تأبى أطراف مفاوضات فيينا غير المباشرة بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني أن تنهي جولتها الثامنة، التي باتت أطول جولات هذه المفاوضات، إلى أن تحسم الملف خلال أسابيع معدودة مقبلة، سواء لجهة التوصل إلى اتفاق أو لإنهاء المفاوضات والإعلان عن فشلها.
وعليه، توقفت المفاوضات بدءاً من السبت الماضي ولمدة أسبوع، وعادت الوفود إلى عواصمها من أجل العودة لاحقاً إلى فيينا بـ"قرارات سياسية" لحل الخلافات العالقة بالغة الحساسية، بعدما لم تعد المفاوضات تتسع أكثر من ذلك، وحان الوقت ليتخذ كل من الطرفين الرئيسيين: إيران والولايات المتحدة، "القرارات السياسية" النهائية لتحديد مصير مفاوضات فيينا أولاً، ومصير الاتفاق النووي ثانياً.
وتؤكد جميع الأطراف أن المفاوضات اقتربت من مرحلتها النهائية، فيما يرمي كل طرف، إيران من جهة والأطراف الأميركية والأوروبية من جهة أخرى، الكرة في ملعب الآخر، مطالباً إياه بأن يتخذ قرارات لازمة لإنجاح المفاوضات.
ويأتي ذلك وسط تأكيدات غربية بأن فبراير/ شباط الحالي هو آخر فرصة أو "مهلة"، في ظل التقدم السريع للبرنامج النووي الإيراني واقترابه من العتبة النووية.
باقري كني: مفاوضات فيينا تمضي إلى الأمام بإيجابية
في السياق، قال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إن مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي "تمضي إلى الأمام بإيجابية"، مؤكداً أنه على الرغم من ذلك "فثمة قضايا مهمة عالقة".
وجاءت تصريحات باقري كني، أول من أمس الثلاثاء، خلال لقاء مع أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، نقلها أمس الأربعاء، المتحدث باسم اللجنة محمود عباس زادة لوكالة "تسنيم" الإيرانية.
وبحسب عباس زادة، قال باقري كني إن الوفد الإيراني "لم يجر أي تفاوض مباشر مع أميركا"، مؤكداً أنه "خلال الظروف الراهنة ليس واضحاً ما إذا كان التفاوض المباشر مع أميركا يحقق نتيجة".
وأكد باقري كني أن "من حقنا أن يتم إلغاء جميع العقوبات، لكن حتى اليوم الطرف الآخر وافق على رفع جزء منها".
وأشار إلى أن "ثمة مؤشرات وحقائق تظهر أن الظروف مهيأة للتوصل إلى اتفاق جيّد على قاعدة الرابح الرابح، لكن شريطة أن تكون لدى الغربيين الجدية وحسن النوايا".
في الأثناء، لا معلومات أو تفاصيل دقيقة واردة من العاصمة النمساوية حيث تجري المفاوضات، وما يبوح به المفاوضون ليس إلا تصريحات عامة، فضلاً عن أن المتسرب منها شحيح للغاية.
الخلافات المتبقية بين المتفاوضين في فيينا
في هذه الأجواء، كشفت مصادر مطلعة مواكبة للمفاوضات في فيينا، لـ"العربي الجديد"، عن أن "ثمة خلافات أساسية مهمة عالقة من دون حل بعد"، مشيرةً إلى أنها "تعادل أكثر من 10 في المائة من القضايا الخلافية، لكنها الأكثر أهمية وبالغة الحساسية، وعجز المفاوضون إلى الآن عن إيجاد حلول لها في فيينا".
وأكدت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن "الخلافات المتبقية في الملفات الأربعة (رفع العقوبات، والإجراءات النووية، وآلية التحقق من تنفيذ التعهدات، والضمانات التي تطالب بها طهران)".
تسعى أميركا لإعادة برنامج إيران النووي إلى ما قبل انسحابها من الاتفاق
ولفتت المصادر إلى أن "الملف الذي سجّل تقدماً أكثر من غيره هو ملف الإجراءات النووية"، وقالت إن "الأطراف اقتربت إلى ورقة شبه نهائية حول هذا الملف، لكن هناك نقطتي خلاف أساسيتين عالقتين".
وأوضحت أن هاتين النقطتين "مرتبطتان بمصير آثار التقدم النووي الإيراني بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي (عام 2018)، وتتمحوران تحديداً حول أجهزة الطرد المركزي المتطورة، واحتياطات اليورانيوم عالي التخصيب (بنسبة 20 و60 في المائة)".
وأشارت المصادر إلى أن "واشنطن مصرة على تدمير أجهزة الطرد المركزي هذه، وعلى نقل احتياطات اليورانيوم المخصب بدرجة عالية إلى الخارج".
وأضافت أن "الإصرار الأميركي مدفوع بالسعي لإعادة برنامج إيران النووي إلى ما قبل الانسحاب من الاتفاق"، غير أنها بيّنت أن "إيران تريد الاحتفاظ بهذه الأجهزة والاحتياطيات، كإحدى الضمانات الضاغطة على الطرف الآخر لمنعه من الانسحاب من الاتفاق لاحقاً".
وعن ملف رفع العقوبات، قالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "ثمة خلافات مهمة بين الطرفين حول طبيعية العقوبات وطريقة رفعها؛ بين الإلغاء والتعليق".
وأشارت إلى أن "الإدارة الأميركية ترفض رفع العقوبات عن كيانات وأشخاص، إذ ترفض إخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، وإلغاء الحكم التنفيذي باستمرار الحظر التسليحي على إيران".
ولفتت المصادر إلى أن "واشنطن تريد تعليق عقوبات اقتصادية، بينما تطالب طهران بإلغائها"، موضحةً أن ملفي الضمانات وآلية التحقق من تنفيذ التعهدات "لم يسجلا تقدماً ملحوظاً، والمقترحات بشأن الملفين لا تلبي المطالب الإيرانية".
وأشارت المصادر إلى أن الفترة الزمنية التي تطالب بها طهران للتحقق من رفع العقوبات "زادت من يومين (الجولة السادسة) إلى نحو أسبوعين (في الجولة الثامنة)، لكن ليس بشكل متتال ومتلاحق".
ملفا الضمانات وآلية التحقق من تنفيذ التعهدات لم يسجلا تقدماً ملحوظاً
وساطات بين طهران وواشنطن حول ملفين
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، عن "وساطات" بين إيران والولايات المتحدة "بشأن ملفي صفقة تبادل للسجناء ومفاوضات فيينا"، موضحة أن "زخم هذه الوساطات زاد أخيراً، وهي تسعى إلى جمع الطرفين على طاولة تفاوض مباشرة لدفع عملية التفاوض إلى الأمام".
وأشارت المصادر إلى أن "إيران تشترط الحصول على تنازل كبير من الطرف الأميركي، سواء من خلال إبرام صفقة التبادل أو الإفراج عن أرصدة مجمدة لها، للموافقة على التفاوض المباشر".
لكن المصادر أكدت في الوقت ذاته أن "الإدارة الأميركية ترغب في ربط صفقة التبادل بالاتفاق في فيينا، لتسويق الأمر في الداخل، في مواجهة معارضي العودة للاتفاق النووي".
تشابك الملفات في مفاوضات فيينا
في غضون ذلك، تحدث الخبير المقرب من الوفد الإيراني المفاوض في فيينا عباس أصلاني، لـ"العربي الجديد"، عن "الخلافات المهمة العالقة"، قائلاً إنها "تطاول جميع ملفات التفاوض تقريباً بدرجات متفاوتة".
وأوضح أصلاني أن الخلاف بشأن نطاق العقوبات التي تؤكد طهران على ضرورة رفعها "لا يزال مستمراً"، لافتاً إلى أن "أميركا ليست مستعدة لإلغاء بعض العقوبات"، مع إشارته إلى أن "تجربة تنفيذ الاتفاق النووي وعدم رفع العقوبات كما كان ينبغي، تجعل إيران مصرة على مطلبها بضرورة التحقق من رفع العقوبات هذه المرة".
وكشف الخبير الإيراني عن "التوصل إلى تفاهمات بشأن كيفية التحقق من رفع العقوبات والفترة الزمنية، لكن ثمة خلافات بشأن الملف باقية أيضاً"، مشيراً إلى أن "الخلافات بشأن الضمانات مستمرة أيضاً".
وقال أصلاني إن "ملفات التفاوض متشابكة ومرتبطة بعضها ببعض كسبحة"، مضيفاً أن "الأطراف الأخرى تريد إعادة برنامج إيران النووي إلى الوراء وتدمير جزء منه، لكن هذا يتعارض مع ما ينصّ عليه الاتفاق النووي".
أصلاني: الخلاف بشأن نطاق العقوبات التي تؤكد طهران على ضرورة رفعها لا يزال مستمراً
وأكد أن "التقدم النووي الإيراني جاء رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق والمماطلة الأوروبية"، وأشار إلى أن "الاتفاق المؤقت فكرة أميركية أوروبية، وهو مطروح منذ بداية المفاوضات"، معتبراً أن طرح ذلك "يؤكد عدم استعداد الطرف الأميركي للعودة إلى كامل التعهدات".
ولفت أصلاني إلى أن "الطرفين يركزان حالياً على التوصل لاتفاق كامل لإحياء الاتفاق النووي، لكن بحال عدم التوصل إليه، ليس واضحاً بعد ما إذا كانت إيران ستقبل بالاتفاق المؤقت أم لا".
وأشار إلى "الضغوطات الداخلية والخارجية التي يواجهها الرئيس الأميركي جو بايدن على طريق العودة إلى الاتفاق النووي، ومنها الانتخابات التكميلية المقبلة للكونغرس الأميركي ومعارضة إسرائيل".