تشير الوقائع الميدانية في الجنوب السوري، إلى أن النظام تخلى عن دوره في محاربة خلايا لتنظيم "داعش"، ما تزال تنشط في ريف درعا، إضافة إلى ضبط الحدود للحد من تهريب المخدرات إلى الأردن، ما دفع فصائل محلية في درعا والسويداء لتولي هذه المهام في الآونة الأخيرة لسدّ الفراغ الأمني، واستطاعت تحقيق نجاحات على الأرض.
هجمات على خلايا "داعش" في الجنوب السوري
ومنذ مطلع العام الحالي، تشنّ فصائل محلية هجمات على خلايا يُعتقد أنها تابعة لـ"داعش" في محافظة درعا، في الجنوب السوري، أحدثها كان قبل أيام (الأحد الماضي) في مدينة نوى، حين قتلت هذه الفصائل عناصر عدة بينهم قيادي بارز في التنظيم، وهو أسامة شحادة العزيزي الذي يشغل منصب "والي حوران" في التنظيم. والعزيزي يتحدر من بلدة الشجرة غربي درعا، وسبق أن عمل في صفوف التنظيم في منطقة حوض اليرموك قبيل عام 2018.
وشارك في الهجوم مسلحون محليون من أبناء المدينة ومقاتلون من "اللجان المركزية"، التي تعتبر ممثلة لفصائل درعا في المفاوضات مع النظام، إضافة إلى اللواء الثامن، الذي يتبع نظرياً لـ"الأمن العسكري" التابع للنظام (كانت تدعمه روسيا سابقاً وينتشر في شرق المحافظة)، والذي أرسل عدة سيارات محملة بالعناصر و3 مضادات أرضية قادمة من مدينة بصرى الشام شرقي درعا.
تمكنت الفصائل من اختراق هيكلة التنظيم الإدارية
وكانت فصائل محلية قد شنّت هجوماً مطلع العام الحالي في بلدة اليادودة بريف درعا الغربي ضد مجموعة متهمة من اللجان المركزية بتنفيذ عمليات اعتقال لصالح أجهزة النظام الأمنية التي كما يبدو تغذي الفوضى الأمنية في محافظة درعا.
وقتلت فصائل محلية خلال السنوات القليلة الماضية العديد من قياديي "داعش" البارزين في محافظة درعا، كان أبرزهم المدعو أبو عبد الرحمن العراقي، الذي قتل في بلدة جاسم أواخر 2022، وأكدت القيادة المركزية الأميركية حينها أنه كان زعيم تنظيم "داعش"، ويُلقب بـ "أبو الحسن القرشي".
سدّ فراغ غياب النظام
ومنذ استعادة سيطرته على محافظتي درعا والقنيطرة منتصف عام 2018، لم يعمل النظام السوري على محاربة خلايا "داعش" أو ضبط الحدود مع الأردن، بل إن المعطيات تؤكد أنه يقف وراء مئات عمليات الاغتيال التي جرت في درعا، وأن أجهزته تسهّل عمليات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن. وكان النظام قد سيطر على محافظة درعا من خلال اتفاقات تسوية مع فصائل المعارضة تحت إشراف روسي وتسهيل إقليمي إلا أن المحافظة تحولت لاحقاً إلى بوابة لتهريب المخدرات إلى الأردن.
ورأى أبو محمود الحوراني، المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" الذي يهتم بنقل أخبار الجنوب السوري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الفصائل المحلية "قادرة على سدّ الفراغ الذي تركه النظام متعمداً في محافظة درعا". وتابع الحوراني: "هذه الفصائل أخذت على عاتقها محاربة داعش منذ ظهوره في محافظة درعا بمنطقة حوض اليرموك، قبل سيطرة النظام على درعا بسنوات، وتمكنت كثيراً من اختراق هيكلة التنظيم الإدارية ما سهّل عليها القيام بعمليات عدة أدت إلى مقتل قياديين بارزين من بينهم زعيم التنظيم في عام 2022". وأشار الحوراني إلى أن "هدف النظام القضاء على الفصائل المحلية المعارضة له، لذا لا يُساندها في حربها ضد خلايا داعش وفلوله في المحافظة".
مبادرات وتحركات في السويداء
ولم يكتف النظام بالتخلي عن مسؤولياته في محافظة درعا، بل ينسحب ذلك على محافظة السويداء المتاخمة لها من الشرق، ما دفع فصائل محلية إلى التدخل لضبط الأمن داخل المحافظة لحماية الناس وممتلكاتهم، وعلى الحدود السورية الأردنية التي تشهد عمليات تهريب مخدرات واسعة النطاق إلى الداخل الأردني.
فصائل محلية تدخلت لضبط الأمن داخل محافظة السويداء لحماية الناس وممتلكاتهم
وأعلن "تجمع أبناء الجبل" وهو فصيل محلي ينشط في السويداء، الأربعاء الماضي، إلقاء القبض على من وصفهم بـ"عصابة لصوص متورطين بسرقة عدد كبير من السيارات والممتلكات الأخرى"، وفق شبكة "السويداء 24" الإخبارية المحلية. وبحسب مصادر إعلامية محلية، تشهد بعض القرى الحدودية مع الأردن، جنوبي محافظة السويداء، مبادرات وتحركات أهلية، تهدف إلى مكافحة عمليات تهريب المخدرات إلى الداخل الأردني.
وشُكّلت خلال الأيام القليلة الماضية دوريات أهلية في قرى ريف السويداء الجنوبي بهدف رصد الطرق المشبوهة بالتهريب "في ظل تخلي الدولة عن مسؤولياتها، وتكرر الضربات الجوية الأردنية على المناطق المأهولة بالسكان".
وأوضح الناشط المدني هاني عزام، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام تخلى عن مسؤولياته في محافظة السويداء منذ سنوات". وأضاف: "ليس هذا فقط، بل هو مسهّل وشريك في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود.
وبيّن عزام أن المخافر الحدودية التابعة للنظام "بعيدة عن بعضها وعناصرها قليلة"، مضيفاً أن "لهم عمولات من المهربين". وأشار إلى أن أهالي القرى قرّروا تعيين حرّاس بعد الضربات الجوية الأردنية لـ"ضبط الحدود ومنع عمليات التهريب لتفادي القصف الأردني في ظل غياب النظام بشكل كامل". ولفت إلى أنه "بات الآن هناك عبء على الناس لتغطية رواتب الحرّاس وتكاليف الحراسة، فضلاً عن خطورة الأمر وعدم نجاعته على المدى الطويل". وبيّن أن هناك عصابات تحطيب منظمة ظهرت في السويداء تهدد موارد الرزق للناس، ما دفع الأهالي إلى تشكيل مجموعات لحماية مزارعهم وبساتينهم من هذه العصابات.
هاني عزام: بات الآن هناك عبء على الناس لتغطية رواتب الحرّاس وتكاليف الحراسة
من جهته، أعرب الصحافي نورس عزيز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "الفصائل المحلية في حالة عدم وجود جسم موحد لا تستطيع إدارة محافظة السويداء"، مشيراً إلى أن المرحلة "تتطلب توحيد الكلمة في جنوب سورية لإيجاد مبادرات تفضي إلى تطبيق الإدارة المحلية".
وكانت "حركة رجال الكرامة"، أبرز الفصائل المحلية في محافظة السويداء، أعلنت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي عن إطلاق حملة عسكرية ضد تجّار ومهربي المخدرات في بلدة ذيبين، قرب الحدود مع الأردن، في خطوة تهدف إلى مكافحة الجريمة ومحاسبة الخارجين عن القانون، في ظل تلكؤ النظام السوري عن أداء دوره في حماية المواطنين وممتلكاتهم.
وجاءت هذه الحملة بعد أيام من هجمات جوية أردنية ضد ما يشتبه أنها مواقع تابعة لتجار المخدرات في ريف السويداء، أدت إلى مقتل 10 مدنيين، بينهم نساء وأطفال، في بلدة عرمان، وهو ما أثار استياء عارماً في السويداء التي تشهد حراكاً مناهضاً للنظام منذ منتصف العام الماضي.
وقدمت حركة "رجال الكرامة"، بعد الهجمات التي شنّها الطيران الأردني، مبادرة لعمّان لتجنيب المدنيين ما سمته "الموت المجاني"، ترتكز على بنود عدة، أبرزها تسليم الحركة لوائح بأسماء الموجودين ضمن محافظة السويداء، ممن تعتقد أنهم متورطون في تجارة وتهريب المخدرات. وأشارت الحركة في بيان إلى "تخلي الدولة السورية عن مسؤوليتها في حماية المدنيين ومكافحة المخدرات"، لافتة إلى تورطها في تسهيل تحويل المنطقة إلى "معبر غير شرعي" لتهريب المخدرات وإلى "منطقة تخزين وتهريب إلى الأردن".