الخلافات تضرب هيئة تحرير الشام شمال غربي سورية

27 يونيو 2024
مقاتلون من الهيئة في إدلب، 16 يونيو الحالي (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أبو محمد الجولاني يتولى قيادة الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، معززًا سيطرته في شمال غربي سورية، بعد عزل أبو الحسن الحموي وسط اتهامات بتسريب معلومات، في محاولة لإعادة تأكيد قوته وسط تزايد الحراك الشعبي المعارض.
- الخلافات داخل التنظيم تتعمق، مع اعتقالات وتحقيقات تشير إلى انقسامات واسعة، خاصة في "قضية العملاء" التي أثارت نقمة بين الأعضاء، مع محاولات الجولاني لاحتواء الغضب والظهور كشخصية مركزية للسيطرة على الخلافات.
- خبراء يرون في تحركات الجولاني خشية من انقلاب عسكري ضده، معتبرين تصرفاته إعلان حالة طوارئ لإحكام قبضته على التنظيم ومحاولة لتحقيق استقرار داخلي وسط تحديات متزايدة، في سعيه للظهور كشخصية توافقية تحظى بقبول العسكريين.

في ترجمة لحجم الخلافات التي تضرب هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، قرر أبو محمد الجولاني، قائد الهيئة التي تشكل سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، قيادة الجناح العسكري في هذا التنظيم المتشدد، الذي يواجه منذ فبراير/شباط الماضي حراكاً شعبياً ضده. وذكرت مصادر محلية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن الجولاني عزل قائد الجناح العسكري المدعو أبو الحسن الحموي، والمعروف بـ"أبو الحسن 600"، ليتولى هو بنفسه قيادة هذا الجناح الأهم والذي من خلاله يفرض سطوته على الشمال الغربي من سورية. والقائد العام للجناح العسكري يضم تحته ستة ألوية وهو رئيس غرفة عمليات الفتح المبين التي تضم هيئة تحرير الشام وفصائل "الجيش الوطني" في إدلب. وأوضحت مصادر إعلامية تابعة للهيئة أن أبو الحسن هو من قدّم استقالته قائدا للجناح العسكري، مشيرة إلى أنه سيبقى في صفوف الهيئة. بينما أكدت مصادر مطلعة على ما يدور داخل الهيئة لـ"العربي الجديد" أن "أبو الحسن 600 أُقيل مباشرة من الجولاني بالتنسيق مع قائد الجناح الأمني في الهيئة أبو أحمد حدود بسبب اتهامه بتسريب معلومات".

وكان الجناح الأمني في الهيئة اعتقل أواخر العام الماضي أبو الحسن لعدة أيام في نطاق ما بات يُعرف بـ"قضية العملاء"، والتي كانت شرارة الانقسامات والخلافات في الهيئة، ولا سيما أن التحقيقات أثبتت بطلان التهم التي وُجهت لعدد كبير من كوادر الهيئة وفصائل أخرى ومدنيين وصل إلى نحو 167 شخصاً بالحد الأدنى وتضمن "التخابر والعمالة" مع أجهزة استخبارات إقليمية ودولية. ومارس الجهاز الأمني كل صنوف التعذيب مع المعتقلين خصوصاً العسكريين منهم ومن بينهم قادة، وهو ما أدى إلى خلق نقمة لديهم على هذا الجهاز، الأمر وسّع الهوة بين أجنحة الهيئة.

خلافات هيئة تحرير الشام

الباحث العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، بيّن في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أبو الحسن 600 ليس هو الشخص الأقوى في الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام"، مضيفاً: "هو من أهم أربعة قادة في هذا الجناح وكان الإداري العام له". والإداري العام هو مسؤول الشؤون الإدارية المرتبطة بالإجازات والانتساب لفصائل الهيئة والتنقلات ضمن فصائلها. وتابع: "القوة في هذا الجناح تتركز لدى شخصين هما: أبو حسين الأردني (أردني الجنسية جاء إلى سورية عام 2013)، ومختار التركي (تركي الأصل وهو مسؤول العمليات العسكرية في الهيئة، وقائد سابق للجناح)". وأعرب عن اعتقاده بأن الجولاني "يحاول احتواء الغضب داخل الجناح العسكري والذي لم ينتهِ رغم إطلاق سراح العناصر والقادة التابعين له والذين اتُهموا بالتخابر العام الماضي"، مضيفاً: "تولي الجولاني الجناح العسكري بنفسه محاولة للظهور شخصية مركزية ومحورية في أي خلافات تعصف بالهيئة".

حوراني: تولي الجولاني الجناح العسكري بنفسه محاولة للظهور شخصية مركزية ومحورية في أي خلافات تعصف بالهيئة

ووفق حوراني، تؤكد استقالة "أبو الحسن 600" تنامي الخلافات بين الأجنحة المختلفة داخل هيئة تحرير الشام التي ما تزال تحاول التعامل مع الحراك الشعبي ضدها والمستمر منذ فبراير الماضي، والذي يضع على رأس أولوياته تنحّي الجولاني عن السلطة، وحل الجهاز الأمني وإطلاق سراح معتقلي الرأي، وانتخاب مجلس شورى للمناطق الخاضعة للهيئة، يضمن تمثيلاً واسعاً وحقيقياً لسكان هذه المناطق. وأشار إلى أن تنصيب الجولاني نفسه قائداً للجناح العسكري "يؤكد عمق الخلافات التي تعصف في الهيئة خصوصاً لجهة الطريقة التي يجب التعاطي بها مع التظاهرات ضد الهيئة"، مضيفاً: "هناك جناح في الهيئة لا يوافق على قمع المتظاهرين واعتقالهم، ويدعو إلى إجراء إصلاحات حقيقية كما يطالب الشارع المنتفض".

من جهته، رأى الخبير في الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الإجراء الذي أقدم عليه الجولاني "بمثابة إعلان حالة الطوارئ"، مضيفاً أن "الجولاني يتصرف كحاكم عسكري للإمساك بجوهر التنظيم وعصبه وهو الجناح العسكري، وهو يريد إحكام قبضته أكثر على التنظيم من خلال تولي الجناح العسكري بشكل مباشر للحيلولة دون حدوث أي انقلاب عليه".

حسن أبو هنية: الجولاني يتصرف كحاكم عسكري للإمساك بجوهر التنظيم وعصبه وهو الجناح العسكري

وكان الجولاني قد زعم في مارس/آذار الماضي أنه "غير متمسك بالسلطة" في شمال غربي سورية، خلال اجتماع مع قوى مجتمعية في محافظة إدلب وعد خلاله بالقيام بـ"إصلاحات"، لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع حتى اللحظة، وهو ما اعتُبر محاولة للالتفاف على مطالب المتظاهرين الذين تعرّض الفاعلون منهم إلى الاعتقال، في محاولة لم تنجح لتطويق هذا الحراك وإفقاده الزخم الشعبي.

تركيز السلطة بيد الجولاني

وتعليقاً على تولي الجولاني قيادة الجناح العسكري بشكل مباشر، رأى الخبير في الجماعات الإسلامية الباحث عرابي عرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخطوة "تركيز لسلطة الأمر الواقع بيد الجولاني"، مضيفاً: "الجولاني يريد إظهار نفسه على أنه الشخصية التوافقية لدى العسكريين في الهيئة، مع إرضاء أبو الحسن بتعيينه ربما وزيراً للدفاع في حكومة الإنقاذ" (تابعة لهيئة تحرير الشام).

وتسيطر "تحرير الشام" على ما تبقّى من محافظة إدلب خارج سيطرة النظام، وفيها مدن مهمة منها إدلب وأريحا وجسر الشغور. كما تسيطر على جانب من ريف حلب الغربي والشمالي الغربي، وقسم من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي على الحدود السورية التركية. وفي السياق، قال الباحث السياسي باسل معراوي لـ"العربي الجديد" إن الجولاني "يجمع يحتكر كل السلطات العسكرية والأمنية والإدارية"، مضيفاً: يبدو أن لديه خشية من انقلاب عسكري عليه على وقع الحراك الشعبي ضده في محافظة إدلب ومحيطها.

المساهمون