الحكومة الليبية ومجلس النواب.. هل ينتقل الخلاف المكتوم إلى العلن؟

07 يوليو 2021
تحولت جلسة مناقشة الميزانية إلى جلسة مساءلة للحكومة (Getty)
+ الخط -

غادر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وفريقه الوزاري مدينة طبرق، بعد أن شارك في الجلسة الأولى المخصصة لعرض مقترح الميزانية العامة لحكومته أمام مجلس النواب، دون أن يتم إقرارها، إذ قررت رئاسة المجلس تأجيل الجلسة إلى يوم الاثنين المقبل، بعد فشل الطرفين، الحكومة والمجلس، في الوصول إلى تفاهمات.

وعدلت الحكومة مقترح الميزانية العامة لمرتين، بعد اعتراض مجلس النواب على حجمها وعدم تناسبها مع متطلبات الفترة الزمنية القصيرة التي ستدير فيها الحكومة البلاد، لكن مسار تعامل مجلس النواب مع الدبيبة وحكومته يبين بشكل واضح أنه يستخدم ورقة الميزانية لتمرير مطامعه في التموضع في مواقع هامة وجديدة في مراكز السلطة، كما استخدم في السابق ورقة منح الثقة للحكومة لتمرير عدد من الشخصيات الموالية له في الحقائب الوزارية. 

مسار تعامل مجلس النواب مع الدبيبة وحكومته يبين بشكل واضح أنه يستخدم ورقة الميزانية لتمرير مطامعه في التموضع في مواقع هامة وجديدة في مراكز السلطة

وعلى الرغم من أن جدول الأعمال المعلن في جلسة الاثنين الماضي تضمن مناقشة مقترح الميزانية مع الحكومة، ومناقشة ملف المناصب السيادية بين النواب، فإن المشاركين في الجلسة فوجئوا بتوجيه الجلسة نحو مساءلة الحكومة على أعمالها خلال الأشهر الماضية، وخلال ذلك قدم الدبيبة عرضا لجهود الحكومة في حلحلة ملفات متأزمة كملف الكهرباء ومكافحة وباء كورونا وتوفير السيولة وصرف منحة الأسرة التي مرت دون مناقشة، بينما احتد النقاش بين شريحة من النواب والدبيبة حول مسائل أخرى، وتحديدا توحيد مؤسسات الدولة ومنصب وزير الدفاع. 

ومقابل إصرار عضو مجلس النواب الموالي للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، طلال المهيوب، على حق النواب في مساءلة الحكومة، قائلا "كل الحكومات يحاسبها النواب في كل الديمقراطيات والدول"، مضيفا، في حديث لــ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن إقرار ميزانية دون معرفة قدرة الحكومة على صرفها وتنفيذها"، اعتبر زميله في المجلس أبوبكر سعيد، في تصريحات صحافية، أن الجلسة لم تكن مساءلة، بل هي أقرب إلى جلسة الاستماع بحسب لوائح المجلس الداخلية المنظمة لجلساته. 

ورغم أن الدبيبة قدّم جوابه حول حقيبة الدفاع، بقوله إنها ستشهد تغييرات قريبة وسيختار وزيرا للدفاع فيما ستختار لجنة 5 + 5 العسكرية نائبي الوزير، فإن المهيوب أكد على صحة تصريحاته، التي نسبتها وسائل إعلام له، بشأن ضرورة تعيين وزير لحقيبة الدفاع قبل تمرير الميزانية. 

ويرى الناشط السياسي الليبي عبد العزيز ديهوم أن ربط الميزانية بملف المناصب السيادية في جدول الأعمال دلالة واضحة على وجود مطالب ورسالة مضمونها الميزانية مقابل مناصب سيادية، ما يعني أن كلا الطرفين، الحكومة والنواب، يمتلكان أوراقا قوة للضغط على بعضهما البعض. 

ربط الميزانية بملف المناصب السيادية في جدول الأعمال دلالة واضحة على وجود مطالب ورسالة مضمونها الميزانية مقابل مناصب سيادية

ويستطرد ديهوم قائلًا لـ"العربي الجديد" إن "مجلس النواب بيده ورقة إقرار الميزانية والدبيبة بيده ورقة توحيد المؤسسات، ومنها مؤسسات سيادية يجب أن تتوحد ليتمكن مجلس النواب من المشاركة في ترشيح شاغلين لها"، وبحسب معلوماته فإن الصراع يدور حول ثلاث مؤسسات هي البنك المركزي وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة الدفاع. 

وبشكل أكثر وضوحا يؤكد ديهوم أن مطالب عقيلة صالح وحلفائه المسيطرين على قرار مجلس النواب تتمثل في تعيين مقربين منهم في مؤسستي البنك المركزي وهيئة الرقابة، وتلك من المناصب السيادية، فيما يطالب حلفاء حفتر داخل مجلس النواب بمنصب وزير الدفاع المهم في عملية توحيد المؤسسة العسكرية وتوجيه قراراتها. 

وخلال لقاء أجراه التلفزيون الرسمي الليبي مع الدبيبة، ليل الأحد الماضي، أكد أنه لا يجوز لأي أحد محاسبة الحكومة دون ميزانية، ويوافق ديهوم على ذلك بقوله "صحيح أنها لم تكن جلسة للمساءلة لكنها كانت جلسة للمساومة من كلا الطرفين". 

يطالب حلفاء حفتر داخل مجلس النواب بمنصب وزير الدفاع المهم في عملية توحيد المؤسسة العسكرية وتوجيه قراراتها

وعلى عكس توقعاته، خلال اللقاء التلفزيوني ذاته، بأن يتم إقرار الميزانية في تلك الجلسة، فقد غادر الدبيبة طبرق دون أن يتحقق أمله، وسط انقطاع الكهرباء عن مطار طبرق ساعة إقلاع طائرته.

ورغم أن إدارة مطار طبرق بررت انقطاع الكهرباء في مهبط الطائرات أثناء تأهب طائرة الدبيبة بوجود خلل فني طارئ، إلا أن أيا من الجهات الرسمية في طبرق لم تعلق على الفيديو المتداول بشكل واسع، ويُظهر عددا من أنصار حفتر وهم يحاصرون موكب الدبيبة، أثناء مغادرته لمقر مجلس النواب، وهم يطالبونه بتحية حفتر من خلال الصور التي كانوا يرفعونها، قبل أن يتدخل وكيل وزارة الداخلية فرج قعيم المرافق للدبيبة لإبعادهم عن الموكب. 

وإثر وصوله إلى طرابلس أعلن الدبيبة عن جملة من القرارات، منها تشكيل لجنة وزارية للإشراف على الاستعداد للانتخابات المقرر عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وتلفت الباحثة السياسية الليبية هنية فحيمة إلى أن الدبيبة بدأ يناور بأوراق إضافية فــ"الفرار يصب في خانة دعم الانتخابات؛ الاستحقاق الذي تلتف حوله مختلف الشرائح المحلية وأيضا الأنظار الدولية"، محذرة من تحول الوضع السياسي من مرحلة الصراع المكتوم إلى صراع ظاهر. 

وأشارت فحيمة، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن الدبيبة قد يلجأ إلى آلية الترتيبات المالية لتمرير ميزانيته، وهي آلية استطاعت من خلالها حكومة السراج تسييل ميزانياتها بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة والبنك المركزي بعيدا من عراقيل مجلس النواب، وقالت "هذا ممكن جدا خصوصا إذا انحاز الدبيبة للانتخابات لكسب رضا المجتمع الدولي، ولن يكون بمقدور مجلس النواب في حينها حشد النصاب الذي يمكنه من سحب الثقة من الدبيبة وحكومته"، لكنها تؤكد أن الوضع الحالي يمر إلى فترة انسداد حقيقي بين الحكومة والنواب ويهدد الاستحقاق الانتخابي بكامله.