لا يزال زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، الذي تصدّر تحالفه نتائج الانتخابات العراقية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بـ 74 مقعداً (من أصل 329) يصرّ على عدم مشاركة زعيم ائتلاف "دولة القانون" ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في الحكومة المقبلة.
ولم تسفر أي من الوساطات بما فيها الخارجية المتمثلة بزيارة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، الأخيرة إلى العراق، عن نتائج حاسمة وواضحة فيما يتعلق بإقناع الصدر برفع الفيتو عن المالكي.
وحول ذلك، قال الخبير العراقي بالشأن السياسي أحمد الحمداني، إنّ "الصراع الحالي بين الصدر والمالكي تحوّل من تنافس سياسي بين حزب الدعوة والتيار الصدري تحت عناوين مختلفة على اعتبار أنّهما تكتلان فكريان وعقائديان رئيسان في الساحة العراقية، إلى عداء شخصي بين الرجلين".
وأضاف الحمداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أنّ "نجاح الصدر في إقصاء المالكي عن الواجهة في الحكومة العراقية المقبلة، يعني تراجع تأثير المالكي وحزبه (الدعوة)، وهو ما يخشاه حلفاء المالكي أيضاً كونه إضعافاً كاملاً لجبهتهم، كما أنه يؤسس لتكرار ذلك مع قوى أخرى".
كذلك لفت إلى أنّ "الصدريين يحملون خطاباً واضحاً وهجومياً منذ سنوات تجاه المالكي بسبب إخفاقات كبيرة منها الفساد المالي وهدر عشرات المليارات والتوتر الطائفي وصولاً إلى سقوط مدن شمال وغرب العراق بيد تنظيم داعش، لذا فإنّ مسألة عودة قبولهم للتحالف معه، تضر بخطاب ومصداقية الصدر أمام جمهوره".
"صولة الفرسان"
ويعود الخلاف بين الصدر والمالكي إلى العام 2008، (إبان الاحتلال الأميركي للعراق) عندما أطلق المالكي خلال ترؤسه الحكومة الأولى له، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من عناصر "التيار الصدري" خلال مواجهات واسعة استمرت عدة أسابيع، وكانت تحت عنوان ضبط الأمن وسيادة القانون في تلك المناطق، لكن مراقبين أكدوا أنّ صراع النفوذ كان هو المحرك الأول لتلك العمليات آنذاك.
وبعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس/آذار 2010، عارض الصدر بشدة التجديد للمالكي لولاية ثانية، إلا أنّ الضغوط الإيرانية التي مورست على الصدر (الذي كان متواجداً في إيران) وعلى قوى سياسية أخرى، أدت إلى تمرير حكومة المالكي الثانية التي استمر خلالها الشد والجذب بينهما.
وعام 2011 عاد الصدر إلى منزله في منطقة الحنانة بالنجف جنوبي العراق، بعد أربع سنوات قضاها في إيران لدراسة العلوم الدينية.
وتجددت الخلافات بين الطرفين بعد مشاركة نواب من كتلة "الأحرار" الصدرية في حراك لاستجواب وإقالة المالكي عام 2012 على خلفية اتهامات بالفساد وسوء استخدام السلطة.
وبعد سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد "داعش" عام 2014 وجه الصدريون اتهامات للمالكي بالتسبب بسيطرة التنظيم الإرهابي على ثلث الأراضي العراقية.
وكان الصدر من المؤيدين لتولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة التي تشكلت عام 2014، ما أثار غضب المالكي الذي كان يبحث عن ولاية ثالثة.
ووضع الصدر الذي تصدرت كتلته "سائرون" نتائج انتخابات 2018 شروطاً وصفت بـ "التعجيزية" على المالكي للمشاركة في الحكومة التي تشكلت من دون "ائتلاف دولة القانون".
"البطة"
ومطلع عام 2021، عاد التراشق بالتصريحات بين المالكي والصدر. وبدأ التراشق بتصريحات أدلى بها المالكي لمحطة فضائية عراقية، قال فيها إنه لن يسمح لـ "البطة أن ترعب الناس مجدداً كما لم أسمح لها في السابق"، مؤكداً أنه يريد "شعباً آمناً وأمة تعيش بسلام". وأشار إلى أنه سيتصدى للخارجين عن القانون، وسيقف ضد أي قوة سياسية تتبنى منهج القوة في إدارة البلاد.
و"البطة" هي تسمية شعبية في العراق لنوع من السيارات كان يستخدمها عناصر مليشيا "جيش المهدي" التابع للصدر، في جرائم الخطف والقتل خلال فترة الفتنة الطائفية في العراق عامي 2006 و2007.
وجاء الرّد سريعاً على المالكي من قبل المقرّب من الصدر، صالح محمد العراقي، الذي كتب في تغريدة على موقع "تويتر": "من الممكن القول إنّ البطة هي الحلّ الوحيد للفاسدين، ولمن باعوا ثلث العراق لداعش"، في إشارة إلى الاتهامات التي وجهت للمالكي بالتسبب في سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد "داعش" منتصف عام 2014.
وتابع العراقي "إلا أنّ أخلاقنا، نحن الصدريين القح (الخالصين)، لا تسمح لنا بذلك، فهي سيرة المنشقين والمليشيات الوقحة، وهم أجمع ليسوا أسوة لنا".
واستمر التنافر بين الجانبين حتى الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وشهدت الحملات الانتخابية تهديداً ووعيداً من قبل الطرفين.
وبعد الفوز الساحق للصدريين الذين حصلوا على أكثر من ضعف ما حصل عليها ائتلاف المالكي (34 مقعداً) أكد الصدر نيته تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" لا تضم المالكي بحسب تسريبات اللقاءات التي جمعته بـ "الإطار التنسيقي" الذي يضم المالكي وقوى أخرى معترضة على نتائج الانتخابات، والتي أشارت إلى أنّ الصدر يرفض بشكل قاطع أي وجود للمالكي في الحكومة الجديدة.