الجيش اللبناني.. ساعات حاسمة أمام البت في مصير قيادته

14 ديسمبر 2023
العماد جوزيف عون يُحال إلى التقاعد في 10 يناير (Getty)
+ الخط -

ساعات حاسمة تنتظر ملف قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون الذي يُحال إلى التقاعد في 10 يناير/كانون الثاني المقبل.

ويتوقع أن تشهد جلسة حكومية مقررة غداً الجمعة قراراً حول تأجيل تسريح قائد الجيش اللبناني لمدة 6 أشهر أو التمديد له من قبل البرلمان في جلسة تشريعية، عبر إقرار قانون تأخير سنّ التقاعد لقائد الجيش اللبناني لمدة سنة، المقدّم من حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، علماً أن المفاجآت تبقى متوقعة لفرض سيناريوهات أخرى، نظراً للخلافات السياسية الحادة وانقسام المقاربات الدستورية والقانونية.

ويعتبر رئيس البرلمان نبيه بري أنّ "من واجب الحكومة حلّ المسألة، سواء عبر تعيين قائد للجيش أو تأجيل تسريح القائد الحالي"، في حين تشدد قوى نيابية معارضة على أنّ التمديد في حال إقراره سيكون "فخاً" لتطييره لاحقاً، عبر جعله عرضة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، خصوصاً أنه لن يكون مقدماً من الجهة الصالحة لتأجيل التسريح، أي وزير الدفاع موريس سليم، المعارض لعون، والمحسوب على رئيس "التيار الوطني الحر"، النائب جبران باسيل، وهو سيناريو لم يخفِ أيضاً البطريرك الماروني بشارة الراعي خشيته منه.

وتحت أنظار الخارج الذي يؤيد التمديد لقائد الجيش اللبناني، ويحذّر من الفراغ في المؤسسة العسكرية في ظل الظروف الراهنة الدقيقة أمنياً، عقد البرلمان اللبناني، صباح اليوم الخميس، جلسة قاطعها "التيار"، بجدول أعمال فضفاض من 16 بنداً، أقرّ 6 منها، قبل أن يرفعها إلى السادسة مساءً، بعد فقدان النصاب، وسط توقعات بالدعوة إلى جلسة ثانية غداً الجمعة تلي تلك الوزارية.

وانسحب بعض النواب، التغييريين والمعارضين لـ"حزب الله" وحلفه، من منتصف الجلسة، باعتبار أنهم حضروا استثنائياً للبتّ في ملف التمديد لقائد الجيش اللبناني بذريعة "الحاجة الأمنية والوطنية"، وسط رفضهم التشريع في ظل الشغور الرئاسي، وتلويحهم بأنّه تم وضع جدول أعمال فضفاض يهدف إلى فرض أكثر من جلسة للبت في بنوده، ورمي تالياً الكرة في ملعب الحكومة غداً، مشددين على أنه حتى لو جرى تأجيل التسريح وزارياً، سيصمّمون على التمديد لعون عبر مجلس النواب لتحصينه.

المواقف من التمديد لقائد الجيش اللبناني "المرشح الرئاسي"

ويتمسّك مؤيدو التمديد لقائد الجيش اللبناني، بينهم "القوات" وحزب "الكتائب اللبنانية" (يرأسه النائب سامي الجميل)، والحزب التقدمي الاشتراكي (يرأسه تيمور وليد جنبلاط)، وعدد من نواب التغيير والمستقلّين ومعارضي حزب الله وحلفه، بأنّ الوضع الآن يختلف، فهناك حاجة "وطنية وأمنية" للتمديد لقائد الجيش، وخطورة في حال الفراغ في المؤسسة العسكرية الشرعية الجامعة.

ويُقابَل موضوع التمديد بمعارضة شديدة من قبل باسيل، كما وزير الدفاع الذي يرفض طرح مسألة تأجيل التسريح، ودخل لهذه الغاية في صراع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حول الصلاحيات، ما يجعل بته من دون توقيعه، معرّضاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة.

وشنّ باسيل هجوماً كبيراً على قائد الجيش اللبناني، الذي كان سمّاه الرئيس السابق ميشال عون لهذا المنصب، متهماً إيّاه بخيانة الأمانة، وقلّة الوفاء، ومخالفة قانون الدفاع الوطني، والاعتداء على صلاحيات وزير الدفاع، ومخالفة قانون المحاسبة العمومية، فضلاً عن اتهامه بتنفيذ سياسة الغرب فيما يخصّ الحرب الدائرة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وتطبيق القرار الدولي 1701 (صادر عام 2006)، بشكل مجتزأ.

ويُتهم باسيل من قبل معارضيه بأنه يطلق حملة شخصية على قائد الجيش اللبناني، كون اسمه يتصدر المشهد منذ فترة كمرشح "توافقي" لرئاسة الجمهورية بدعم غربي وعربي واسع، وأنه يسعى لتكليف الضابط الأعلى اللواء بيار صعب، المحسوب عليه، بقيادة الجيش، في حال عدم حصول تعيين أو تمديد له، حتى 10 يناير، كما كان يصرّ على تعيين قائد جديد ورئيس للأركان ومديرين للإدارة والمفتشية العامة، عبر توقيع مرسوم جوال من الوزراء، لإيصال أسماء محسوبة عليه.

ويقف حزب الله على ضفة ضبابية بشأن حسم مصير قائد الجيش اللبناني، في محاولة مسايرة جميع حلفائه، فهو لا يريد تعزيز حضور العماد عون الذي يعتبر من الأسماء المتقدمة رئاسياً لمنافسة مرشح الحزب الرئاسي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، ولا يريد الدخول في إشكال التمديد مع باسيل، وقد يكون أقرب إلى تأجيل التسريح عبر الحكومة، باعتبار أنّ القرار من دون موافقة وزير الدفاع سيُطعن فيه قانوناً.

وتؤكد أوساط حزب الله أنه لا يمانع في تعيين قائد للجيش بالوكالة من بين كبار الضباط الموارنة، على غرار "تجربة" حاكم مصرف لبنان، والمدير العام للأمن العام، ما يجنب الفراغ، بيد أن هذا الطرح يحوز على رفض النائب السابق وليد جنبلاط الذي رشح ضابطا وفق الأقدمية، وهو العميد حسان عودة في حال عدم التمديد لعون.

وتشير أوساط حزب الله لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هناك مطالب غربية، ولا سيما فرنسية وأميركية، للتمديد لقائد الجيش اللبناني، دفعت بنواب المعارضة والتغيير إلى تبديل مواقفهم من التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي، وتبنّي خطاب "غربي" بشأن الحرب الدائرة في جنوب لبنان، ولا سيما لناحية تطبيق القرار 1701، "الذي يعد العدو أكبر مخالفيه، لا حزب الله".

وفي هذا الإطار، يقول النائب عن كتلة حزب الله البرلمانية، حسين جشي لـ"العربي الجديد"، إنّ "القضية باتت محصورة في الحكومة أو مجلس النواب، ولا شك أنّ هناك اختلافات سياسية ودستورية وقانونية وتناقضات عدّة في المواقف بين الأفرقاء السياسيين، لكننا كحزب الله مع أي مخرج يخدم مؤسسة الجيش، سواء على صعيد موقع قائد الجيش، أو رئيس الأركان، أو أعضاء المجلس العسكري، ويجنب تالياً الفراغ، على أن تكون الآلية صحيحة، وهذه ليست واضحة حتى الساعة". ويلفت جشي إلى أنّ المسألة لا تزال معقدة، خصوصاً أنّ هناك اختلافات واسعة في وجهات النظر.

وحول مشاركة وزراء حزب الله في الجلسة لتأمين نصابها في ظل مقاطعة وزراء "التيار" لها، أشار جشي إلى أنّ "المشاركة تبقى رهن جدول الأعمال وبرنامج العمل، والحزب سبق أن شارك في العديد من الجلسات"، مكرراً التأكيد أننا "منفتحون على أي خيار يتم التفاهم عليه، وضمن الأطر القانونية لملء الفراغ وحفظ المؤسسة العسكرية لتستمر في القيام بدورها الوطني".

التمديد لقائد الجيش اللبناني عبر البرلمان

من الناحية الدستورية القانونية، يقول الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ"العربي الجديد"، إنه "من الثابت والأكيد أنّ ولاية العماد عون تنتهي في 10 يناير، ولو كانت الدولة في حالتها الطبيعية، بوجود رئيسٍ للجمهورية، وحكومة كاملة الأوصاف، كان بالإمكان الذهاب نحو تعيين قائد جديد للجيش، أما في ظلّ حكومة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق وغياب للموقع الرئاسي الأول، فلا تستطيع هذه الحكومة أن تذهب إلى تعيين قائد جديد للجيش. وتالياً، ليس هناك إلاّ خيار إما التمديد لقائد الجيش اللبناني عبر البرلمان أو تأجيل تسريحه، وهذه صلاحية مناطة بوزير الدفاع حصراً".

ويلفت مالك إلى أنّ "انعقاد الجلسة أصولاً غداً يحتاج إلى تأمين نصاب الحضور، أي ثلثي أعضاء الحكومة. أما التصويت فيحتاج إلى الغالبية العادية، لكن في حال اتخذت الحكومة القرار بتأجيل تسريح قائد الجيش اللبناني فهذا التصرّف سيكون قابلاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة، باعتبار أنه ليس من اختصاصها، وأي قرار في هذا الصدد يجب أن يصدر بمرسوم ويذيل بتوقيع وزير الدفاع، وهو أمرٌ بات معروفاً أنه لن يقدم عليه".

ولفت مالك إلى أنّ "الطريقة الأسلم تكون بالتمديد عبر بوابة مجلس النواب، ووفق صيغة قانونية صحيحة وجيّدة تتسم بالشمولية والعمومية، تجنّبه الطعن أمام المجلس الدستوري، ليصبح القانون نافذاً من دون أي تحفظ على الإطلاق".

ويرى الخبير الدستوري أنّ "هناك محاولة وسعيا لإعادة سحب الملف من مجلس النواب إلى مجلس الوزراء، ما يطرح أكثر من علامة استفهام، لا سيما وأنّ المعلوم قانوناً ودستوراً أنّ تعرّض مجلس الوزراء للملف يعتبر مخالفة للصلاحية ويعرّض القرار الذي يصدر عن الحكومة بهذا الخصوص للطعن أمام مجلس شورى الدولة".

وأخيراً، يشير مالك إلى أنه في حال لم يؤجل التسريح ولم يقرّ التمديد قبل إحالة عون إلى التعاقد، فإن على وزير الدفاع أن يصدر قراراً بتكليف الأعلى رتبة قيادة الجيش.

تجدر الإشارة، إلى أن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع شنّ بدوره هجوماً على ميقاتي، مستغرباً استفاقته للدعوة إلى مجلس الوزراء بالتزامن مع انعقاد الجلسة التشريعية، معتبراً أن حكومة تصريف الأعمال "تابعة لمحور الممانعة وستتلاعب بقيادة الجيش كما يحلو لها وتريد تحويل القيادة إلى بوليس سري وقوة قمعية".

من جهته، استغرب ميقاتي حديث "القوات" عن أنّ الدعوة إلى الجلسة هدفها قطع الطريق على التمديد لقائد الجيش اللبناني، مشيراً إلى أن الدعوة إلى مجلس الوزراء في حال حصلت هي من أجل تأخير تسريح قائد الجيش ستة أشهر، في حين أن الاقتراح المقدم من قبل "القوات" إلى مجلس النواب ينص على تأخير سن التقاعد سنة كاملة، و"الأمران لا يتعارضان مع بعضهما البعض"، وفق قوله.

المساهمون