يبدو أن السياسة التي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تجاه السودان، والتي لخّصها في كلمتي "شأن داخلي"، قالهما خلال حديثه عن أزمة الجنود المصريين الذين كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع في الخرطوم مع اندلاع الحرب هناك في 15 إبريل/نيسان الماضي، لا تزال ذات صدى في التحركات الخارجية المصرية المتعلقة بالملف السوداني.
وبات التعاطي المصري مع الحرب السودانية، مقتصراً على مشكلة اللاجئين الفارين من الاشتباكات، وفقاً لرأي مراقبين وخبراء تحدثوا لـ"العربي الجديد". وبدا الموقف المصري مختلفاً، في ظلّ تصاعد الأحداث، والوساطات التي عُرضت من أطراف إقليمية ودولية، مثل السعودية والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي.
التركيز على اللاجئين السودانيين
وذكر بيان لوزارة الخارجية المصرية، الخميس الماضي، أن الوزير سامح شكري التقى، في جنيف، المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، حيث ناقش الجانبان "سُبل تعزيز التعاون والشراكة بين مصر والمفوضية، في ضوء الأعباء الهائلة التي تتحملها الحكومة المصرية، في استضافة الأعداد الكبيرة التي وصلت إلى 9 ملايين لاجئ، خصوصاً في ضوء تداعيات الأزمة الراهنة في السودان، فضلاً عن ضرورة أن تحشد المنظمة الموارد لدعم الجهود الوطنية المصرية، في تقديم سُبل الرعاية والمساعدات الإنسانية والطبية اللازمة على الحدود للفارين من النزاع في السودان".
وتطرّق الجانبان إلى "التزام مصر منذ بداية الأزمة بفتح الحدود أمام الفارين من الصراع اتساقاً مع التزاماتها الدولية والإقليمية، واستقبلت حتى الآن 121 ألف مواطن من السودان، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن"، بحسب البيان المصري.وح
ول الموقف المصري، اعتبر الأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية، أحمد حجاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موقف مصر واضح فيما يخص الأزمة في السودان، فمصر تدعو إلى وقف إطلاق النار والسماح بهدنة دائمة، كي يتمكن المواطنون السودانيون من التزود بالغذاء والماء والدواء، ومصر مرحبة وداعمة للأشقاء في السودان، بدليل استضافة أكثر من 125 ألف لاجئ سوداني حتى الآن، بالإضافة إلى وجود أكثر من 4 ملايين سوداني في مصر من قبل الأزمة".
أحمد المفتي: دور مصر حالياً ضعيف جداً وغير فعّال
وأضاف حجاج أن مصر "تتشاور أيضاً مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة من داخل وخارج المنطقة، كي تضغط على أطراف الصراع في السودان لوقف إطلاق النار، والسماح بإنشاء ممرات آمنة يتم من خلالها عبور المساعدات الإنسانية التي تأتي من مصر، فمنذ بداية الأزمة أرسلت مصر مساعدات إنسانية تتضمن أدوية وعلاجات للمستشفيات السودانية، هذا بالإضافة إلى الدور المصري في القيام بمفاوضات لمحاولة الوصول إلى حل دائم للأزمة".
مدير مركز "الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان"، أحمد المفتي، رأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "فيما يتعلق بالموقف السياسي المصري في التعامل مع الأزمة السودانية، فإن مصر حالياً دورها ضعيف جداً وغير فعّال، لكن دورها الأبرز يظهر في التعامل مع أزمة اللاجئين بسبب الحدود المشتركة بين البلدين، وتؤدي دوراً مهماً في استقبال الأعداد الكبيرة من اللاجئين القادمين من السودان إلى الأراضي المصرية. وهذا لا ينفي وجود بعض المشاكل فيما يتعلق بإجراءات الدخول ناتجة عن الأعداد الكبيرة من الوافدين، فحركة النزوح تشكل ضغطاً على المرافق المصرية، غير أنه بخلاف ذلك فإن أوضاع السودانيين في مصر جيدة نسبياً، وهذا دور إيجابي كبير للدولة المصرية".
وأضاف المفتي: "كنا نتمنى أن يكون الدور السياسي المصري في التعامل مع الأزمة في السودان أكبر من دورها الحالي، من منطلق أنها دولة شقيقة وتعرف جيداً السودان، لكن مع الأسف يمكن القول إن مصر لا تؤدي دوراً سياسياً على الإطلاق حالياً، حتى أن الاتفاقيتين اللتين أُبرمتا حصلتا برعاية أميركية وسعودية، من دون وجود مصري".
وتعليقاً على قضية اللاجئين السودانيين في الأجندة المصرية، رأى المفتي أن "قدرة الدولة المصرية على استيعاب القادمين من السودان، تحددها بنفسها".
وأبدى اعتقاده أن "وضع السودانيين في مصر، وكثرتهم، وإمكانياتهم المادية، يعظم من قدرة الدولة المصرية على استيعاب القادمين السودانيين الجدد، خصوصاً أن لمعظمهم أقارب في مصر".
وأشار إلى أنه "من المفيد للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، عدم اعتبار القادمين لاجئين، كما أعتقد أنه يجب التساهل في إجراءات التأشيرات، لأن المعاملات الحسنة تبقى في ذاكرة الشعوب، ويا حبذا لو صدر قرار رئاسي واجب النفاذ فوراً، لتسهيل أمور السودانيين المتجهين إلى مصر، لأنه سيكون شاهداً على خصوصية العلاقة بين البلدين. وفي تقديري، فإن الفائدة لمصر، ستكون أضعاف الخسارة، ولكن الأمر يحتاج إلى تفكير سياسي استراتيجي خارج الصندوق، وليس تفكيراً بيروقراطياً تقليدياً".
ضعف الدور المصري
من جهتها، قالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، لـ"العربي الجديد": "ليس صحيحاً الحديث عن ضعف الدور المصري في السودان، قد يكون الموقف المصري معقداً أو ضبابياً بعض الشيء لكنه غير منسحب من الأزمة، بل إن مصر تعتبر الدولة الأكثر تحركاً في الملف السوداني. وظهر هذا جلياً في تشكيل انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بشأن السودان فور بدء الاشتباكات، ما يشير إلى مركزية السودان بالنسبة للمصالح المصرية، واهتمام القاهرة بكل ما يجري في السودان".
وأضافت مرعي: "مصر مرتبطة بملفات استراتيجية عديدة مع السودان، لعل أبرزها، ملف سد النهضة، والوضع في ليبيا، إلى جانب تنامي أدوار الجماعات والحركات الإرهابية في القارة الأفريقية، وكلها ملفات تهدد الأمن القومي المصري، ولولا ارتباط مصر بعلاقات ومصالح مع إحدى الدول الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السودانية، ووجود تضارب في الرؤى السياسية، لما كان الموقف المصري بهذا التعقيد".
نجلاء مرعي: قد يكون الموقف المصري معقداً أو ضبابياً بعض الشيء لكنه غير منسحب
وتابعت مرعي: "بالنسبة للموقف العسكري والسياسي، أعلنت مصر صراحة عدم التدخل في الشؤون السودانية، واعتبار أن ما يحدث شأن داخلي لا علاقة لمصر بأي من أطرافه المتصارعة، ورغم أن العقيدة العسكرية المصرية لا تعترف بالقوات غير النظامية، غير أن مصر ترغب في القيام بدور الوساطة بين الأطراف في الأزمة، لأن حساسية الوضع في السودان تتطلب التعامل مع جميع الأطراف، والدليل هو التواصل الهاتفي المفاجئ بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى جانب زيارة شكري لكل من تشاد وجنوب السودان. وأعتقد أن مصر حريصة على التواصل مع أي دولة لديها القدرة على تحريك الملف أو المساهمة في الحل".
وأشارت مرعي إلى أن "ما يحدث في السودان يشكل ضغطاً على الاقتصاد المصري، وعلى اللوجستيات المصرية، وهناك دعوات من مصر للمنظمات الدولية لزيادة الدعم، لأن هناك الكثير من اللاجئين لا يحصلون على أي مساعدات، أو أقله ينالون مساعدات مالية قليلة".
بطء سوداني في ملف اللجوء
أما الكاتب السوداني فيصل يوسف، فرأى أنه "بالنسبة لقدرة مصر على استيعاب الأعداد القادمة من السودان، فدور الدولة المصرية ينحصر في إجراءات الطوارئ الأولى وتسهيل الدخول على الوافدين، باعتبارها الدولة التي لجأ إليها السودانيون، ولكن المسؤولية لما بعد ذلك ليست مسؤولية مصر بالضرورة، بل مسؤولية مفوضية العون الإنساني (هيئة حكومية سودانية) بالدرجة الأولى، بالتعاون مع الأمم المتحدة".
وأضاف يوسف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "يلاحظ أيضاً أن مفوضية العون الإنساني في مصر بطيئة في إجراءاتها تجاه السودانيين، ولكن الآن نحن نتعامل مع موقف الطوارئ، وأعتقد أنه من الضروري تسريع عملية التسجيل وإنهاء الإجراءات والعمل على إعادة توطين اللاجئين وحمايتهم من العودة إلى السودان، تطبيقاً للقانون الدولي".
وتوقع يوسف استمرار "الحرب وأعداد اللاجئين ستتزايد، ولن تتوقف على 100 ألف كما تتوقع الأمم المتحدة، بل ربما تزيد عن 3 ملايين سوداني، ومصر هي أكثر البلدان المحببة للسودانيين لأسباب عدة، منها القرب الثقافي والتاريخي والديني، غير أن هذه الأعداد ستمثل عبئاً كبيراً على الدولة المصرية إذا لم تتعامل معهم بدراسة علمية".
ودعا يوسف إلى "إقامة المعسكرات لاستقبال الوافدين في حالات اللجوء في كل دولة، لكن لكل دولة وجهة نظرها وطريقتها في إدارة هذا الملف".
المدير السابق لمعهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية السوداني، صلاح الدومة، رأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مصر لن تُنشئ معسكرات لجوء في أراضيها، حفاظاً على سيادتها". وأضاف: "سبق لجوء السودانيين إلى مصر، جنسيات أخرى مثل السوريين والليبيين واليمنيين، ولم تضطر مصر للتفكير في شأن معسكرات اللجوء".