نجت الحكومة السويدية من السقوط، أمس الثلاثاء، بفارق صوت واحد، أمّنه امتناع البرلمانية من أصول كردية-تركية، أمينة كقباوة (المستقيلة من حزب اليسار)، عن التصويت. واحتاجت المعارضة إلى صوت كقباوة لتأمين 175 صوتا من أصل 349 لإسقاط وزير العدل والداخلية، مورغان يوهانسون، والذي كان سيدفع رئيسة الحكومة ماغدالينا أندرسون إلى الاستقالة، قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات العامة.
وتحوّل امتناع كقباوة عن التصويت، وبالتالي إنقاذ الحكومة من السقوط، إلى معضلة أخرى في علاقة البلد بالجانب التركي، الذي يرفض الموافقة على عضويته في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلا بتلبية شروطه الخمسة. وهي: "وقف الدعم السياسي للإرهاب"، ورفع العقوبات، وحظر الأسلحة، ووقف "تمويل الإرهاب"، وتسليم الأشخاص الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين. وأمينة كقباوة من بين الأسماء الموتّرة لعلاقة الجانبين.
حاولت كقباوة فرض شرط على حكومة السويد، برفض كل المطالب التركية. وذلك ما جعل حدثاً عادياً في سياق الديمقراطية السويدية يتحول إلى سجال، بسبب إضافته تعقيدا آخر في المفاوضات الجارية بين تركيا والسويد.
ويؤكد الباحث السياسي موينز كريستوفرسون أن المشكلة "تتعمق، خصوصا عدم قدرة استوكهولم على الالتزام بعملية توازن في مواقفها". وينوه كريستوفرسون لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لدى الحكومة التركية المزيد من الأوراق الضاغطة، باعتبار أن بعض السياسيين، من أقصى اليسار على وجه الخصوص، يثبتون نظرية التواطؤ مع من تصنّفهم جماعات إرهابية".
من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة استوكهولم، درود داليروب، أن ما جرى "يضعف موقف السويد التفاوضي. فالمفاوضات التي تجري خلف أبواب مغلقة خرجت إلى النور". ويشير بذلك إلى حساسية الاستجابة للمطالب التركية وربط نجاة الحكومة بتعهّد رسمي.
ويعتقد كريستوفرسون أن المساومة من قبل كقباوة على مسألة تمسّ مصالح السويد "تعطي دفعة للمفاوض التركي لتأكيد نظريته عن وجود تساهل مع أطراف مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، بي كي كي، المصنف إرهابياً، بعد سنوات من توتر علاقة أنقرة ببعض دول شمال أوروبا".
وظلت أنقرة لسنوات تشتكي من عمل "العمال الكردستاني" وأحزاب مرتبطة به في دول إسكندنافية، وإلى حد ما في ألمانيا. فمنذ ظهور تنظيم "داعش" وإعلان الحرب عليه في 2014، نمت علاقة أطراف كردية مع برلمانيين في تلك الدول.
ويعيش في إسكندنافيا عشرات آلاف الأكراد الأتراك كلاجئين، وينشط بعضهم في تعزيز علاقة شبه رسمية مع الأطراف الكردية، وبشكل خاص مع حزب "بي واي دي"، الاتحاد الديمقراطي الكردي، وغيره. ووجود نساء وأطفال أوروبيين في معسكري اعتقال "روج" و"الهول" في شمال شرق سورية، بإدارة أطراف متهمة بالارتباط بـ"العمال الكردستاني" التركي، شكّل مناسبة للقيام بزيارات من سورية إلى بعض البرلمانات. وبسبب تلك العلاقة الوثيقة مع "العمال الكردستاني"، حيث تُرفع أعلامه وصور زعيمه المعتقل في تركيا، عبد الله أوجلان، تشدد أنقرة على ضرورة الالتزام بحظر أنشطته كمنظمة "إرهابية".
في المقابل، يرى محللون وخبراء سويديون ودنماركيون معضلة في القبول العلني لاشتراطات أنقرة، خصوصا أن القوانين تضمن حرية الرأي والتعبير.
وفي ذات الاتجاه، يؤكد لـ"العربي الجديد" الباحث كريستوفرسون، أن حساسية العلاقة التركية-السويدية "تعمّقها حالة البرلمانية أمينة كقباوة، فهي أيضا كانت استخدمت صوتها لجعل أندرسون رئيسة للحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، منتزعة تعهدا من الديمقراطي الاجتماعي الحاكم بزيادة التعاون مع حزب "بي واي دي"، (الاتحاد الديمقراطي الكردي)، الذي يتهم في سورية وتركيا بأنه يعمل كجزء من الحزب الأم، العمال الكردستاني".
ونقلت وكالة الأنباء السويدية، تي تي، أمس الثلاثاء، عن الأمين العام للحزب الاجتماعي الديمقراطي الحاكم في السويد، توبياس بودان، تأكيده أن حزبه "يدافع دائما عن الاتفاقات التي أبرمها، ويمكن الوثوق بذلك"، ما عدّ رسالة إلى البرلمانية كقباوة قبيل تصويت أمس، وشكل أيضا مشكلة إضافية في التفاوض مع تركيا.
في كل الأحوال، وعلى الرغم من تصلّب أقطاب معسكر اليسار السويدي، مثل بقية دول الجوار، في رفض مطالب أنقرة والوصول إلى تسوية بشأن أنشطة "بي كي كي" أو مؤيديه، فإن مواقف يمين الوسط، وبعض أطراف يسار الوسط، والمحافظين أقرب إلى البراغماتية في قبول الوصول إلى تسوية من نوع ما مع الجانب التركي، "وإن لم تظهر في العلن كأنها تنازل أمام مطالب الجانب التركي"، بحسب ما يؤكد كريستوفرسون.