- الاحتجاجات ضد مصنع "تيرما" وضغط لجنة الشؤون الخارجية أدى إلى إعادة هيكلة كبرى في ممارسات تصدير السلاح بالدنمارك، متطلبة موافقة وزارة الخارجية.
- التغطية الإعلامية لجرائم الاحتلال والتحذيرات القانونية، بالإضافة إلى الضغط الشعبي والبرلماني، ساهمت في تغيير موقف الحكومة الدنماركية، معكسة أهمية الضغط الشعبي والقانوني في تشكيل السياسات الخارجية.
بعد أشهر من الضغوط التي مورست بحق السياسيين الدنماركيين، سواء في الشارع أو على المستوى الحقوقي والقانوني والبرلماني، اضطرت حكومة كوبنهاغن إلى "تعليق" قانون يتيح بسهولة تسليم دولة الاحتلال الإسرائيلي قطعاً هامة لطائرات إف 35 الأميركية تُستخدم في قصف غزة.
ومنذ العام الماضي، توجّه خبراء في القانون الدولي بتحذيرات للدولة الدنماركية من أن البلد يخاطر بانتهاك القانون الدولي في ما يتعلق بتصدير المعدات العسكرية إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبرغم نفي متكرر لوزير الخارجية (ورئيس الحكومة السابقة) لارس لوكا راسموسن، ووزير العدل بيتر هاميلغورد من أن بلدهما ينتهك القانون الدولي، إلا أن حكومة الائتلاف برئاسة ميتا فريدركسن (التي اتخذت مواقف مؤيدة للاحتلال بعد السابع من أكتوبر الماضي، قبل التراجع عنها ببطء) باتت أمام معضلة تنامي الضغط الشعبي والسياسي - التشريعي في الأسابيع الأخيرة.
زيادة الاحتجاجات في الشارع والبرلمان
وزادت عمليات الاحتجاج الشعبي من قبل مجموعات شبابية مؤيدة لفلسطين بحق مصنع "تيرما" في ضواحي آرهوس (وسط)، للمطالبة بوقف تصدير السلاح إلى تل أبيب.
ووجدت حكومة ائتلاف (يمين ويسار الوسط) الدنماركية نفسها أمام إشكالية برلمانية حين كررت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان مطالبها لراسموسن في تغيير الإجراءات المعمول بها في تصدير تلك القطع الهامة لعمليات القصف في غزة.
تبريرات كوبنهاغن السابقة بأنّ "تصدير قطع إف 35 تجري من خلال البرنامج الأميركي"، باتت الآن في غير محلها، من خلال "إعادة هيكلة كبرى لممارسات السلطات الدنماركية في مجال تصدير السلاح لإسرائيل"، كما نقلت صحف دنماركية صباح اليوم الأربعاء عن أستاذ القانون الدولي في جامعة دندى البريطانية، جاك هارتمان.
ومن الواضح أن الإجراءات الجديدة باتت تتطلب موافقة الخارجية الدنماركية، وليس فقط الشرطة و"العدل" على إجراءات التصدير. وعبّر صباح اليوم الأربعاء المتحدث باسم الشؤون الخارجية في حزب "راديكال فينسترا"، كريستيان فريس باك، عن سعادته بقرار تعليق التصدير.
ومهما تكن تسميته، تعليقاً أو تجميداً، فالنتيجة برأي البرلمانيين المؤيدين لوقف تصدير السلاح والذخيرة لدولة الاحتلال، هي واحدة، أي "بما يتماشى مع الالتزامات الدولية"، التي شدد عليها مؤيدو تجميد تصدير معدات إف 35 من المصانع الدنماركية.
المسألة بالنسبة إلى تيار واسع من مؤيدي القضية الفلسطينية تعتبر "خطوة في الاتجاه الصحيح"، كما عبّر لـ"العربي الجديد" أحد النشطاء الذين حاصروا مدخل مصنع تيرما في "ليستروب"، في ضواحي آرهوس.
وشدد الشاب العشريني الملثم تحت اسم إزاك (إسحاق) على أن قرار تعليق التصدير يأتي بعد نحو 10 سنوات من افتضاح "ممارسة متساهلة مع إسرائيل الاستعمارية، بحيث منذ 2013 زود ساسة الدنمارك طائرات الاحتلال من مختلف الأنواع بقطع مكّنتهم من قتل مدنيين فلسطينيين".
واعتقلت الشرطة الدنماركية بضعة محاصرين لمصنع تيرما، قبل أن يذهب "إزاك" برفقة العشرات من الشباب الدنماركي لمحاصرة مقرّ الشرطة الرئيسي وسط آرهوس، رافعين لافتات وأصوات منددة بتصرفات الشرطة وداعية إلى معاقبة الاحتلال على جرائم الإبادة.
ويبدو اليوم، بحسب هؤلاء الذين يتحركون على الأرض، أن "وزارة الخارجية الدنماركية اضطرت إلى تقييم ملموس لخطر المشاركة في جرائم الحرب".
وعن السبب في إخفاء وجوههم خلال الاحتجاجات، أكد المحتجون في آرهوس لـ"العربي الجديد"، أنهم حرصاء على ارتداء الكوفية الفلسطينية بصورة تخفي هوياتهم بسبب تصوير الشرطة "وزيارة رجال الاستخبارات الدنماركية بيوت بعض النشطاء".
ومع التطورات الأخيرة، بات لارس لوكا راسموسن يخسر في الاستطلاعات الأخيرة عدداً واسعاً من الشباب من أصول مهاجرة ممن دعموه حين أسس في 2022 حزبه الجديد "المعتدلون".
وأدت مواقفه المهادنة لمواقف رئيسة حكومته فريدركسن، ودخوله في سجالات، إلى تراجع شعبيته بينهم، بحسب ما يذكر الباحث الدنماركي جون غراوسغورد لـ"العربي الجديد".
في غضون ذلك، رحب اليسار الدنماركي، اللائحة الموحدة "انهدسليستا"، على لسان المتحدثة باسم الشؤون الخارجية فيه، ترينا بيرتو ماك، بهذا التغيير في مواقف الحكومة الدنماركية، معتبرة إياه "رد فعل على الضغط السياسي" الذي مارسته أجزاء من البرلمان في هذه القضية.
وكُشف النقاب اليوم الأربعاء عن تعليق التصدير، جاء في ضوء تحذيرات خبراء من أنّ الدنمارك على حافة تحمّل مسؤولية عن جرائم حرب وإبادة.
وتوجه القانونيون في "الشرطة الوطنية" الدنماركية إلى وزارة الخارجية، منذ 15 فبراير/ شباط الماضي، لإبداء الرأي في ما يتعلق بمنح رخص تصدير معدات تستخدم في طائرات إف 35.
ورأى الخبير في القانون الدولي هارتمان، أن اللغة التي توجهت بها الشرطة من خلال وزارة العدل كتبت بلغة دبلوماسية "في محاولة ألا تعترف بأي شيء، لكن بين السطور يبدو أن هناك تنازلاً كبيراً".
وكان هارتمان بنفسه، إلى جانب قانونيين دوليين آخرين، قد حذروا منذ العام الماضي من أن الممارسات الدنماركية المتساهلة في التصدير إلى إسرائيل "تعتبر تحايلاً غير قانوني على القواعد الدولية لصادرات الأسلحة".
تغطية جرائم الاحتلال تساهم في التغير
وجاء الخناق القانوني والشعبي - السياسي على سياسات كوبنهاغن، مترافقاً مع إبراز وسائل الإعلام بصورة أكبر ممارسات جيش الاحتلال واستهدافه المدنيين في غزة.
ويبدو أن المستوى الرسمي بات يشعر بأنه يقع في محظور اتهامه بالمشاركة في "ارتكاب جرائم حرب، في كل مرة يتم فيها تصدير الأسلحة إلى إسرائيل"، كما أكد الخبراء في عدد من المرات التي أجري فيها تحقيقات صحافية من صحيفة "إنفورماسيون" ومؤسسة "دان ووتش"، حيث يُمنع تماماً مساندة طرف من خلال المعدات العسكرية، إذا كان هناك أدنى مخاطرة من استخدامها في ارتكاب جرائم حرب.
ومشكلة الدنمارك في السياق الغربي أنها لم تأخذ كثيراً بالاعتبار ما يُسمى "ظروفاً ذات صلة بالبلد المتلقي النهائي لتلك المعدات"، حيث ظلت تعلل على مدار 10 سنوات من السجال أن مصانعها تصدّر إلى الولايات المتحدة الأميركية، بينما تحطّ المعدات في دولة الاحتلال.
ولا يمكن فصل التغير الدنماركي عن التجربة الهولندية، بعد إصدار محكمتها العليا حكماً اعتبر تصدير معدات إف 35 إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، ما أدى إلى حظرها خشية استخدامها في ارتكاب جرائم حرب في غزة. وبرغم استئناف الحكومة الهولندية، إلا أن التصدير عُلِّق.