عرض رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستكس، النسخة النهائية من مسودة مشروع قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية"، اليوم الأربعاء، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، على أن يتم عرض مشروع القانون أمام النواب في البرلمان الفرنسي قبل الصيف المقبل، لإقرار القانون بشكل نهائي.
وهذا القانون بات أحد ركائز سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، وأهم خططه الرئاسية للسنتين المتبقيتين له في الحكم، لكنه اصطدم بمعارضة شديدة وأثار جدلاً كبيراً عندما كانت نسخته الأولى تثير اللغط حول ما إذا كان موجهاً ضد فئة المسلمين داخل المجتمع الفرنسي، لاحتوائه في عنوانه على عبارة "محاربة الانفصالية"، في وقت كان فيه هذا المصطلح يوجه إلى جمعيات وشخصيات إسلامية في أعقاب الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا في النصف الثاني من هذا العام.
ذلك اللغط أجبر الحكومة على حذف مصطلح "الانفصالية" واستبدال عنوان مشروع القانون بـ"تعزيز مبادئ الجمهورية"، لدحض الاتهام الموجه للرئيس بأنه يسعى إلى شن قانون يستهدف المسلمين بشكل رئيس في فرنسا، وهو ما أعاد رئيس الوزراء التشديد عليه اليوم بعد انتهاء اجتماع مجلس الوزراء.
وقال كاستكس، في إحاطة صحافية برفقة وزير الداخلية جيرالد درمانان، والعدل إيريك دوبون موريتي، والتربية والتعليم جان ميشال بلانكر، إن "هذا القانون ليس نصاً ضد الأديان، ولا ضد الديانة الإسلامية بشكل خاص (..) على العكس هو قانون للحرية وقانون للحماية وقانون للتحرر في مواجهة الأصولية الدينية".
وأوضح كاستكس أن مشروع القانون "سيسمح للحكومة بامتلاك أدوات تمكّن من مكافحة الأعمال الإيديولوجية التي تستهدف قيمنا، وأحيانا تتسبب في ارتكاب جرائم". وأضاف "نريد أيضاً من خلال هذا القانون حماية أولئك الذين تتعرض حرياتهم للتهديد عبر أفعال وسلوكات تتعارض مع قيمنا في الجمهورية".
واختارت الحكومة عرض هذا المشروع بالتزامن مع الذكرى الخامسة عشرة بعد المائة لقانون عام 1905، القاضي بالفصل بين الكنيسة والدولة. وفي هذا السياق، أشار كاستكس إلى أن الأحكام الرئيسية لمشروع القانون الجديد تتعلق "بتعزيز الحياد (فيما يتعلق بالدين) لموظفي الخدمة العامة" بحيث سيصبح التمييز القائم على الدين أو العرق "جريمة يعاقب عليها القانون"، و"تعزيز السيطرة على أماكن العبادة وتمويلها"، بحيث سيصبح أي تبرع يتجاوز 10 آلاف يورو لجمعية دينية خاضعاً للمساءلة والضرائب، كما أن التعليم سيصبح إلزامياً من سن 3 سنوات "لكل طفل وفقاً لمبادئ الجمهورية"، بالإضافة إلى "أحكام جديدة لمحاربة الكراهية عبر الإنترنت على الشبكات الاجتماعية".
ومسألة التعليم من المنزل مجازة في فرنسا للعائلات التي لا ترغب في إرسال أبنائها إلى المدارس الحكومية أو إعطائهم تعليماً داخل المنزل بناء على تصريح عادي، لكن مع القانون الجديد سيكون الأمر أكثر تحديداً، وهو ما أثار جدلاً كبيراً خلال مناقشات جرت حول القانون. في هذا الشأن قال وزير التربية والتعليم، إن مشروع القانون "يتيح للدولة الرجوع إلى السجلات الجنائية لجميع المعلمين في المدارس الخاصة غير المتعاقدة. وسنكون قادرين على تعزيز الرقابة على تمويل هذه المدارس".
وأضاف "يجب أن تتوافق الاستثناءات المنصوص عليها في التصريح بالتعليم المنزلي مع حقوق الطفل. (...) الاستثناءات المنصوص عليها تتعلق بحالة الطفل الصحية وإعاقته وممارسة نشاط رياضي أو فني مكثف، أو تجوال عائلي في فرنسا، أو وجود حالة خاصة، إذا كانت المصلحة الفضلى للطفل تبررها". وأكد أن "التعليم المنزلي يجب أن يكون في حالات استثنائية تماماً"، في إشارة إلى التعليم الديني والاتهامات الموجهة لبعض الحالات في زرع أيديولوجيا دينية في عقول الأطفال من خلال هذا النوع من التعليم. وتابع "نريد أن ننظر إلى هذا الواقع الاجتماعي في وجهه: لهذا السبب قمنا بإنشاء نظام ترخيص التعليم في المنزل، ولم يعد الأمر مجرد تصريح".
من جهته، قال وزير العدل، إن مشروع القانون "يسمح باعتقال الأشخاص الذين ينشرون الكراهية على الشبكات الاجتماعية ومحاكمتهم على الفور. يجب ألا يكون هناك أي لبس: الصحافيون غير مستهدفين بأي شكل من الأشكال بهذا النص".
وأوضح "لقد بدأت هذه الحوادث بوفاة صموئيل باتي (أستاذ التاريخ الذي قتل على يد لاجئ من أصول شيشانية بعد عرضه صوراً كاريكاتورية للنبي محمد خلال درس عن حرية التعبير). بدأ الأمر بمقطع فيديو، ثم بخطاب الكراهية الذي أصبح مميتاً، مما أدى إلى وفاة هذا الرجل. لذلك ارتكبنا جريمة تعريض حياة الآخرين للخطر من خلال الكشف عن معلومات تتعلق بحياتهم الخاصة".
وكان مجلس الدولة قد أعطى الضوء الأخضر للحكومة لعرض مشروع قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية"، ليل الاثنين الماضي، وبذلك اجتاز عقبة كان يمكن أن تعرقله، لكن المجلس أيضاً قدم رأياً احتوى على تحفظات واقتراحات بالتعديل، وهو ما حصل في البند الخاص بمسألة التعليم داخل المنزل، إذ اقترح مجلس الدولة بدلاً من إلغاء إمكانية التثقيف الأسري، المعترف به منذ قانون فيري الصادر في 28 مارس/آذار 1882، الإبقاء على صياغة تنص في القانون على الحالات التي يمكن استخدام هذا النوع من التعليم.
كما أبدى المجلس تحفظاً على القيود التي تنظم عمل الجمعيات الدينية في نص مشروع القانون، وهو أمر لم تأخذه الحكومة في عين الاعتبار بما يتضح من خلال عرضها للنص النهائي اليوم، إذ اعتبر مجلس الدولة "أن مشروع القانون يزيد القيود المفروضة على الجمعيات الدينية، ويحدث خللاً في التوازن الذي طبقه المشرع في عام 1905 بين مبدأ حرية تكوين هذه الجمعيات والإطار الضروري لها، لكي تستفيد من المزايا العامة" التي تقدمها الدولة الفرنسية لها، ولذلك يطلب المجلس "التحقق مما إذا كانت هذه القيود مبررة ومتناسبة".
ويبقى أمام مشروع القانون الجديد اختبار في غاية الصعوبة أمام مجلس النواب، فعلى الرغم من الأغلبية النيابية التي يمتلكها حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" في البرلمان الفرنسي، إلا أن مسألة تمريره لن تكون سهلة مع تحفظات عديدة يبديها اليسار، وحتى حلفاء الرئيس من كتلة الوسطيين "موديم" والتي كانت عائقاً، على سبيل المثال، في تمرير المادة 24 من نص قانون "الأمن الشامل" بنسختها الأولى؛ هذا الأمر بدا واضحاً من خلال رأي مجلس الدولة، عبر التلميحات والإضاءات التي كانت أشبه برسائل إلى النواب من أجل الاعتراض على بعض المواد.