تفاصيل الساعات الأخيرة لمعتقل سوري في سجن عدرا: هروب الأسد أنقذه من الإعدام

16 ديسمبر 2024
المعتقل السابق في سجن عدرا عبد القادر رجب 16 ديسمبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تلقى المعتقل عبد القادر رجب إشارات مقلقة حول احتمالية تحويله إلى سجن صيدنايا أو الإعدام، مما أثار قلقه ورفاقه المتهمين بالإرهاب في سجن عدرا المركزي.
- في منتصف الليل، اندلعت أصوات التكبيرات والضرب على الأبواب، مما دفع رجب ورفاقه لمحاولة الهروب، ونجحوا في الفرار والوصول إلى مخيم اليرموك، حيث أدركوا أن النظام السوري بدأ في الانسحاب.
- اعتُقل رجب في 2019 بتهمة الإرهاب رغم عدم تورطه، وتعرض للتعذيب والاعتراف بتهم ملفقة، وأُطلق سراحه بعد معاناة طويلة.

في ظهيرة يوم السبت، قبل ساعات من إسقاط نظام بشار الأسد، جاء أ. س، وهو شرطي على مفرزة الجناح السابع في سجن عدرا المركزي في ريف دمشق، إلى المعتقل عبد القادر رجب (36 عاماً)، الذي يقبع في الغرفة 705، وقال له إن الهويات المتهمة بالإرهاب قد سُحبت من القلم العدلي في سجن عدرا. كانت هذه الإشارة الأولى، التي أثارت في نفس رجب القلق، إلى بدء إجراءات تحويله إلى سجن صيدنايا أو إلى الإعدام.

بعد ساعات قليلة، وتحديداً عند الساعة التاسعة مساءاً، يعود الشرطي إلى المعتقل، الذي ينحدر من مدينة جبلة في ريف اللاذقية، ليستعجله قائلاً: "الأمور منتهية بشأنكم"، مع إيماءة من السجان توحي بقرب موعد الإعدام، يوضح هنا رجب عبارة السجان بأنه كان يقصد بها المتهمين في سجن عدرا بقضايا الإرهاب، والذين يبلغ عددهم قرابة 700، في حين أن بقية السجناء كانت تهمهم جنائية. كان الرجل الثلاثيني وخمسة من رفاقه في الغرفة حيث يوجد 90 سجيناً متهمون بالإرهاب، لم يأخذ المعتقل الجبلاوي الإشارة الثانية على محمل الجد، وظلّ محافظاً على هدوئه، رغم أن القلق بدأ يساوره أكثر.

الإشارة الثالثة جاءت بعد ساعة ونصف، حيث جاء الشرطي نفسه، ونظر إليهم متسائلاً: "هل تريدون شيئاً؟"، ثم مضى. فوجئ هنا الرجل ذو البشرة القمحية، حيث جرت العادة أن يقوم السجان بعدّ النزلاء في هذا الوقت من الليل. كانت أخبار تقدّم المعارضة السورية وسيطرتهم على المدينة تلو الأخرى تصل إلى رجب ورفاقه، مع توالي الإشارات إلى تصفيتهم، وبينما كان عالقاً في التفكير، فتح باب الغرفة ودخل سجين من حمص، سأله رجب على الفور، ما قصتك؟ ولماذا أحضروك إلى هنا؟ أخبره المعتقل الحمصي أن 50 معتقلاً من المتهمين في قضايا إرهاب في سجن حمص جرى نقلهم إلى سجن عدرا، وقد جاء السجين الجديد من دون أن يحضر أي شيء من مستلزماته معه، كما يقول رجب. هنا بدأ الخوف يتسلل إليه أكثر، سأل المعتقل الجديد، هل النظام السوري بوارد أن يجلب سجناء في هذا الوقت وهو يتقهقر على الجبهات؟

كان المعتقل الحمصي يدرك الحكاية، وقد سمع خلال اقتيادهم من حمص إلى عدرا أنه سيجرى اقتياد جميع تهم الإرهاب في سجن عدرا، ليصار إلى إعدامهم في ساحة المدرسة، مؤكداً لرجب أن هذا الخبر مصدره النقيب الذي أتى بهم من حمص إلى عدرا. كانت هذه الإشارة الرابعة والأخيرة التي تؤكد أن رجب ورفاقه يعيشون اللحظات الأخيرة من حياتهم. يصف رجب هذه اللحظات بصوت يكسوه الحزن والانكسار لـ"العربي الجديد" قائلاً: "كنت أنا ورفاقي الخمسة المتهمين بالإرهاب يسند بعضنا بعضاً، تكلمنا فيما بيننا وسلمنا أمرنا لله، لم نبكِ، كنّا متهيئين بحكم معرفتنا بظروف السجن أن هذه اللحظة ستأتي يوماً".

بوادر الفرج

ساد الصمت في الغرفة، لا أحد ينبس ببنت شفة، ثم فجأة مزقت أصوات التكبيرات التي تأتي من الخارج لحظات السكون، وسط ضرب على الأبواب عند الساعة الثانية إلا خمس دقائق بعد منتصف ليل السبت- الأحد، اعتقد المعتقل الجبلاوي ورفاقه أن هناك حالة استعصاء في السجن، نهض الرجل متوسط القامة متأهباً وأيقظ من حوله، هنا انتفض رئيس الجناح الذي كان بمثابة رقيب عليهم، حسب رجب، وهدد الجميع بالقتل، وقال لهم إن عناصر الأمن سيقومون بتصفيتكم واحداً واحداً.

فجأة مزقت أصوات التكبيرات التي تأتي من الخارج لحظات السكون، وسط ضرب على الأبواب عند الساعة الثانية إلا خمسة منتصف ليل السبت- الأحد

اشتدت أصوات التكبير والضرب على الأبواب الحديدية، وعمّت الفوضى أرجاء السجن عامة، والغرفة التي يقطن فيها رجب ورفاقه، اتجه جميع نزلاء الغرفة التسعين نحو الباب الحديدي، وقاموا بضربه بكل ما أوتوا من قوة من دون جدوى، إلى أن قاموا بضرب الباب من أسفله عندما وجدوه أقل سماكة، وبمزيد من الضرب عليه، نجحوا في كسر الجزء السفلي، وبدأ السجناء يمرون عبره واحداً وراء الآخر، كان رجب الشخص الثالث الذي يمرّ عبره.

يضيف رجب في هذا السياق: "قطعنا جناح السجن الذي يبلغ حوالي مئتي متر، ووصلنا إلى مفرزة الشرطة، ولكننا لم نجد أحداً، واصلنا مسيرنا باتجاه الصالون الرئيسي لسجن عدرا، تابعنا مسيرنا لنجد جميع الأبواب مكسرة ومخلعة، لا يوجد أي أثر لأحد، اتجه معظم السجناء أصحاب الجنايات نحو غرفة القلم التي يوجد فيها الضباط وشرطة حفظ النظام عادة. يقول رجب هنا: "سجناء الإرهاب لم يعثروا على هوياتهم، وكثير منهم لم يتجه إلى الغرفة، كان همهم الفرار قبل كل شيء، في حين عثر كثير من سجناء التهم الجنائية من سرقة ومخدرات ودعارة وغير ذلك على هوياتهم".

كحال رفاقه أصحاب تهم الإرهاب، لم يتجه رجب إلى غرفة القلم، كان همّه الوحيد الإسراع في الهروب من السجن، وصل إلى الغرفة الأخيرة قبل مغادرة سجن عدرا، سجد سجدة شكر لله، وقبل أن يصل إلى البوابة الرئيسية، تعثر بجثتين مرميتين على الأرض، لكنه لم يدر لمن هما تابعتان، فيما جرى إطلاق قنابل مسيلة للدموع لم يستطع أن يحدد مصدرها، قبل أن يجتمع مع بقية رفاقه خارج السجن عند مخيم اليرموك. ويفسّر هذا المشهد أن قوات النظام السوري بدأت تخلي مواقعها باتجاه العاصمة دمشق، وهو ما يعني أنها هربت مع بدء توارد الأنباء عن رحيل الأسد وسقوط النظام.

يقول رجب في هذا اللحظات: "هنا سقط الخوف، علمنا أن المأساة انتهت، مشينا نحو كيلومترين حتى نصل إلى الأوتوستراد الرئيسي، مضينا نحو قدسيا، بتنا هناك بضع ساعات، علمنا خلالها أن بشار الأسد سقط، ثم عدنا أدراجنا بعد ساعات إلى حسيا وأمضينا فيها ليلة، ثم جئت إلى مدينة بانياس، هنا اللحظة التي اجتمعت فيها بأهلي، ووصلنا إلى مدينة جبلة".

قصة الاعتقال

لكن لماذا اعتُقل الرجل أساساً، يشرح لـ"العربي الجديد" أن القضية الأساسية التي اتهم بها، ولا يعلم عنها شيئاً، هي ارتكاب أعمال إرهابية أدت إلى مقتل عناصر من جيش النظام السوري وفرع الأمن الجنائي في هجوم في قرية قسطل العيدو في ريف اللاذقية عام 2012. كانت الزيارة الوحيدة لعبد القادر رجب خارج سورية خلال الثورة السورية إلى تركيا في عام 2016، كان ينوي الهجرة إلى الخارج لعلاج ابنته الوحيدة التي تعاني من فقر حاد في الدم، وعندما فشلت رحلة لجوئه إلى ألمانيا، قرر العودة مجدداً إلى جبلة، وعند عودته، جرى التحقيق معه بشكل هادئ جداً وأفرج عنه من دون أن يقترب منه أحد.

صمد رجب في الأيام الأولى على الضرب والشبح والكهرباء وجميع أنواع التعذيب

بعد ثلاث سنوات، اعتُقل الرجل الثلاثيني مع والده الستيني عند دوار الشاطئ في مدينة اللاذقية يوم الخميس عند الساعة الثانية ظهراً في 21/11/ 2019 إثر كمين مدبر، حيث كان يعمل رجب في تحويل الأموال ويعتقد أن أحداً ما أخبر عنه في تقرير كيدي، إذ اتصل به أحد عناصر الأمن، وأخبره بأنه يريد تحويل مبلغ من المال، ليتبين بعد ذلك أنه مندوب في أمن دولة ويدبر له عملية الاعتقال. في اليوم الأول من التحقيق، سأل المحقق المعتقل الجبلاوي عن موضوع تحويل الأموال وعن كونه كان مسلحاً في ريف اللاذقية، لكن رجب رفض التهمة الأخيرة رفضاً قاطعاً وأقرّ بأنه كان يعمل في تحويل الأموال، لكنه لا يتعامل مع أيّ جهات تعارض النظام. في اليوم الثاني، بدأت التهم تنهال على الرجل الجبلاوي، من قبيل أنه يصور الطيران الروسي ويعدّ الغارات التي تخرج من مطار حميميم، وأنه صديق لتركيا ولأميركا وللمسلحين. صمد رجب في الأيام الأولى على الضرب والشبح والكهرباء وجميع أنواع التعذيب، وتهديد بتعذيب وضرب والده أيضاً. بعد خمسة أيام، أطلق سراح الأب، وهنا زادت وسائل التعذيب ضد الرجل الثلاثيني، بكافة أشكاله، واصل رجب صموده عشرة أيام وعلى كل صنوف التعذيب، إلى أن أقرّ بتهم مؤلفة من سبع عشرة صفحة، إثر استخدام المحقق أسلوباً مذلّاً يستخدمه النظام آخرَ الحلول ليجبر معتقليه على الاعتراف، حيث جرّده من ثيابه وبدأ يتحسس أطراف جسده، وبينما يصف عبد القادر المشهد هنا، صمت قليلاً، وبدأت شفاهه ترتعش والكلمات تخرج بشكل متداخل، فضّل العودة إلى الصمت مرة ثانية، ولوح بيديه إلى أنه لم يعد قادراً على الحديث. بعد فرع أمن الدولة في اللاذقية، تدرج في أفرع المخابرات السورية، حيث اقتيد إلى المخابرات العامة في دمشق 285، ثم إلى الشرطة العسكرية في القابون، ثم إلى عدرا، ثم إلى الحرية.