لم تكن قمة "نفتالي بينت – عبد الفتاح السيسي" لتحظى بالاهتمام الذي حظيت به في الأيام الماضية في الصحف الإسرائيلية، عشية عيد الغفران اليهودي، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، لولا أنّ الجانب المصري، بحسب الصحافة الإسرائيلية نفسها، اجتهد ليبدي حفاوة برئيس حكومة الاحتلال، وبالإعلان عن الزيارة وإبرازها في الإعلام الرسمي المصري. ومع أن بينت لم يترك مجالاً للشك؛ لا قبل اللقاء ولا خلاله، بأن "الدولة الفلسطينية" غير واردة في حساباته، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار التطبيل والتزمير للرجل، وكأنه فارس السلام، وذلك كما يتضح للتستر على أن الترحيب به والارتماء في حضنه والسكوت عن لاءاته التي لا تختلف عن لاءات رئيس الوزراء الأسبق إسحق شمير التاريخية في مؤتمر مدريد عام 1991، ليس طمعاً بتغيير مواقفه، بقدر ما هو طمع بأن "يقول الرجل" كلمة طيبة عن مصر لدى الإدارة الأميركية، على غرار ما قاله عن النظام الأردني في زيارته الأخيرة لواشنطن.
ويتضح اليوم أن بعض العرب سقطوا في أحضان أكثر ساسة إسرائيل تطرفاً، فيما يقطف الرجل في ظلّ ظروف الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، ثمار جهود من سبقوه في إسرائيل، حتى بدا وكأنه يحصل على حظوة لم يحصل عليها شمعون بيرس، رئيس الوزراء ورئيس إسرائيل الأسبق، الذي ظنه العرب حمامة السلام الإسرائيلية لعقود طويلة.
بينت يقطف ثمار سياسات من سبقوه في إسرائيل لأنه يواصل السير على خطى العقيدة الإسرائيلية للشرق الأوسط الجديد، التي تحدث عنها بيرس في العام 1991 عندما طمع بأموال الخليج لتطوير إسرائيل والمنطقة، بشرط أن يكون العقل المدير هو إسرائيل، والأيدي العاملة هي "السوداء العربية".
ومع مرور عام على اتفاقيات التطبيع المسماة باتفاقيات أبراهام، كستار للتحالف الإماراتي البحريني الإسرائيلي وما تبعه من انضمام السودان وعودة المغرب لعلاقات علنية مع إسرائيل، تبرز مفارقة في تعامل الأخيرة مع "جيرانها" و"حلفائها العرب". ففيما تريد من دول الخليج المال والاستثمارات تحت شعار السلام مقابل السلام، فإنها تريد من فقراء العرب، السلام مقابل الأمن، أي أن يضمن الفقراء العرب بمن فيهم السلطة الفلسطينية والأردن ومصر، أمنها واستقرارها، مقابل تزكيتها لأنظمة هذه الدول في البيت الأبيض، وإبقائها في قائمة الدول المعتدلة.
فعندما تصبح دولة الاحتلال تحت رئاسة أكثر ساستها تطرفاً قومياً ودينياً، أي نفتالي بينت، مفتاح هذه الدول إلى البيت الأبيض، فلن يكون هناك ما يدفع بينت لأخذ قممهم ومناشداتهم على محمل الجد.