الجنائية الدولية وحفتر

21 نوفمبر 2024
تظاهرة ضد حفتر في تاجوراء، 25 فبراير 2022 (محمود تركيا/فرانس برس)
+ الخط -

لم تلق تصريحات المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أول من أمس الثلاثاء أمام أعضاء مجلس الأمن، بشأن عزم محكمته إصدار مزيد من أوامر القبض بحق من ارتكبوا جرائم في ليبيا، بعد الأوامر السابقة التي أصدرتها بحق ستة متورطين في جريمة المقابر الجماعية في ترهونة، أي ترحيب أو احتفاء في ليبيا. تَعامُل هذه المحكمة في ملف الجرائم في ليبيا منذ العام 2020 لا يلقى اهتماماً من قبل الليبيين من أصله، إذ علاوة على طول المدة دون الإعلان عن خطوات حقيقية وواضحة، فالقضاء الدولي معروف عنه عدم إنصافه للشعوب بقدر ما يتساوق مع مصالح الكبار الدوليين الذين يقع في دائرة تأثيرهم. ومن هذه الزاوية الأخيرة تثير تصريحات خان الأخيرة مخاوف حقيقية حول عملها في ملف الجرائم والشخصيات المرتبطة بها في ليبيا، خصوصاً شخصية اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

جاء إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر القبض الستة السابقة بحق المتورطين في جريمة المقابر الجماعية (مدينة ترهونة) بعد أقل من أسبوعين من إعلان محكمة فرجينيا (الأميركية) الفيدرالية، منتصف إبريل/نيسان الماضي، وبشكل مفاجئ عدم اختصاصها بالنظر في قضايا رفعتها أسر ليبية ضد حفتر، الحامل للجنسية الأميركية، وذلك بعد أزيد من ثلاث سنوات كان يخضع حفتر خلالها للمساءلة المباشرة من قبلها حيال تضرر هذه الأسر من جرائمه إبان سنوات حروبه في بنغازي. من ينكر صلة الشخصيات الست التي أصدرت المحكمة الجنائية أوامر بالقبض عليها بحفتر؟ خان نفسه وصفهم صراحة بأنهم قادة مليشيا "الكانيات"، ومعروف لدى الجميع أن حفتر من شرعنها بقرار رسمي وسماها "اللواء السابع" ضمن مليشياته التي دهمت طرابلس عامي 2019 و2020. وبات معروفاً لدى الرأي العام المحلي والدولي أن جريمة المقابر الجماعية التي ارتكبها "الكانيات" في ترهونة كانت خلال عدوان حفتر على طرابلس. فلماذا فصل قضية جريمتهم عن حفتر؟

أليس من ازدواج المعايير تعامل خان ومحكمته مع الصفات الرسمية للمؤسسات الليبية؟ فقد طلب صراحة من بعضها المساعدة في القبض على المجرمين، لكنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى طلبات مماثلة لمليشيات كان يذكرها في إحاطته بصفتها مؤسسة رسمية: "الجيش الوطني الليبي". وما دام الأمر كذلك والكانيات لواء رسميا في "الجيش" وبقرار منه، أوليس من المنطقي أن تصدر الأوامر العسكرية عنه، وعلى الأقل بعلمه كما هي المؤسسات العسكرية في كل الدنيا؟ بل لم يثر خان قضية مقتل زعيم هؤلاء الستة، محمد الكاني، في ظروف غامضة في بنغازي في يوليو/ تموز 2021، والذي من المنطقي أن يكون المسؤول الأول عنهم وعن جريمة المقابر الجماعية بصفته قائد اللواء السابع! فمن صاحب المصلحة في اغتياله؟ ولماذا لجأ إلى بنغازي تحديداً صحبة مليشيات حفتر عند انسحابها من جنوب طرابلس؟ أوَلا يعني قفل ملف محمد الكاني بعد مقتله فصلاً واضحاً بينه وبين حفتر؟

أعلن خان اعتزام محكمته إصدار أوامر قبض بحق متورطين في جرائم بين عامي 2014 و2020، فهل ستكون لديه هو ومحكمته الصراحة والشفافية لتسمية المسؤول عن اختفاء عضو مجلس النواب سهام سرقيوة في سبتمبر/ أيلول 2019 بعد ساعات قليلة من ظهورها التلفزيوني الذي انتقدت فيه عدوان حفتر على العاصمة، وغاب مصيرها منذ ذلك اليوم؟ فلا عجب أنه يعني بتلك الفترة المحددة بين 2014 و2020 الجرائم التي وقعت في بنغازي والشرق الليبي عموماً، خصوصاً أنه ذكر أمثلة عن هذه الجرائم ومنها جريمة اختفاء عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي، في مايو/ أيار الماضي في بنغازي، وشبّه قضيته بقضية اختفاء سرقيوة المرتبطة بحفتر.

صحيح أن الشبهات حول نزاهة المحكمة الجنائية الدولية وشفافيتها ومزاعم ترسيخ مبدأ العدالة الدولية باتت أخيراً من نافل القول، لكن ما يثير المخاوف في تعاملها مع الملف الليبي يفرز سؤالاً حول: ماذا يخطط الكبار الدوليون في الملف الليبي؟ ولماذا يحتاجون لاستمرار حفتر إذا ما ثبت أن نهاية مسار تعامل هذه المحكمة في قضايا الجرائم في ليبيا هو تنظيف ملفات حفتر، بالفصل بينه وبين جرائمه وإحالة مسؤوليته عنها إلى شخصيات أخرى؟