يشكل انتقال وهج الانتفاضة الفلسطينية ولهيبها في الأسبوعين الأخيرين إلى مدينة الخليل، نقطة فارقة في نظر سلطات الاحتلال وفي تقديراتها العسكرية لجهة احتمالات السيطرة على الانتفاضة وكسر شوكتها، على غرار ما تمكن الاحتلال، مؤقتاً، من تحقيقه في القدس المحتلة بفعل الممارسات التي فرضها هناك، بدءاً من تطويق الأحياء الفلسطينية وتحويلها إلى غيتوهات (معازل) لا يمكن الدخول إليها والخروج منها من دون تفتيش أمني دقيق. ويضاف إلى ذلك، استمرار حملات الاعتقالات في صفوف الأهالي، ولا سيما الشباب بالاعتماد على مئات بل آلاف الصور التي تم التقاطها خلال أعمال المقاومة والمواجهات مع قوات الاحتلال.
وقد استنفر الاحتلال قواته في المدينة وحولها عبر استدعاء ست فرق عسكرية من جهة، وشن حملات اعتقال طالت في الأسبوعين الأخيرين أكثر من مائتي فلسطيني من جهة ثانية. ويضاف إلى ذلك فرض قيود شديدة على تحرك السكان الفلسطينيين في المدينة ومنعهم من دخول شارع الشهداء، وإغلاق المحال التجارية الفلسطينية القريبة من البؤر الاستيطانية اليهودية في المدينة التي تحمل مسميات "بيت هداسا وتل رميدة"، حيث يعيث المستوطنون فساداً تحت حماية جيش الاحتلال ولا يتوقفون عن التحرش واستفزاز أهالي المدينة.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن ضابط يخدم في مدينة الخليل قوله "إننا ندرك أنه يوجد هنا أمر مغاير كلياً، مركب شائك ومختلف، ويجب على إسرائيل مواجهته والتعامل معه". وبحسب الضابط المذكور، فإن أكبر تحدٍ في الخليل هو في الحرم الإبراهيمي. وقد سبق للاحتلال أن قام بتقسيم الحرم الإبراهيمي واقتطاع قسم من المسجد وتحويله إلى كنيس يهودي، وهو النموذج الأوّلي للمخططات التي يخشى الفلسطينيون من تكرارها في المسجد الأقصى المبارك.
اقرأ أيضاً: الخليل... "توأم القدس" تقود الانتفاضة كي لا تصدَّر مأساتها
ويدرك الاحتلال الفارق الكبير بين القدس والخليل من حيث كون الأخيرة تقع ضمن المنطقة "أ" حسب اتفاق أوسلو، ولا تخضع، خلافاً للقدس، للسيطرة المطلقة لسلطات الاحتلال وشرطته. وبالتالي فإن قدرات السيطرة الإسرائيلية على المدينة التي تقر تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية بوجود تأثير ومد كبير فيها لحركة "حماس"، تكاد تكون معدومة. وتعني محاولة السيطرة عليها إسرائيلياً، وجوب شن عملية عسكرية لإعادة احتلال المدينة كلياً، وهو ما قد ينسف ما تبقى من اتفاق أوسلو.
ولا يتوقف الأمر عند وجود السلاح بوفرة في الخليل. لكن تتوفر أيضاً الخبرة لاستعمال السلاح وخبرات قتالية أخرى، ترشّح المدينة لأن تكون طليعة انتقال الانتفاضة، انتفاضة القدس، إلى انتفاضة مسلحة، وتحول انتفاضة القدس من عمليات الطعن بالسكاكين والدهس إلى عمليات مواجهة عسكرية، أو على الأقل عمليات يستخدم فيها السلاح الناري، ونصب الكمائن واستهداف الجنود والمستوطنين.
في غضون ذلك، يشير أمير بوحبوط، في موقع "والاه" الإسرائيلي، إلى أنّ الخليل تتطلب استعداداً مغايراً، فجنود الاحتلال من وحدات جفعاتي قد "عمّروا" بنادقهم بالرصاص الحي، ولا سيما في ظل الخوف الدائم من الهجوم عليهم واستهدافهم، في مدينة يبلغ فيها التوتر أعلى درجاته، بحسب توصيف بوحبوط.
وبات الاحتلال يطلق على الخليل اليوم، بعد انتقال لهب الانتفاضة إليها، "عاصمة الإرهاب"، على حد تعبيره. فكل حركة أو كلمة في المدينة قادرة على إشعال الوضع كلياً وانفجار "برميل البارود" الذي تجلس عليه المدينة، وظل فتيله بأيادي جنود وحدة جفعاتي.
وبحسب التقرير في موقع "والاه"، فإن التحدي الأكبر لقوات الاحتلال في الخليل هو مضاعف، إذ يتعيّن إيجاد طرق ووسائل لتأمين وحراسة المستوطنين في قلب المدينة العربية من جهة، ومنع احتمال خروج أحد أبناء المدينة إلى تنفيذ عملية في الضفة الغربية أو في القدس المحتلة من جهة ثانية، ولا سيما أنّ نحو 15 ألف فلسطيني من الخليل يعملون خارج المدينة ويحملون تصاريح للعمل في إسرائيل، منهم 4300 تاجر، وكل ذلك وسط محاولة تفادي انفجار غضب أهالي المدينة وتحوله إلى مواجهات عارمة مع قوات الاحتلال.
وبحسب التقرير، يحاول الجانب الإسرائيلي نسب تراجع وضعف تأثير أجهزة السلطة الفلسطينية في ضبط المدينة، كما هو الحال في رام الله، إلى تفوّق قوة المجتمع الخليلي ونظام العائلات على سطوة السلطة الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: حواجز الضفة الغربية: غيتوهات من صنع الاحتلال