الرئاسة الجزائرية تنفي وجود لائحة لمسؤولين تحت الرقابة القضائية: لا توجد تصفية حسابات ولا مطاردات

11 ابريل 2023
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (Getty)
+ الخط -

نفت الرئاسة الجزائرية وجود لائحة مزعومة لمسؤولين تحت الرقابة القضائية، مؤكدة التزام الرئيس عبد المجيد تبون بمحاربة الفساد وعدم توفير أية حماية لأي مسؤول تمتد يده إلى المال العام.

ونفى تقرير نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، اليوم الثلاثاء، وجود قائمة لمسؤولين بصدد ملاحقتهم في قضايا فساد، مضيفاً "ليطمئن الجميع، ليس ثمة تصفية حسابات ولا مطاردات وهمية، ولا حتى وجود لقائمة إطارات في مناصبهم أو بدونها تحت الرقابة القضائية، وأن من ينقلون هذه المعلومات المغلوطة قد جانبوا الصواب. الواقع غير ذلك، فمن بين عشرات آلاف الإطارات ورؤساء المؤسسات في البلاد، لا يوجد سوى بعض العشرات خلف القضبان بسبب تورطهم في قضايا فساد". 

وكان قاضي التحقيق للقطب الجزائي المالي والاقتصادي بمحكمة سيدي محمد، وسط العاصمة الجزائرية، قد قرر السبت الماضي إيداع وزير المؤسسات الصغيرة نسيم ضيافات السجن رفقة خمسة من مسؤولي شركة حكومية تعمل في مجال الإنشاءات، وتقرر وضع زوجته وشقيقته وزوجة شقيقه تحت الرقابة القضائية.

وأفاد التقرير أن "قضية وزير المؤسسات المصغرة نسيم ضيافات ما هي إلا دليل على نهاية حقبة اللاعقاب حيث يتم حالياً معالجة الورم فوراً لمنع تفشيه مثلما كان يحدث سابقاً"، في إشارة إلى العهد السابق في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

وأضاف التقرير "ما كان بالأمس القريب من فضائح فساد تعم البلاد واختلاسات وتهريب الأموال وجميع أشكال الاتجار ناهيك عن تواطؤ الأوليغارشية المفترسة مع مسؤولين سامين في الدولة قد ولى نهائياً".

وهاجم التقرير أطرافاً قال إنها حاولت استغلال قضية حبس وزير المؤسسات المصغرة السابق، مضيفاً أن "قضية صدور أمر بالإيداع ضد الوزير السابق، ضيافات، شكلت فرصة سانحة لقوى الجمود التي غمرت شبكة الإنترنت بأخبار كاذبة سعياً لتحقيق هدفين؛ وهما تغليط الرأي الوطني والدولي حول وجود شيء فاسد في الجزائر الجديدة، وكذا زعزعة ثقة الإطارات من خلال خلق جو من الخوف والريبة".

التقرير، الذي يأتي أيضاً رداً على تقارير وأخبار زعمت حجب جوازات سفر وزراء سابقين تمت إقالتهم خلال التعديل الحكومي الأخير ومدراء مؤسسات اقتصادية عمومية، أشاد بما اعتبره "تراجع عدد قضايا الفساد في جزائر ما بعد الحراك، أي منذ سنة 2020، عدا بعض القضايا هنا وهناك التي لا تدعو للقلق، وحتى إن لم تتوصل الجزائر إلى اجتثاث الفساد كلياً فمظاهره تبقى ضئيلة للغاية حيث شهدت معدلات الفساد تراجعاً ملحوظاً".

وطالب الرأي العام والقوى الوطنية منح الفرصة لخيار التجديد الوطني "لندع الإطارات ورؤساء المؤسسات حتى يساهموا بشكل فعال في تحقيق التحول المنشود في الجزائر الجديدة، فمن غير المجدي حقا أن نتيه بحثا عن الدوافع الخفية لدعاة الركود".

وأثارت ملاحقة وزير المؤسسات المصغرة في الحكومة الجزائرية نسيم ضيافات نقاشا حول استمرار تورط المسؤولين الحكوميين في قضايا فساد وتربّح غير مشروع، بالصورة نفسها التي كانت قبل الحراك الشعبي عام 2019، على الرغم من المحاكمات المستمرة لعشرات المسؤولين السابقين ورجال الأعمال، وإدانات لأكثر من 35 وزيرا في حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

ونسيم ضيافات هو أول وزير من وزراء الرئيس تبون تتم ملاحقته على خلفية الاشتباه بالتورط في قضية فساد.

ويبدو أن العدالة الجزائرية لم تنتظر كثيرا من الوقت للتحرك ضد الوزراء حديثي العهد بالحكومة ومساءلتهم في قضايا فساد.

رسائل واضحة

واعتبر الخبير القانوني والمحامي حسان إبراهيمي، الذي يتابع قضايا الفساد في المحاكم، أن "الرئيس تبون وضع محاربة الفساد كأولوية في برنامجه الحكومي، ويؤكد من خلال هذه القضايا صدق نواياه في محاربة الفساد الذي كاد أن يتسبب في انهيار الدولة خلال العشرية الماضية".

وقال إبراهيمي، لـ"العربي الجديد"، إن رسالة السلطة الحالية "تبدو واضحة للجميع، أنه من يريد العمل بنزاهة فليعمل، أما من يريد الثراء تحت غطاء المسؤولية العمومية فسيلقى مصير أويحيى وعبد المالك سلال ونور الدين بدوي نفسه".

وأضاف أن "بعض المسؤولين توهموا أن عملهم في إدارة الرئيس تبون يعفيهم من المساءلة، كما الحال مع الوزير الشاب ضيافات وغيره ممن ستفتح ملفاتهم القضائية خلال الأيام والأسابيع القادمة".

وتابع الخبير القانوني أن "الرئيس تبون بدأ برنامجه بالعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة بإطارات غير فاسدة، مثلما جاء في قانون الانتخابات الذي أثمر برلماناً نظيفاً، ثم في اختيار أعضاء الحكومة، وأغلبهم من التكنوقراط، ثم طبقها على العدالة برفع كل حرج عن قضاة الأقطاب الجزائية في التحقيق مع أي كان، مهما كانت مسؤوليته الحالية أو السابقة أو موقعه العائلي أو السياسي، وغيرها من الحصانات غير القانونية التي كانت توقف العدالة الجزائرية عن محاربة الفساد في الفترة الماضية".

وزراء تحت الملاحقة

وكان قاضي التحقيق للقطب الجزائي المالي والاقتصادي قد قرر، السبت الماضي، إيداع وزير المؤسسات الصغيرة نسيم ضيافات في السجن رفقة خمسة من إطارات شركة حكومية تعمل في مجال الانشاءات. وتقرر وضع زوجته وشقيقته وزوجة شقيقه تحت الرقابة القضائية. 

وتداولت تقارير أنباء عن إخضاع وزراء آخرين، كانوا قد أقيلوا خلال التعديل الحكومي الأخير، منتصف الشهر الماضي، للاستجواب في قضايا تخص تسيير وزاراتهم، دون أن تتضح طبيعة هذه القضايا.

وإضافة إلى ذلك، تمت إدانة وزيرين آخرين كانا في تشكيله أول حكومة بعهد تبون في قضايا فساد، لكن هذه الإدانات تمت بصفاتهما الوظيفية التي سبقت استيزارهما، إذ أدين وزير الموارد المائية أرقي براقي بصفته مدير عام الوكالة الحكومية للسدود، كما أدين وزير المالية السابق محمد لوكال بصفته محافظ بنك الجزائر السابق. 

وتشير بعض المعلومات إلى أن وزيرين آخرين أقيلا خلال التعديل الحكومي الأخير، وسحبت جوازات سفرهم لمنعهم من السفر إلى الخارج، وهم بانتظار استدعائهم للتحقيق في قضايا تخص قطاعاتهم الوزارية التي كانوا يشرفون على تسييرها.

وعلق المحلل المختص في الشؤون القانونية والسياسية جمال لخذيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما يجري يُقرأ من زاويتين، الأولى أن هناك تحركاً من قبل السلطة ضد إعادة تشكل مسارات جديدة للفساد واستغلال السلطة والنفوذ، وهذا أمر ايجابي نظرياً، والثانية أن هناك مشكلة جدية في نظام الحكومة من حيث ضعف آليات الرقابة، ما يفتح الباب واسعاً للمسؤولين لاستغلال مناصبهم".

وفي حوارات وخطابات سابقة، أكد الرئيس تبون أنه سعى إلى توفير الحماية القانونية لكل المسؤولين، بمن فيهم حكام الولايات، من أي تعسف ضدهم من الجهات العليا، حيث منع مباشرة أي تحقيق قضائي في حق المسؤولين دون قرار مركزي وملف دقيق، وألغى الاعتماد على الرسائل المجهولة والكيدية، كما تم إلغاء التجريم على التسيير (الأخطاء الإدارية في التقدير). 

وقال تبون: "طالما أن المسؤول لا يستفيد لشخصه أو لمعارفه، ولم يمد يده للمال العام، فإنه سيكون في منأى عن أي متابعة قضائية".

المساهمون