من المتوقع أن يُوضع ملف اللجنة الدستورية المجمّد منذ منتصف العام الحالي على طاولة التفاوض في الجولة المقبلة من مسار أستانة، المقررة يومي 22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وذلك لتحديد موعد جولة جديدة من اجتماعات هذه اللجنة التي واجهت، خلال العام الحالي، عقبات روسية كادت أن تطيحها.
وذكر أحمد العسراوي، وهو ممثل "هيئة التنسيق الوطنية" في اللجنة الدستورية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مسألة تحديد موعد لانعقاد الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية "يمكن أن تُدرس في الجولة المقبلة من مفاوضات أستانة".
وأعلن نائب وزير الخارجية، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قبل أيام، أن الاجتماع الدولي المقبل حول سورية بصيغة أستانة سيُعقد يومي 22 و23 نوفمبر الحالي، مشيراً إلى أن الجولة تعقد بمشاركة الثلاثي "الضامن" (روسيا وتركيا وإيران)، وممثلين عن الأطراف السورية والدول المراقبة.
إزالة العقبات أمام اجتماعات اللجنة الدستورية
وفي السياق، أكد عضو اللجنة الدستورية محمد نوري أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يُحدد حتى اللحظة موعد الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة"، مشيراً إلى احتمال الإعلان عن الموعد خلال اجتماعات أستانة. كما أكد أنه "أُزيلت العقبة التي كانت تحول دون عقد جولة تاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وهي المكان الذي تعقد فيه"، مضيفاً: الاجتماعات ستعقد في مدينة جنيف السويسرية.
أحمد: اجتماعات اللجنة الدستورية ستعقد في مدينة جنيف
وكانت موسكو قد حاولت، منتصف العام الحالي، دفع الأمم المتحدة لنقل مكان اجتماعات اللجنة الدستورية خارج جنيف، واقترحت مسقط أو أبوظبي أو الجزائر، وهو ما فسر بأنه في سياق الضغط الإعلامي على سويسرا للتخفيف من حدة مواقفها إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، في حينه، إن بلاده تريد نقل موقع المفاوضات حول الدستور السوري من جنيف، مضيفاً: "الموضوع ليس تقنياً ولوجستياً فقط، وإنما له طابع سياسي، في ظل العقوبات السويسرية ضد روسيا، وفي هذه الأجواء، يصبح من الصعب علينا العمل هناك".
وأدى التعنّت الروسي إلى تأجيل انعقاد الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي كانت مقررة ما بين 25 و29 يوليو/تموز الماضي. وكانت الأمم المتحدة والمعارضة السورية قد رفضتا الإملاء الروسي الذي يهدف إلى سحب مرجعية العملية السياسية التفاوضية بملفاتها الأربعة (الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب) من الأمم المتحدة.
وجاءت المحاولة الروسية نقل مكان التفاوض حول الدستور السوري من مدينة جنيف في سياق محاولات موسكو المستمرة للاستحواذ على القضية السورية بكل تفاصيلها، وفرض حلول سياسية تناسب رؤية موسكو حيال الأوضاع في سورية، وفي مقدمتها بقاء النظام الحاكم الذي يرأسه بشار الأسد، كونه الضمان للمصالح الروسية في شرق المتوسط.
لا نتائج إيجابية للمسار السياسي
وتأتي التطورات المتوقعة على المسار الدستوري بعد تقارب أمني تركي مع النظام السوري، ربما ينتقل إلى المستوى الدبلوماسي، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على العملية السياسية التي تراوح مكانها منذ نحو 10 سنوات.
وفي هذا الصدد، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" للدراسات، الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد" أن "هناك أجواء سياسية جديدة في المنطقة، ربما تنعكس على أعمال اللجنة الدستورية في حال كانت هناك توافقات روسية تركية".
وأشار سالم إلى أن "آليات العمل الحالية في اللجنة الدستورية بطيئة"، مضيفاً: لن تثمر بسرعة عن دستور جديد، حتى لو كان هناك توافقات". وأعرب عن اعتقاده بأن "التقدّم في اللجنة الدستورية قد يطول بسبب طبيعة هذه اللجنة".
وكانت اللجنة الدستورية التي شكّلتها الأمم المتحدة من النظام والمعارضة والمجتمع المدني من الجانبين، قد بدأت عملها أواخر عام 2019 وخاضت جولات عدة، جاءت نتائجها مخيبة للآمال بسبب محاولات النظام المستمرة تمييع هذا المسار، إذ لم يتعامل بجدية مع العملية السياسية ككل.
أدى التعنّت الروسي لتأجيل الجولة التي كانت مقررة في يوليو
وتناولت الجولة الثامنة، التي عقدت في 30 مايو/أيار الماضي وانتهت في 3 يونيو/حزيران الماضي، العديد من القضايا الدستورية التي قُدّمت من الوفود الثلاثة، من قبيل "الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور، وموقف المعاهدات الدولية، والعدالة الانتقالية"، إلا أن اللجنة المصغرة لم تنجح في كتابة أي مادة من مواد مشروع الدستور.
ولا يزال النظام يصر على أن عمل اللجنة الدستورية ينحصر في تعديل مواد في دستوره الذي وضعه عام 2012 في سياق محاولات لم تنجح لوأد الثورة. بينما تريد المعارضة دستوراً جديداً يحد من صلاحيات منصب رئيس الجمهورية، وتجرى على أساسه انتخابات تحدد مستقبل البلاد وفق ما ينص عليه القرار الدولي 2254، المستند إلى بيان جنيف 1 الذي صدر في منتصف عام 2012، والذي رسم خريطة حل للقضية السورية، تنص على "إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية".
ويعدّ مبدأ اللجنة الدستورية نتاج مؤتمر سوتشي، أو ما سمي بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" الذي عقد مطلع 2018 بحضور وفد موسع مثّل النظام والموالين له والبعض من قادة المعارضة المتباينة المواقف.
واستجابت المعارضة لضغوط إقليمية ودولية، ووافقت على الانخراط في العملية الدستورية قبل التفاوض على الانتقال السياسي في مخالفة للقرارات الدولية، في محاولة لإحداث اختراق يمكن البناء عليه لاحقاً للتوصل إلى حل سياسي شامل.
ولكن النظام قابل "التنازل" من قبل المعارضة بمزيد من التصلّب مستنداً إلى دعم روسي وإيراني واسع، ومستفيداً من "تراخٍ" غربي، خصوصاً من الولايات المتحدة التي تكتفي بالبيانات السياسية التي تدعو إلى التوصل إلى حل، من دون ممارسة ضغوط، ما خلا العقوبات التي لم تجبر النظام حتى اللحظة على الجلوس على طاولة مفاوضات جادة.
ويبدو أن المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، لم يفقد الأمل بعد في تحقيق اختراق في المسار الدستوري يمكن أن ينسحب على باقي سلال التفاوض بين النظام والمعارضة، إلا أن المعطيات والوقائع تؤكد أن طريقة تعاطي النظام مع العملية السياسية لم تتغير.