- الجماعة تسعى لكسر قواعد الاشتباك المستقرة بالقرار الدولي 1701، مع إعادة تفعيل "قوات الفجر" وظهور عراضات عسكرية، ما يثير تساؤلات حول أهدافها وتحدياتها الداخلية.
- بسام حمود يؤكد على حق الجماعة في الدفاع عن لبنان واستقلاليتها عن حزب الله، مشيرًا إلى التفاعل الإيجابي من المجتمع السني وتطلعاتها لبناء دولة قوية قائمة على القانون والمواطنة.
عادت "قوات الفجر" الجناح العسكري في الجماعة الإسلامية في لبنان إلى الميدان من بوابة الحرب الدائرة بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد يوم من بدء عملية طوفان الأقصى في غزة، وتبنّيها توجيه ضربات صاروخية نحو مواقع إسرائيلية في الأراضي المحتلة. وبرز اسمها من جديد بعد الظهور الأول لها خلال الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982، مع مشاركة وُصفت بـ"المحدودة" في عدوان يوليو/تموز 2006. في 18 أكتوبر الماضي، أعلنت "قوات الفجر" عن أولى عملياتها العسكرية، عبر "توجيه ضربات صاروخية استهدفت مواقع العدو الصهيوني في الأراضي المحتلة، وحققت فيها إصابات مباشرة رداً على العدوان الذي طاول أهلنا في الجنوب اللبناني من مدنيين وصحافيين، حيث سقط منهم عدد من الشهداء والجرحى، فضلاً عن قصف المنازل والمساجد وتدميرها" بحسب بيان لها. وبعدها نفذت هذه القوات أكثر من استهداف، ونعت سبعة مقاتلين، فضلاً عن استشهاد سبعة مسعفين في جهاز الدفاع المدني التابع لجهاز الإغاثة والطوارئ العائد لها، في غارة إسرائيلية استهدفت الهبارية في 27 مارس/آذار الماضي.
الجماعة الإسلامية في الحرب
وأتت مشاركة الجماعة الإسلامية مع انخراط فصائل فلسطينية، وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، في سياق مزيد من كسر قواعد الاشتباك التي أرساها القرار الدولي 1701، الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي. وطرحت مشاركة الجماعة الإسلامية في المواجهات تساؤلات حول الهدف من إعادة إحياء "قوات الفجر" ودورها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب على غزة والجنوب اللبناني، خصوصاً مع بروز عراضات عسكرية لمناصري الجماعة، في أواخر إبريل/نيسان الماضي، خلال تشييع اثنين من قادتها استشهدا جنوباً، وذلك في بلدة ببنين، بقضاء عكار، شمالي لبنان، وأثارت ردود فعلٍ غاضبة شعبياً وسياسياً، ومن قبل نواب من الطائفة السنية، علماً أنّ الجماعة أكدت عدم انتماء أي من مطلقي النار إليها. ولم تلقَ مشاركة الجماعة الإسلامية الممثلة بنائب واحد (عماد الحوت عن العاصمة بيروت) في البرلمان اللبناني، في الحرب على الجبهة الجنوبية، تأييد كلّ المكوّن السني، الذي سارع بعض نوابه إلى توجيه استنكارات ومهاجمة العراضة العسكرية في عكار، والظهور المسلح الذي برأيهم "لا يخدم سوى إسرائيل".
بسام حمود: نتفق في بعض القضايا مع حزب الله ونختلف في بعضها الآخر
في هذا الإطار، قال نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان بسام حمود لـ"العربي الجديد"، إن "الجماعة الإسلامية تمارس حقها كأي لبناني في الدفاع عن سيادة وطنها وكرامة أهلها في وجه العدوان الصهيوني المتمادي على جنوب لبنان، وهي تشارك إلى جانب كل المقاومين في عملية التصدي للعدوان، ورسالتها الوحيدة هي للعدو الصهيوني ومفادها أن زمن العربدة واستباحة السيادة اللبنانية ولّى، وأنّ أيّ عدوان سيتم الرد عليه". وحول دور الجماعة بجناحها العسكري، ما بعد انتهاء الحرب، اعتبر حمود أنه "نحن الآن في حالة حرب مع عدو مجرم وغاشم، وما نفكر به الآن ونخطط له هو كيفية التصدي له وحماية أهلنا والدفاع عن وطننا، وهذا من صلب الرؤية السياسية للجماعة الإسلامية التي كانت قد أعلنتها من خلال وثيقة رؤية وطن عام 2017، والتي أكدت خلالها أن مشروعها السياسي في الداخل اللبناني هو الشراكة الحقيقية وبناء الدولة القوية، دولة القانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية".
ولفت حمود إلى أن "العلاقة مع حزب الله علاقة بين مكونين سياسيين لبنانيين، نتفق في بعض القضايا ونختلف في بعضها، أما الآن فنحن شركاء في مقاومة العدو، كلٌّ من موقعه وحسب قدراته وإمكاناته". وحول الظهور المسلح للجماعة في عكار، أشار إلى أن "الجماعة الإسلامية عبّرت عن استنكارها وإدانتها لما حصل أثناء تشييع شهدائها من ظهور مسلح وإطلاق نار، واعتبرت أن هذا الفعل لا يجوز لا شرعاً ولا عقلاً ولا قانوناً، لكن للأسف هذه العادات السيئة منتشرة في كل المناطق اللبنانية وعند كل أطياف الشعب اللبناني وفي كل المناسبات. وأنا أجزم أنّ أيّاً من عناصر الجماعة الإسلامية لم يطلق طلقة واحدة، وأن السواد الأعظم من المسلحين الذين أطلقوا النار هم من عشائر وعائلات المنطقة الذين يعتبرون وفق الثقافة السائدة أنهم يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بشهداء منطقتهم".
في المقابل، اعتبر حمود أنّ موقف المكوّن السني في لبنان من مشاركة الجماعة في الحرب "يمكن قراءته في كثافة المشاركين في التشييع وفي تقبل التعازي على كافة المستويات الرسمية والحزبية والشعبية، وهذا ما شوهد أمام الإعلام، ويوازيه سيل من الاتصالات والرسائل لكلّ شرائح الطيف السني شباباً وشيباً رجالاً ونساءً يباركون ويؤيدون ويدعمون نهج الجماعة في التصدي للعدوان". هذه التطورات أعادت تسليط الضوء على الجماعة الإسلامية التي دائماً ما كانت على هامش السياسة اللبنانية، رغم انتشارها في العديد من المناطق اللبنانية، مع أن تمثيلها النيابي مقتصر على نائب واحد، إذ أدت أدواراً عسكرية إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكان لها محطات عدة في السياسة والتحالفات الانتخابية، أبرزها بعد استشهاد رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005.
تاريخ الجماعة الإسلامية
في السياق، أوضح الباحث والمحلل السياسي، ربيع دندشلي لـ"العربي الجديد"، أن "الجماعة الإسلامية حزب تأسّس أواسط الستينيات من القرن الماضي، وافتتح مركزه في بيروت، وانتشر في المناطق اللبنانية، حيث الوجود السني، وكان من أبرز محطّاتها، فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، عندما أطلقت قوات الفجر، وأدت الدور الأكبر في شرق صيدا، جنوبي لبنان، حيث كان لها وجود عسكري إلى جانب بعض قرى الشريط الحدودي، وكانت الأولى بالمشاركة العسكرية على الساحة السنية اللبنانية". وأشار دندشلي إلى أن "المرحلة الثانية التي برزت فيها الجماعة الإسلامية كانت بفوزها بعددٍ من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، توزعت على بيروت وصيدا جنوباً، وطرابلس والضنية شمالاً، بينما شكّلت المحطة الثالثة بالنسبة إليها، الانفتاح أكثر على السياسة المحلية اللبنانية، بعد الخروج السوري من لبنان في عام 2005، واختيارها الانخراط مع قوى 14 آذار (تحالف سياسي ثار على الوجود السوري في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري)، مع رمزية بالحضور الخجول مع 8 آذار (حزب الله وحركة أمل ومحورهما)، علماً أنها قاطعت الانتخابات عام 2005 اعتراضاً على القانون الانتخابي، ثم تحالفت مع تيار المستقبل (بزعامة سعد الدين رفيق الحريري) عام 2009 وحصدت مقعداً وحيداً في بيروت ناله عماد الحوت، وهو النائب الوحيد الممثل اليوم للجماعة".
ربيع دندشلي: الظرف في غزة فرض حاجة لمقاومة سنية لبنانية
ولفت دندشلي إلى أن "الجماعة أعادت اليوم إحياء جناحها العسكري، المعروف بقوات الفجر، إبّان الحرب الإسرائيلية على غزة، وعلى الرغم من رمزية ومحدودية المشاركة، مقارنة مع قوة حزب الله الذي يدير الجبهة الجنوبية المساندة لغزة، بيد أنها ظهرت كفصيلٍ سني لبناني وحيدٍ، بغض النظر عن الفصائل الفلسطينية المنخرطة، يقوم بتوجيه ضربات ضد العدو ويطلق الصواريخ وينفذ عمليات عسكرية إلى جانب المقاومة". وأوضح أن "الجماعة كان لها دور في عدوان يوليو 2006، لكن الحرب المعركة على مدى 33 يوماً محصورة بحزب الله"، مشيراً أيضاً إلى أن "الظرف في غزة، فرض حاجة لمقاومة سنية لبنانية، والجماعة في النهاية ترتبط مع حركة حماس بعلاقة قريبة منذ التأسيس والنشأة وهذه تفرض تعاطيا مختلفا، دفعها للمساندة".
وأضاف دندشلي أن "دور الجماعة العسكري اليوم معنوي أكثر منه عمليا، لكن مع ذلك يترك هذا الأمر قلقاً عند العدو، باعتبار أن المقاومة محصورة بحزب الله وفريق واحد، شئنا أم أبينا هو شيعي، ومن مصلحة إسرائيل أن تبقى هذه المعادلة لمحاصرة المقاومة وعزلها من خلال حصرها بطائفة واحدة، بيد أن وجود فصيل سني يعمل إلى جانبها يمكنه أن يستقطب فئة جديدة، ويجعل من المقاومة أكثر شمولية من حيث الطوائف". وحول موقع الجماعة الإسلامية بعد انتهاء الحرب على غزة، والجنوب اللبناني، قال دندشلي: "يجب انتظار نتائج الحرب في غزة، والمفاوضات الدائرة في المنطقة، فإما يتم تبنّي النموذج السني، وهنا ندخل مرحلة أو تسوية جديدة، أو نعود لمعادلة مفادها أن المقاومة محصورة بحزب الله، وقد تحصل تغييرات أيضاً على مستوى الجماعة تبعاً للانتخابات الداخلية، وتبرز مواقف مختلفة، ويمكن أن يبقى الجناح العسكري لديها محصوراً بالرد على أي توغل إسرائيلي في لبنان، من مبدأ القول إن شبابنا جاهزون".
من جهته، قال الباحث في مركز مالكوم كير ـ كارنيغي للشرق الأوسط، مهنّد الحاج علي، لـ"العربي الجديد": "لا أرى أنه سيكون للجماعة الإسلامية دور بعد وقف إطلاق النار أو سيتغيّر دورها في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنها ليست تنظيماً فاعلاً على المستوى الميداني، ولا استقلالية ميدانية لها عن حزب الله ولا حتى حركة حماس التي هي على ارتباط وثيق معها وتربطهما علاقة عضوية". ورأى الحاج علي أن مشاركة الجماعة الإسلامية بجناحها العسكري، على جبهة لبنان: "ليست فعّالة، إنما هي أكثر رمزية، فلا أسلحة نوعية لديها قادرة على إحداث خرق في المواجهة، وخبرتها تُعدّ حديثة في وقتٍ تعدّ المعركة اليوم دقيقة جداً، وقد تؤدي لواقع ميداني صعب لحزب الله". ولفت في المقابل إلى أن "هذه المشاركة يمكن أن تعكس الحاجة لمشاركة فصيل لبناني من خارج إطار الطائفة الشيعية، بغض النظر عن مشاركة الفصائل الفلسطينية، كما أنها توسّع دائرة القوى والمجتمعات المنخرطة في الصراع".