"الدعم السريع" تستبيح نيالا: قتل ونهب وتهجير

02 نوفمبر 2023
مستودع طبي مدمر في نيالا، مايو الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تعيش مدينة نيالا غربي السودان، أوضاعاً صعبة بعدما شهدت خلال الأيام الماضية اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتسبّبت المعارك بين الطرفين في سقوط عدد من الضحايا المدنيين وتدمير مزيد من أجزاء المدينة، مع انقطاع كامل لشبكة الاتصال وتعرّض الأسواق والمنازل للنهب. وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة نيالا بعد قتال خاضته في مواجهة الفرقة 16 مشاة التابعة للجيش، وتمكّن الكثير من المواطنين من الفرار إلى مناطق أخرى، فيما بقي آخرون عالقين داخل أحياء المدينة التي تعرّضت للاستباحة من المليشيات المساندة للدعم السريع.

ومدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، هي ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة الخرطوم، وتبعد عنها حوالي 900 كيلومتر، وهي واحدة من المدن القليلة التي نشأت أصلاً كمدينة، وتتقاطع عندها الطرق من شرق وغرب وجنوب وشمال السودان، وتمثل مركزاً رئيسياً لتجارة الصمغ العربي، وتسكنها العديد من القبائل، كما لدى الولاية حدود برية مع دولتي جنوب السودان وأفريقيا الوسطى.

سيطرة الدعم السريع بعد معارك عنيفة

وكثفت قوات الدعم السريع منذ نحو أسبوع هجماتها على الجيش، خصوصاً على مقر قيادة الفرقة 16 مشاة، فيما تدخّل الطيران الحربي التابع للجيش وظل يقصف تجمّعات وتحركات الدعم السريع، قبل أن تتمكن الأخيرة من السيطرة على قيادة الفرقة وانسحاب الجيش، الأمر الذي زاد من عمليات نزوح المواطنين، فيما التزمت قيادة الجيش الصمت ولم تصدر أي بيان حول ما حدث في المدينة. وعيّنت الدعم السريع ضابطاً برتبة عقيد يدعى صالح الفوتي قائداً مكلفاً للفرقة 16 حسبما نشرت على حسابها بموقع "إكس" يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مواطنة من نيالا: الأوضاع كارثية في المدينة، إذ انقطعت الاتصالات منذ أكثر من شهر وأُغلقت الأسواق وحصل شح بالطعام

وتأتي هذه التطورات الميدانية بالتزامن مع بدء محادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية برعاية سعودية أميركية. وتتركز المحادثات بين الطرفين على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وتحقيق وقف إطلاق النار، وإجراءات بناء الثقة، إلى جانب إمكانية التوصل لوقف دائم للأعمال العدائية. وقال الميسّرون للمحادثات (السعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" مع الاتحاد الأفريقي) في بيان يوم 29 أكتوبر الماضي، إن المحادثات لن تتناول قضايا ذات طبيعة سياسية.

وعن الأوضاع في نيالا، قال الشاب علم الدين، الموجود داخل نيالا، أمس الأربعاء لـ"العربي الجديد"، إن هناك هدوءاً حذراً يسود المدينة بعد انسحاب الجيش وتوقف المعارك، وتحاول "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" إجلاء من تبقّى من المواطنين، مبيناً أن هناك جثثاً ما زالت في الشوارع قرب قيادة الجيش، كما قُتل عدد من المواطنين جراء انفجار لغم أرضي بالقرب من قيادة الفرقة 16 مشاة التي أصبحت خالية.

وبحسب علم الدين، هناك أحياء مثل الجير والنهضة تعرضت لاعتداءات عنيفة من قبل الدعم السريع، وتم نهب كل شيء. وأشار إلى أنه حالياً يتم قتل أو اعتقال أي شاب من حي الجير بسبب اتهامهم من الدعم السريع بدعم الجيش وإغلاق الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العسكرية في المدينة، وهناك جثث تم دفنها من قبل الهلال الأحمر السوداني. وتابع: "قوات الدعم السريع تقيم حالياً نقاط تفتيش تقول إنها لمحاربة اللصوص".

من جهتها، قالت المواطنة منى، التي تمكنت من الفرار هي وأسرتها إلى مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي ظل يقصف حي الثورة حيث كانت تقطن بسبب وجود عدد من عناصر الدعم السريع في الحي، وكذلك أطلق الجيش القذائف ورصاص القنص. وتابعت "عندما يسمع عناصر الدعم السريع صوت الطائرات يهربون، فيما نبقى نحن على الأرض حتى تنتهي الغارة".

ولفتت إلى أن الأوضاع كارثية في المدينة، إذ انقطعت الاتصالات منذ أكثر من شهر وأُغلقت الأسواق وحصل شح بالطعام، مضيفة "كان حيّنا أقل تضرراً بالمقارنة مع أحياء الجير والواحة والنهضة التي تحولت إلى جحيم، لقد نهبت قوات الدعم السريع البيوت واعتدت على الفتيات، وكان هناك شباب أقاموا نقاطاً لحماية الأحياء من اللصوص تم قتل بعضهم واتهامهم بإغلاق الطريق إلى قيادة الجيش".

وأشارت منى إلى أنهم نزحوا مع الكثير من الأسر إلى الفاشر حاملين ما توفر لهم، وهناك أسر تشتت أفرادها ولم تعد تملك شيئاً بعد نهب كل ممتلكاتهم. ولفتت إلى أن "الطريق كان صعباً، ونصبت الدعم السريع نقاط تفتيش، وكانوا يوقفوننا ويسألوننا عن الأوراق الثبوتية، ويتشددون مع الشباب ويفتشون هواتفهم، لقد هرب البعض سيراً على الأقدام، وهناك من ساعدته القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح".

و"القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" هي قوة مشكلة من مجموعة من الحركات المسلحة التي كانت تقاتل الحكومة في دارفور ووقّعت على اتفاق سلام، وهدف القوة المشتركة حماية المدنيين ومساعدة قوات الحكومة.

أوضاع كارثية في نيالا

من جهته، قال المواطن عبد العظيم طاهر، من سكان نيالا، لـ"العربي الجديد"، إن المدينة تحوّلت إلى ساحة معركة بين الجيش والدعم السريع. وأشار إلى أن الأوضاع كارثية جداً، خصوصاً أن هناك آلاف المدنيين لم يتمكنوا من الفرار وما زالوا عالقين داخل منازلهم، وأنه ومن معه نزحوا إلى الفاشر لكن الكثيرين لا يملكون وسيلة نقل ولا أموالا.

"القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" تؤكد أنها محايدة وستبقى في المدينة

ولفت طاهر إلى أنه "لا يمكن أن تدخل أي مركبات لنقل العالقين حالياً، والعدد القليل من السيارات التي تعمل الآن في النقل مملوكة لأشخاص ذوي علاقة بالدعم السريع، وحتى الذين تمكنوا من الفرار إلى مدينة الضعين في شرق دارفور والفاشر في شمال دارفور أوضاعهم سيئة للغاية، إذ لا يملكون المال ولم يحصلوا على مساعدة من أي منظمات". وتابع: "يعاني العالقون من انقطاع الماء والكهرباء والاتصالات، إلى جانب توقف المستشفيات، وكان المستشفى الوحيد الذي يعمل هو المستشفى الإيطالي للأطفال، وتم اقتحامه من قوات الدعم السريع قبل أيام وتحويله إلى ثكنة عسكرية، وكذلك المستشفى التركي متوقف عن العمل".

وأضاف طاهر أن "المدينة تتعرض لعمليات نهب واسعة، ويتم نقل البضائع والمنهوبات في شاحنات في وضح النهار، لافتاً إلى أنه "حدثت جرائم شخصية وعمليات استهداف لعسكريين متقاعدين وعناصر شرطة، وصارت المدينة في وضع لم نشهده من قبل، حيث السيطرة الكاملة للدعم السريع التي تتنقل من حي إلى آخر".

من جهته، قال المتحدث باسم "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" الرائد أحمد حسين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه خلال الأيام الماضية ازدادت وتيرة الاشتباكات داخل المدينة، مما أدى إلى تزايد عدد الضحايا وسط المدنيين نتيجة القصف العشوائي والانفجارات التي لم تنقطع لأسبوع.

واشار إلى أن بعض الأسر قررت مغادرة مدينة نيالا، لذلك قامت "القوة المشتركة" بإجلائها إلى مناطق آمنة خارج محيط الاشتباكات، واتجهت عمليات الإجلاء نحو مناطق لبدو ومهاجرية ولادوب، وهي مناطق تقع شرق نيالا، وتم إيصال عدد من الأسر إلى مدينة الفاشر، وكان التحدي الأكبر هو شح الوقود ووعورة الطريق.

وأضاف حسين: "نحن في القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح أعلنا موقفاً واضحاً وصريحاً من هذه الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع، وهو موقف الحياد، وظللنا نحمي المواطنين وممتلكاتهم داخل بعض المدن مثل الفاشر ونيالا، وأيضاً الأسواق والقوافل الإنسانية والتجارية والمؤسسات والمنظمات". وأكد أن قواتهم لن تغادر مدينة نيالا إطلاقاً، وأنهم الآن يرابطون في مواقعهم، معتبراً أنه ليس هناك ما يدعو القوة المشتركة لمغادرة نيالا لأنها طرف محايد ورافض للحرب ويدعو للسلام، وتعمل على إجلاء المدنيين إلى مناطق آمنة بعيداً عن دائرة الاشتباكات.

وكانت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في السودان، قد قالت في بيان في 27 أكتوبر، إن الوضع في مدينة نيالا مأساوي، وإن التطورات الأخيرة تعرّض حياة المدنيين للخطر، بما في ذلك حياة اللاجئين والنازحين داخلياً. وجددت دعوتها "للأطراف لضمان حماية المدنيين والمرور الآمن للمساعدات الإنسانية".

المساهمون