الخليل تحت وطأة اعتداءات المستوطنين في الأعياد اليهودية

24 نوفمبر 2024
مستوطنون مسلحون خلال احتفال استفزازي في الخليل، 16 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت البلدة القديمة في الخليل لاعتداءات من المستوطنين خلال عيد "سبت حكاية سارة"، حيث شملت الانتهاكات إلقاء الحجارة وتدمير الممتلكات تحت حماية قوات الاحتلال، مع فرض قيود عسكرية مشددة على حركة السكان.
- تضمنت الاحتفالات اليهودية حضور شخصيات بارزة مثل إيتمار بن غفير، واشتملت على صلوات ورقصات في المسجد الإبراهيمي، مع اقتحام المقبرة الإسلامية والاعتداء على المحال التجارية.
- ساهم التعاون بين السكان والنشطاء في توثيق الانتهاكات، رغم فرض قيود إضافية على المسجد الإبراهيمي ومحاولات تغيير طابعه الديني.

تتحول البلدة القديمة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة إلى مسرح لاعتداءات المستوطنين وهجماتهم تحت غطاء الاحتفالات بالأعياد اليهودية، التي كان آخرها ما يسمى عيد "سبت حكاية سارة"، حيث عاش سكّان المناطق المحاصرة في البلدة تحت وطأة الانتهاكات الصارخة طوال 48 ساعة الماضية.

وخلال احتفالات المستوطنين في هذا العيد، تحوّلت الطرقات المحيطة بالحرم الإبراهيمي إلى مسرح لعنف منظم يقوده ويدعمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير الذي يعيش في مستوطنة "كريات أربع" شرق المدينة. يشنّ المستوطنون الاعتداءات على شكل إلقاء الحجارة على نوافذ المنازل، وتدمير الأبواب، وتهديد السكان الأصليين بالسلاح، ورفع شعارات عنصرية تدعو إلى إبادة العرب، وطردهم من أرضهم. وكل ذلك بينما يجوبون الأحياء في حالة فقدان للوعي بفعل الإفراط في شرب الخمر، وفق ما يقول منسق "تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان"، بديع دويك لـ"العربي الجديد".

ولفت دويك إلى أنهم رصدوا عشرات الاعتداءات، خصوصاً في مناطق "تل الرميدة، وحارة جابر، وحارة السلايمة، وواد الحصين وشارع الشهداء"، وهي الأحياء المعروفة بالمناطق المحاصرة التي يمنع على سكّانها الأصليين الدخول أو الخروج من منازلهم أو الحركة فيها خلال فترة الأعياد اليهودية. وقام المستوطنون خلال المسيرات والاحتفالات الاستفزازية بتنظيم رقصات على أسطح المنازل في منطقة تل الرميدة، وإطلاق الشتائم الخادشة للحياء على مسمع أصحاب المنازل وتهديدهم بالقتل.

وبدأت سلسلة الاعتداءات العنيفة بحق الفلسطينيين انطلاقًا من البؤر الاستيطانية الغربية في البلدة القديمة، مثل تل الرميدة وإبراهيم أفينو، وامتدت إلى مناطق الدبويا وشارع الشهداء، مرورًا بالأحياء الداخلية المحاصرة.

في هذه المواقع، اجتمع عشرات آلاف المستوطنين الذين تدافعوا من مختلف المناطق، بما في ذلك شرق المسجد الإبراهيمي من حارة جابر وحارة الجعبري، وفي مستوطنتي خارصينا وكريات أربع. 
وتخللت الاحتفالات صلوات تلمودية جماعية ورقصات صاخبة في باحات المسجد الإبراهيمي، بحضور شخصيات بارزة مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وعدد من كبار حاخامات مستوطنات الخليل.

هذا المشهد، الذي يمثل تعديًا صارخًا على حقوق المواطنين الفلسطينيين، يعكس حالة من الفوضى المنهجية التي تستهدف فرض سياسة الأمر الواقع في قلب الخليل، والتضييق المفضي إلى التهجير القسري. وعلاوة على الاعتداءات التي استهدفت منازل الفلسطينيين في البلدة القديمة بالخليل، كثّفت سلطات الاحتلال من القيود العسكرية بنشر عشرات الحواجز في مختلف أرجاء المنطقة. وبلغ إجمالي العوائق الحركية 111 عائقًا، تنوّعت بين حواجز حديدية، وبوابات إلكترونية، وسواتر ترابية، ومكعبات إسمنتية، وعوائق حجرية وفقًا للناشط بديع دويك، الذي أوضح أن هذه الإجراءات جعلت من الحركة شبه مستحيلة، حيث أغلقت البلدة بالكامل منذ صلاة الجمعة الماضية، ولم يُسمح لأي فلسطيني بالتحرك داخل المنطقة.

الصورة
جنود الاحتلال خلال محاصرة المنازل الفلسطينية في الخليل بالتزامن مع احتفالات المستوطنين واعتداءاتهم / 16 نوفمبر 2024 (Getty)
جنود الاحتلال خلال محاصرة المنازل الفلسطينية في الخليل بالتزامن مع احتفالات المستوطنين واعتداءاتهم، 16 نوفمبر 2024 (Getty)

وأشار دويك إلى تصعيد جديد في الانتهاكات التي شهدها عيد "سبت حكاية سارة" هذا العام، تمثل في اقتحام المستوطنين للمقبرة الإسلامية الواقعة قرب شارع السهلة وشارع الشهداء في البلدة القديمة بالخليل. خلال هذه المسيرات الاستفزازية، داست أقدام المستوطنين القبور الإسلامية، بينما كانوا يلوحون بالأعلام الإسرائيلية، في مشهد استفزازي صارخ.

كذلك صعد عشرات المستوطنين على سطح مدرسة "أسامة بن المنقذ"، المعروفة سابقًا بساحة البلدية، التي استولى عليها المستوطنون عام 1982 وحوّلوها إلى بؤرة استيطانية تحت اسم "بيت رومانو"، وألقوا الحجارة على المحال التجارية الفلسطينية، متسببين في تكسير نوافذ العديد منها، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال.

وقبيل بدء هذه الاعتداءات التي تنفذ تحت غطاء ما يسميها المستوطنون "احتفالات"، أقدمت سلطات الاحتلال على تعزيز سياسات التضييق على الفلسطينيين في البلدة القديمة من الخليل، حيث نُشرت ملصقات على الحواجز التي تفصل بين الأحياء، تحمل تحذيرات صارمة كُتب عليها: "المحور مسدود حتى إشعار آخر، وسيُقبَض على أي شخص يحاول المرور". فيما وزعت منظمة "لاهافا" اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، والمعروفة بعدائها الشديد للوجود الفلسطيني، منشورات على جدران الأحياء المغلقة تصف السكان المحليين بأنهم "إرهابيون يجب القضاء عليهم". هذه المنشورات لم تكن موجودة في السابق، وإنما وضعت بالتزامن مع الأعياد اليهودية، وخصوصاً عيد "سبت سارة".

وجاءت كل هذه الاعتداءات بعد دعوات مصوّرة وجهها، من أمام المسجد الإبراهيمي، الوزير المتطرف بن غفير، ورئيس مستوطنات الخليل، إيال جلمان، ومن باروخ مارزل أحد كبار حاخامات مستوطنات الخليل الذي يستوطن في تل الرميدة، ومن نعوم عرنون أحد مؤسسي مستوطنات الخليل.

ومع ذلك، أوضح دويك أن الاعتداءات التي رافقت العيد اليهودي هذا العام جاءت بحدة أقل مما كان متوقعًا، مرجعًا ذلك إلى عامل أساسي يتمثل بالتعاون الفعّال بين أهالي المنطقة والنشطاء الدوليين، فقد نسّق السكان مع صحافيين أجانب ونشطاء حقوقيين تمكنوا من الوصول إلى أقرب نقطة من المناطق المغلقة، بهدف توثيق الأحداث والانتهاكات، ما شكّل نوعًا من الردع، حيث تراجعت الهجمات الموسعة التي خطط المستوطنون لتنفيذها.

وفي المسجد الإبراهيمي، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي واقعًا جديدًا هذا العام خلال الأعياد اليهودية، إذ زادت عدد أيام إغلاق المسجد أمام المسلمين إلى 12 يومًا بدلاً من 10 أيام حددتها سابقًا لجنة "شمغار" الإسرائيلية، بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي التي نفذها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين في 25 فبراير/شباط 1994.

وشهد المسجد الإبراهيمي خلال هذه الإغلاقات انتهاكات متعددة، حيث استُخدم القسم الإسلامي منه لإقامة حفلات صاخبة، مع رفع الأعلام الإسرائيلية على جدرانه، وترك المستوطنون وراءهم بقايا من زجاجات الخمر ومخلفات الطعام، في مشهد يتنافى مع حرمة المكان. كذلك استمرت سياسة منع رفع الأذان في المسجد ومنع سدنته من دخوله، ما يفاقم من محاولات الاحتلال لتغيير طابعه الديني والتاريخي، وفق دويك.

المساهمون