السلطة الفلسطينية تواصل الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية رغم العدوان على غزة

21 ديسمبر 2023
أمن السلطة الفلسطينية ما زال يحتجز عدداً من المعتقلين السياسيين (Getty)
+ الخط -

تتواصل الاعتقالات السياسية التي تنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، رغم العدوان المستمر منذ أكثر من شهرين على قطاع غزة، حيث وثقت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية وجود 45 معتقلاً، بينهم 11 قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، علاوة على استمرار الاستدعاءات.

ويوضح مدير مكتب مجموعة "محامون من أجل العدالة"، المحامي مهند كراجة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية لم تتوقف قَطّ، لا قبل السابع من أكتوبر ولا بعده.

ويلفت كراجة إلى أنّ السلطة الفلسطينية ما زالت تحتجز عدداً من المعتقلين السياسيين الذين تصنفهم على أنهم "خطيرون"، رغم صدور قرارات كثيرة من المحاكم الفلسطينية بالإفراج عنهم، مثل مصعب اشتية أحد قادة مجموعات "عرين الأسود" من نابلس، وعناصر من عدة كتائب مسلحة توجد في مناطق مختلفة، مثل جبع جنوب جنين وبلاطة شرق نابلس وجنين وطولكرم، مشيراً إلى أنّ المبرر الذي تسوقه السلطة لإبقائهم في سجونها هو "الحفاظ على أرواحهم، لكونهم مطلوبين للاحتلال".

أما بعد بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، فيلفت كراجة إلى أن السلطة الفلسطينية شنت حملة اعتقالات بعد تظاهرات ليلية إثر ارتكاب الاحتلال مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، في 17 أكتوبر، وصلت إلى أكثر من 100 حالة اعتقال، بحجة ترديد هتافات ضد الأجهزة الأمنية والمقامات العليا في السلطة، وأيضاً تخريب الممتلكات العامة، وثلثهم عرضوا على المحكمة، وأفرج عن بعضهم ومدد اعتقال آخرين، فيما تعرّض أغلبهم لتعذيب وسوء معاملة، وفق شهادات حُصِل عليها.

ويشير الحقوقي الفلسطيني إلى أن الاعتقالات السياسية استمرت بعد ذلك، حيث وُثِّقَت 10 حالات اعتقال، إضافة إلى استمرار استدعاءات الناشطين للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية وسؤالهم عن مواقفهم السياسية والمنشورات التي تخصهم على منصات التواصل الاجتماعي.

ويشير كراجة إلى وجود انتهاكات أخرى تقوم بها السلطة الفلسطينية أخيراً، تتمثل بإحالة بعض المعلمين على التقاعد الإجباري المبكر، وفصل بعضهم بناءً على مواقفهم السياسية.

الضفة الغربية: حرمان من مناسبات اجتماعية

في الثامن من أكتوبر الماضي، كان الطفل جهاد سقف الحيط (12 عاماً) من مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية ينتظر عودة والده منتصر من عمله على أحرّ من الجمر، فذلك اليوم كان يصادف ذكرى ميلاده، وقد وعده والده بألّا يفوّت هذه الفرحة، رغم الألم الذي كان يعتصر الفلسطينيين حزناً على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وقبل إيقاد شموع قالب الحلوى، كان زائر ثقيل يطرق بابهم، حيث دهمت قوة من جهاز الأمن الوقائي المنزل واعتقلت الأب، وسط ذهول العائلة.

جهاد، الذي يتحدث بلغة الكبار، يقول لـ"العربي الجديد": "غاب أبي عني في سجون الاحتلال الإسرائيلي 4 سنوات عندما كنت في الثانية من عمري، ولم أره وأتفحص ملامحه إلا عندما بلغت السادسة، ومن حينها وأنا متعلق به جداً، لا يذهب إلى عمله صباحاً ولا يعود إلا وأحتضنه. فماذا فعل حتى يُعتقَل، وأين؟ في سجون السلطة الفلسطينية!".

اللقاء الأول بينهما كان بعد أسبوعين، حينها صُدم الابن بهيئة والده، يصف تلك اللحظات، قائلاً: "أبي رجل طويل وضخم الجثة، لكن عندما رأيته كان رجلاً ضعيفاً وهزيلاً ولا يقوى على الكلام إلا بصعوبة. فهمت من أمي أنه كان مضرباً عن الطعام منذ لحظة اعتقاله، رفضاً لما جرى معه من أبناء شعبه، ودون توجيه أي تهمة له".

تتدخل الأم زينب قطيشات لتوضح أن زوجها اعتقل مرتين، بما مجموعه 6 أعوام ونصف، في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه هي المرة الأولى التي يُعتقَل سياسياً لدى السلطة الفلسطينية.

وتضيف: "لا نعرف ما هي تهمته. تمكن المحامي الذي يتابع قضيته من الحصول على 3 قرارات قضائية بالإفراج عنه، لكن جهاز الأمن الوقائي يرفض تنفيذها. تواصلت مع هيئات حقوق الإنسان كافة، المحلية والدولية، حتى مكتب المندوب السامي في رام الله لم يفلح في إطلاق سراحه".

وتشير قطيشات إلى أنها تواصلت كذلك مع القائم بأعمال محافظ نابلس غسان دغلس، الذي أبلغها أن الملف والقرار فقط لدى جهاز الأمن الوقائي.

وتتابع: "نحن نعيش في منطقة مصنفة "ج"، ومع هذا جاؤوا إلى البيت واعتقلوه من هنا. الآن نحن لا نشعر بأي أمان مطلقاً وحدنا. في الليل أخاف على أطفالي من أي هجوم قد نتعرض له من جيش الاحتلال أو المستوطنين".

يتحرك معتصم اليوم في كل الاتجاهات في محاولة لإطلاق سراح أخيه على مسؤوليتهم الشخصية

وتلفت مجدداً إلى أن زوجها أضرب عن الطعام لمرتين، وقد أوقف إضرابه الأول بعد أسبوعين "عندما ساوموه على ذلك مقابل السماح لنا بزيارته". وتؤكد أيضاً ما قاله ابنهما جهاد، إذ "عندما زرناه لم نعرفه. كان في حالة صحية سيئة جداً. عندما أقول لك إن أولاده لم يعرفوه، فهم فعلاً كذلك، كان نحيلاً جداً ووجهه مرهق للغاية".

وعاد جهاد سقف الحيط للإضراب قبل خمسة أيام فقط، وفق ما أكده شقيقه المصور الصحافي معتصم سقف الحيط، الذي يقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اعتقاله جاء تحت حجة حمايته، لكونه مطلوباً لقوات الاحتلال". ويضيف: "لا يقولون لك هذا مباشرةً، لكنك تفهمه من خلال الحديث مع المسؤولين في السلطة والأمن الوقائي".

ويتحرك معتصم اليوم في كل الاتجاهات، في محاولة لإطلاق سراح أخيه على مسؤوليتهم الشخصية. ويختم: "أخي تاجر ويتحرك دوماً بين المدن وبين الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي هذه حجة غير مقنعة تسوقها السلطة والأجهزة الأمنية".

المساهمون