبعة والتراتبية المعمول بها، في ظل عدم الثقة بالطبقة الحاكمة والتشكيك بالالتزام بالمعايير الموضوعة لتوزيع اللقاحات، لتردّ السلطة عبر نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، الذي شنّ في مؤتمر صحافي، اليوم الأربعاء، هجوماً لاذعاً على المدير الإقليمي لدائرة المشرق في مجموعة البنك الدولي، ساروج كومار جا، الذي هدّد بتعليق تمويل لقاحات كورونا في حال تأكيد حصول انتهاكات للأصول الواجب اتباعها خلال عملية التلقيح.
ووضع الفرزلي تهديد كومار جا بتعليق التمويل، في إطار لعب دور سياسي، واعتبره عملاً يحمل في طياته فقدان الأخلاقيات التي يفترض أن يتمتع بها من يجب أن يمثل البنك الدولي في لبنان، مناشداً البنك إرسال ممثل آخر بديلاً عن كومار جا. وبدل الاعتذار، هاجم الفرزلي الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واصفاً إياهم "بالذباب الإلكتروني، الذي لن يخيفنا، لا بل يزيدنا إصراراً وعناداً على استهدافه، وسنقف له بالمرصاد". كما اتهم بـ"الشعبوية" رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري، الذي لوّح بالاستقالة، قبل أن يتراجع عنها.
وتشهد عملية التلقيح في لبنان، في المراكز والمستشفيات أيضاً، الكثير من الشوائب والانتهاكات والفوضى، مع تخوّف المواطنين من "الوساطات" والتمييز والاستنسابية في توزيع اللقاحات. وإثر الفضائح المتكرّرة في إدارة عملية التلقيح، أعلنت الدكتورة تاليا عراوي، العضو المسؤول عن الأخلاقيات في اللجنة الوطنية للقاح، استقالتها من اللجنة.
وأدّت فضيحة تلقي نواب اللقاح، في ظلّ صمت مريب لوزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، على الرغم من تحميله مسؤولية إرسال اللقاحات إلى المجلس، من جانب البزري، وما تلاها من تسريبات طاولت شخصيات سياسية نيابية ووزارية عدّة، إلى خروج المكتب الإعلامي في الرئاسة اللبنانية ببيان أكد فيه تلقي الرئيس ميشال عون وعقيلته ناديا عون، وعشرة من أعضاء الفريق اللصيق، والملازم له، اللقاح، مشدداً في المقابل، على أنّهم سجّلوا أسماءهم على المنصة الخاصة بالتلقيح، الأمر الذي طرح الكثير من علامات الاستفهام حول السبب وراء عدم كشف عون تلقيه اللقاح يوم حصوله عليه، والإعلان عن ذلك، أمام اللبنانيين وللإعلام، علماً أنّ الرئيس وإن كان ضمن الفئات العمرية المحددة في المرحلة الأولى، بيد أن الأنظار تتجه إلى فريق عمله، الذي لم يكشف عن أسماء أفراده، وتتردد أنباء عن أنهم تحت السنّ المحدّدة اصولاً.
وتعليقاً على ذلك، يقول أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين، لـ"العربي الجديد"، إنّ المشكلة الأساسية، تكمن في غياب الشفافية، وتحديداً لناحية إعطاء الأولوية للناس الأكثر حاجة للتلقيح، إضافة إلى مسؤولية وزارة الصحة، التي لم تضع كما يجب المعايير الشفافة والواضحة حول إدارة العملية، من عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات، إلى المراكز التي أعطيت فيها، ومعلومات أخرى، مضيفاً: "أشرنا كمرصد للأزمة في الجامعة الأميركية إلى أنّ أكثر من خمسين في المائة من الأشخاص الذين تلقوا اللقاح لم تكن أسماؤهم مسجلة على المنصة، وتبعاً للوتيرة المعتمدة، لن يتمكن لبنان من الوصول الى إعطاء جرعتين لـ 70 في المائة من السكان قبل 15 يونيو/حزيران 2025".
من ناحية ثانية، يشدد ياسين على أنّ الثقة باتت مفقودة بالطبقة السياسية، والعلاقة شبه معدومة بينها وبين الناس، بل استبدلت بكراهية تامة، من هنا كانت ردّة الفعل الغاضبة تجاه أهل الحكم والنواب، حتى لو كان بينهم من "المستحقّين"، فالعملية ستوضع في إطار أنّ السلطة تأخذ من درب المواطن، وهذه حقيقة وواقع بات قائماً، في ظلّ وجود أشخاص كثر من الأكثر حاجة وفق العمر والوضع الصحي، تسجلوا على المنصة المخصصة ولم يأتِ دورهم بعد، وهم نفسهم يشاهدون سياسيين يأتون باللقاحات الى داخل البرلمان ليتلقحوا.
ويلفت ياسين، إلى أنّ "المسؤولين، وبدل أن يستتروا ويفعلوا أي شيء لتحقيق الشفافية، والمحافظة على تمويل البنك الدولي، في بلد منهك ومنهار اقتصادياً ومالياً، أتت ردة فعلهم بلا معنى، وتقوم على التهديد ورفع السقف، وزيادة الضغط، ومن دون أي حسّ بالمسؤولية، وكأنهم غير مهتمين بظروف البلد".
ويحذر ياسين من خسارة التمويل للقاحات، فهو أمر خطير جداً لناحية التداعيات والانعكاسات السلبية، معتبراً أن ما حصل، يعكس طريقة إدارة الطبقة السياسية السيئة لكل الأزمات في البلد، سواء النقدية، والمالية، وملف انفجار مرفأ بيروت، والجامعات، واللاجئون وكورونا وغيرها.
من جهته، يقول الناشط السياسي والأستاذ الجامعي ميشال دويهي، لـ"العربي الجديد"، إنّ حجم أزمة الطبقة السياسية الوجودية هائل، وأثبتت هذه المنظومة أنها غير قادرة على الحكم، لا بل أصبحت مهترئة، ومرهقة، مضيفاً: "نحن نتفهم هجومها على البنك الدولي، فهي ليست معتادة على الردّ وفق الأصول، كما أنها لم تستوعب تهديدها من جانب البنك الدولي، وكأنها فوق التهديد، نظراً لأسلوبها القمعي والعنفي، وأجهزتها الأمنية، منذ زمن بعيد ولغاية اليوم، وقد عبّر عن هذا المأزق، بطريقته ولغته الفرزلي، حتى أنه سخر من اسم المدير الإقليمي، بطريقة مليئة بالعنصرية والتنمّر".
ويضع دويهي ردود فعل الطبقة السياسية، في خانة التعبير الصارخ عن مأزق منظومة الحكم، التي تعي جيداً حجم الانهيار وصعوبة الوضع، وكمية الانتقادات التي تشنّ عليهم، مضيفاً: "الشعب يغلي ويطالب بالمحاسبة والمساءلة، وقد ينفجر الشارع في أي وقتٍ، وهذا ما يزيد من قلق أهل الحكم والساسة الذين يمارسون سياسة الهروب إلى الأمام"، مستبعداً أن ينفّذ البنك الدولي تهديده بوقف تمويل اللقاحات، باعتبار أن رسالته الأساسية الإنماء والمساعدات، وأن لا يترك لبنان وحيداً، البلد المنهك الذي يقف على شفير الهاوية.
وكان البنك الدولي، قد خصص 34 مليون دولار لمساعدة لبنان في شراء اللقاحات والمباشرة بحملة تلقيح وطنية تغطي مليوني شخص من اللبنانيين وغير اللبنانيين، واشترط التقيد بأقصى معايير الشفافية في إدارة عملية التلقيح، وبموجب الخطة الوطنية التي تستند إلى توصيات منظمة الصحة العالمية، على صعيد الفئات ذات الأولوية، ملوحاً بتعليق التمويل في حال ثبت حصول "واسطة" أو تمييز، أو انتهاك.
من جهته، يقول وزير العدل السابق إبراهيم نجار لـ"العربي الجديد"، إنّ موقف البنك الدولي جيد جداً، ويأتي في سياق التحذير لا أكثر، وعلى الطبقة السياسية أن تأخذ به، وتتعاطى مع ملف التلقيح في إطار الشفافية والعدل والمساواة، مضيفاً "أنّ ردات الفعل من السياسيين مبالغ فيها، وحبذا لو يتعظ المسؤولون من التحذير".