تتجه السلطات التونسية لاتخاذ إجراءات ضد أحزاب وجمعيات عبر تعليق النشاط والحل والملاحقات، تحت حجج عدم امتثالها للقانون أو لشبهات تمويل أجنبي غير قانوني، وسط مخاوف من التضييق على العمل الحزبي والمدني في البلاد.
ومثّل التمويل الأجنبي للجمعيات محور لقاء الرئيس التونسي قيس سعيد برئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزيرة العدل ليلى جفال، نهاية الأسبوع الماضي.
وشدد سعيد على "ضرورة مكافحة ظاهرة التمويل الأجنبي للجمعيات، وترجمة التشريعات والقوانين المتعلقة بمراقبة الأموال المشبوهة"، قائلا إن "هناك مشكلة يجب معالجتها تتمثّل في التمويل الأجنبي للجمعيات".
وتحدث سعيد عن أمثلة بشأن "مجموعة من التجاوزات"، مبيناً بحسب بيان الرئاسة، أن "الجمعيات التي تتلقّى أموالا من الخارج في أكثر الأحيان تعقد ندوات وملتقيات في نزل من فئة 5 نجوم في آخر الأسبوع للراحة والاستجمام".
من جهتها، كشفت مديرة ديوان رئيس الحكومة، سامية الشرفي قدور، في إجابتها على أسئلة النواب، خلال أشغال الجلسة العامة في البرلمان أخيرا، أن الحكومة بادرت إلى التنبيه على 150 حزبا، بخصوص توضيح أوضاعها المالية. في حين أصدرت الجهات القضائية أحكاما بتعليق نشاط 97 حزبا بعد الشروع في تتبّع الأحزاب السياسية التي لم تقدم تقاريرها المالية منذ 2018.
وبيّنت مديرة ديوان رئيس الحكومة، أن أحكاما صدرت تتعلق بحل 15 حزبا، في حين حل 14 حزبا نفسه بنفسه بين 2020 و2022 "في إطار عمل الحكومة على تكريس الشفافية المالية وحماية الأحزاب من المال الفاسد والمشبوه"، على حد قولها.
وينشط في تونس أكثر من 200 حزب مسجل رسميا، تأسس أغلبها بعد الثورة في عام 2011.
وفي السياق، أعلنت الشرفي ضبط 272 جمعية وصفتها بالـ"مشبوهة"، واتخاذ الإجراءات "الواجبة" ضدها، بعد تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء من طرف مجموعة العمل المالي، والقائمة الرمادية، من طرف منظمة الشفافية الدولية. وأوضحت أن السلطات بادرت إلى طلب تعليق نشاط 266 جمعية من جملة الجمعيات المشبوهة الـ272، صدرت أذون بتعليق نشاط 182 منها، فيما رفض طلب تعليق نشاط 25 جمعية.
وأضافت بأنه تم طلب الإذن بحل 176 جمعية، قضائيا، وصدرت أحكام بحل 69 منها، وتم رفض طلب حل 57.
وعلق القيادي في جبهة الخلاص المعارضة، وعضو المكتب السياسي في حزب الكرامة، منذر بن عطية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا أحد ضد القانون، لكن الظرف والمناخ العام يوحي بأن تطبيق القانون يتم بصفة انتقائية، في إطار تصفية الخصوم والمنافسين السياسيين، وضرب كل أسس التعدد والتداول السياسي".
وقال: "عقيدة منظومة 25 يوليو 2021 تستند على القطب الواحد والفكر الواحد والرئيس الواحد، وبالتالي فلا حاجة للأحزاب، وحتى الأحزاب المقربة فكريا من الرئيس رأينا في عدة مناسبات كيف تم تهميشها وإقصاؤها".
وحول التنبيه الذي وجّهته الحكومة للأحزاب، قال بن عطية: "ائتلاف الكرامة لم يصله أي تنبيه أو مراسلة، ولا علم لنا بأي تضييق ضد أحد مكونات جبهة الخلاص".
في المقابل، قال رئيس المكتب السياسي لحركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مراقبة التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات التونسية أصبحت مسألة عاجلة وضرورية"، مشيراً إلى أن "حركة الشعب طالبت بتنقيح المرسوم الخاص بالجمعيات، في إطار الحرص على تنقية المناخ السياسي والانتخابي".
وبيّن عويدات أن "منع التمويلات الأجنبية المشبوهة خطوة أساسية لتنقية المناخ الاجتماعي والعمل الجمعياتي في تونس من شبهات التوظيف"، مشيرا إلى أن "تقارير قضائية رسمية، ومنها الصادرة عن محكمة المحاسبات، أثبتت أن تمويل بعض الحملات الانتخابية جرى عن طريق الجمعيات التي هي في الأصل واجهة خارجية لبعض الأحزاب السياسية".
ودعا عويدات إلى "تطبيق القانون على الجميع، وملاحقة الأحزاب أو الجمعيات المشتبه في تورطها وعرض ملفاتها على القضاء".
من جهة أخرى، يطالب أنصار للرئيس سعيد بالوضوح في حل الأحزاب وجمعيات يعتبرون أنه كان لها دور في العشرية الماضية، وخصوصا الأحزاب التي كانت في سدة الحكم.
وفي حديث سابق، اعتبر رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو عبد الرزاق الخلولي، لـ"العربي الجديد"، أن "دعوة حل الأحزاب والجمعيات ليست طلبا خاصا بالحراك، بل هي مستمدة من مشاغل الشعب ومطالبه".
وذكر الخلولي أنه "في 25 يوليو 2021 كان طلب الشعب واضحا في حل حزب حركة النهضة ولكنه لم يتجسد بعد".
واعتبر أن "كل أحزاب العشرية السابقة لم تكن تمثل الشعب ولا خدمة الوطن والبلاد، بل كانت مجرد بيادق ودكاكين ممولة من طرف قوات أجنبية وأطراف خارجية"، حسب تعبيره.
وأضاف: "نحن مصرون على دعوتنا لرئيس الجمهورية ليصدر أمرا رئاسيا بحل جميع الأحزاب والجمعيات".