لا مفرّ أمام اليمنيين من آلة القتل التي تطورها جماعة الحوثيين يوماً بعد آخر. من يحالفه الحظ في النجاة من نيران مباشرة بالرصاص والصواريخ، يكون ضحية للتعذيب حتى الموت داخل معتقلات سرّية مظلمة، أو الإعدام العلني في ساحة عامة بتهمة سهلة ومعلّبة، هي الطابور الخامس أو التخابر مع السعودية. قبل أيام، أضاف الحوثيون لرصيدهم المتخم بالجرائم المروعة ضد اليمنيين، طريقة جديدة للقتل. من ميدان التحرير في صنعاء، أيقونة النضال والثورة اليمنية، الذي يحتضن دبابة دكّت قصور النظام الملكي، دشّنت الجماعة مرحلة الإعدام السياسي بحق تسعة مواطنين، في سابقة خطيرة تهدد مصير آلاف المعتقلين في سجون الانقلاب.
تشتهر جماعة الحوثيين بمهارات القتل. قبل أشهر من هذه الحادثة المروعة، كانت الجماعة قد قتلت عشرات المهاجرين الأفارقة حرقاً داخل عنبر احتجاز في صنعاء، ومرّت الحادثة كغيرها من مئات الانتهاكات الصادمة. لكن كيف امتلكت جماعة الحوثيين الجرأة لتنفيذ حكم سياسي علني مثل هذا؟ هل التخابر سبب مقنع لارتكاب هذه المجزرة وسفك دماء تسعة أشخاص، أم أن الجماعة حريصة فعلاً على تطبيق القانون؟
بالنسبة لسلطة استبدادية، التخابر مجرد غطاء لإشاعة الإرهاب في صفوف المناهضين لمشروعها الدموي. أما بالنسبة لحديثها عن "إنفاذ القانون"، والقول إنها لا تتدخل في شؤون القضاء، فقد سبق لمليشيا الحوثيين أن تراجعت عن أحكام إعدام سابقة بذات التُهم الجائرة، مثل حكم الإعدام الصادر بحق الصحافي يحيى الجبيحي، وكذلك الحكم الصادر بحق زعيم الطائفة البهائية، حامد حيدرة.
الأحكام المتراجع عنها كافة، كانت صادرة من ذات المحاكم غير قانونية، وبعد إجراءات محاكمة هزلية شملت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وأبوظبي محمد بن زايد، فكيف أصبحت أحكام القضاء هذه المرة نافذة ولا يمكن التراجع عنها؟
الأمر ببساطة أن مليشيا الحوثي تكرّس سلطتها القمعية الغاشمة بشكل علني، وتوصل بذلك رسائل لكافة اليمنيين الذين يفكرون في الاعتراض على مشروعها، مستفيدة من أداء حكومي ودولي هشّ، سمح للجماعة بإهانة القضاء وتسخيره لتحقيق أهدافها الضيّقة.
خلال العامين الماضيين فقط، أصدرت محاكم أمن الدولة الخاضعة للحوثيين عشرات الأحكام ضد قيادات سياسية وعسكرية وبرلمانية مناهضة للانقلاب. حكمت بالإعدام على ناشطين بسبب تغريدات على "تويتر"، وعلى إعلاميين بتهمة الظهور في قنوات سعودية، وعلى سياسيين باعتبارهم "طابوراً خامساً" وخلايا مزعزعة للاستقرار. في أدراجها، تحتفظ جماعة الحوثيين بالعشرات من أحكام الإعدام، وكان من الواضح أنها قامت باستخدام تسعة من المواطنين الضعفاء، حقل تجارب لتدشين مرحلة الإعدامات السياسية المرعبة التي تجعل كلّ الفارين خارج اليمن لا يفكرون أبداً بالعودة.
التوحش الحوثي فاق حدود المنطق، ومن المضحك أن الجماعة تريد من الرأي العام الاقتناع بالمحاكمات الممسرحة، عبر الإعلان عن تسجيلات اعتراف مرتقبة للمحكومين بالإعدام. مُتهم حدث لم يبلغ السنّ القانونية، اقتيد إلى ساحة الإعدام مسنوداً بعناصر أمنية حوثية، بعدما ظلّ قابعاً في المعتقل منذ 2018، سيعترف تحت التعذيب أنه كان رأس الحربة في موقعة كربلاء، وليس بالتخابر فحسب.
كان على السلطات الحوثية أن تقول "قتلناهم" فقط. قتلناهم مثلما نقتل المئات من الناس بدم بارد. حينها، ستقول الحقيقة بدلاً عن الإخراج الدرامي لهذا الفعل المشين والمخزي، كما وصفته البعثتان الدبلوماسيتان الأميركية والبريطانية لدى اليمن.